رد شبهة ان النبي موسى نسي ما طلبه منه الخضر في القران الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
تقول الشيعة: ان النبي معصوم من النسيان فكيف يوجهون ما حكاه القرآن من نسيان موسى (عليه السلام)؟
إن التمسك بالمحكم من القران الكريم, وارجاع المتشابه الى المحكم من القران الكريم هو العمل السليم والمطلوب اتباعه وارجاع تأويل المتشابه الى الله ورسوله. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا). فمن يراجع كتب اللغة لمعرفة كلمة معنى النسيان يجد: انها تاتي بمعنى الترك كما جاء في كتاب (الصّحّاح في اللغة). والنِسيانُ: خلاف الذِكْرِ والحفظ. وتَناساهُ: أرى من نفسه أنَّه نَسيه.
والنِسيانُ الترك. قال الله تعالى: (نَسوا الله فَنَسِيَهم)، وقال تعالى: (ولا تَنْسَوا الفضل بينكم)، نسي (مقاييس اللغة) النون والسين والياء أصلانِ صحيحان: يدلُّ أحدهما على إغفال الشيء، والثاني على تَرْك شيء. فالأوّل نسِيتُ الشَّيءَ، إذا لم تذكُره، نِسياناً. وعلى ذلك يفسَّر قولُه تعالى: (نَسُوا اللهَ فنَسِيَهُمْ)(1)، وكذلك قولـه سبحانه: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(2)، أراد والله أعلمُ: فتركَ العَهد. أما في كتاب لسان العرب فقد ذكر مفصلاً: والنِّسيْان، بكسر النون: ضدّ الذِّكر والحِفظ، نَسِيَه نِسْياً ونِسْياناً ونِسْوةً ونِساوةً ونَساوة؛ الأَخيرتان على المعاقبة.
وحكى ابن بري عن ابن خالويه في كتاب اللغات قال: نَسِيت الشيء نِسْياناً ونَسْياً ونِسْياً ونِساوةً ونِسْوةً؛ وأَنشد: فلَسْت بصَرَّامٍ ولا ذِي مَلالةٍ، ولا نِسْوةٍ للعَهْدِ، يا أُمَّ جَعْفَرِ وتَناساه وأَنْساه إِياه.
وقوله عز وجل: (نَسُوا اللهَ فنَسِيَهم)؛ قال ثعلب: لا يَنْسى الله عز وجل، إنما معناه تركوا الله فتركهم، فلما كان النِّسْيان ضرباً من الترك وضعَه موضعه، وفي التهذيب: أَي تركوا أَمرَ الله فتركهم من رحمته.
وقوله تعالى: (فنَسِيتَها وكذلك اليومَ تُنْسَى)؛ أَي ترَكْتَها فكذلك تُتْرَكُ في النار.
ورجل نَسْيانُ، بفتح النون: كثير النِّسْيانِ للشيء.
وقوله عز وجل: (ولقد عَهِدْنا إلى آدمَ من قَبْلُ فَنَسِيَ)؛ معناه أَيضاً تَرَكَ، لأَن النَّاسِي لا يُؤاخَذُ بِنِسْيانِه، والأَول أَقيس (* قوله « والاول أقيس» كذا بالأصل هنا، ولا أول ولا ثان، وهو في عبارة المحكم بعد قوله الذي سيأتي بعد قليل، والنسي والنسي الاخيرة عن كراع، فالاول الذي هو النسي بالكسر). والنِّسيانُ: الترك. وقوله عز وجل: (ما نَنْسخ مِن آية أَو نُنْسها)؛ أَي نأْمُركم بتركها. يقال: أَنْسَيْته أَي أَمَرْت بتركه. ونَسِيتُه تَرَكْتُه.وقال الفراء: عامة القراء يجعلون قوله أَو نَنْساها من النِّسيان، والنَّسْيانُ ههنا على وجهين: أَحدهما على الترك نَتْرُكها فلا نَنْسَخها كما قال عز وجل: (نَسُوا اللهَ فنَسِيَهم)؛ يريد تركوه فتركهم، وقال تعالى: (ولا تَنْسَوُا الفَضْلَ بينكم)؛ والوجه الآخر من النِّسيان الذي يُنْسَى كما قال تعالى: (واذْكُرْ رَبَّك إذا نَسِيتَ)؛ وقال الزجاج: قرئ أَو نُنْسِها، وقرئ: نْنَسِّها، وقرئ: نَنْسَأْها، قال: وقول أَهل اللغة في قوله أَو نُنْسِها قولان: قال بعضهم أَو نُنْسِها من النِّسْيان، وقال دليلنا على ذلك قوله تعالى: (سَنُقْرِئك فلا تَنْسَى إلا ما شاء الله)؛ فقد أَعلمَ الله أَنه يشاء أَن يَنسَى، قال أَبو إسحق: هذا القول عندي غير جائز لأن الله تعالى قد أَنبأ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، في قوله : (ولئن شئنا لنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَينا)؛ أَنه لا يشاء أَن يَذْهَب بما أَوحَى به إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: وقوله فلا تَنْسَى، أَي فلستَ تَتْرُك إلا ما شاء الله أَن تَترك، قال: ويجوز أَن يكون إلا ما شاء الله مما يلحق بالبشرية ثم تَذَكَّرُ بعدُ ليسَ أَنه على طريق السَّلْب للنبي (صلى الله عليه وسلم)، شيئاً أُتِيَه من الحكمة، قال: وقيل في قوله أَو نُنْسِها قول آخر، وهو خطأٌ أَيضاً، أَو نَتْرُكها، وهذا إنما يقال فيه نَسِيت إذا ترَكت، لا يقال أُنْسِيت تركت، وقال: وإنما معنى أَو نُنْسِها أَو نُتْرِكْها أَي نأْمُرْكُم بتركها؛ قال أَبو منصور: ومما يقوّي هذا ما رَوى ثعلب عن ابن الأَعرابي أَنه أَنشده: إنَّ عليَّ عُقْبةً أَقضِيها، لَسْتُ بناسِيها ولا مُنْسِيها قال: بناسِيها بتارِكها، ولا مُنْسِيها ولا مؤخِّرها، فوافق قولُ ابن الأَعرابي قولَه في النَّاسِي إنه التارك لا المُنْسِي، واختلفا في المُنْسِي، قال أَبو منصور: وكأَنَّ ابن الأَعرابي ذهب في قوله ولا مُنسِيها إلى تَرك الهمز من أَنسأْتُ الدَّبن إذا أَخَّرته، على لغة من يُخفف الهمز.
والنَّسْوةُ: التَّرْك للعمل. وقوله عز وجل: نَسُوا الله فأَنْساهم أَنْفُسهم؛ قال: إنما معناه أَنساهم أَن يعملوا لأَنفسهم.
وقوله عز وجل: وتَنْسَوْنَ ما تُشْركون؛ قال الزجاج: تَنْسَون ههنا على ضربين: جائز أَن يكون تَنْسَوْن تتركون، وجائز أَن يكون المعنى أَنكم في ترككم دُعاءهم بمنزلة من قد نَسِيَهم؛ وكذلك قوله تعالى: (فاليوم نَنْساهم كما نَسُوا لِقاء يومهم هذا)؛ أَي نتركهم من الرحمة في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا؛ وكذلك قوله تعالى: (فلما نَسُوا ما ذُكِّروا به)؛ يجوز أَن يكون معناه ترَكوا، ويجوز أَن يكونوا في تركهم القبول بمنزلة من نِسِيَ. الليث نَسِيَ فلان شيئاً كان يذكره، وإنه لَنَسِيُّ كثير النِّسيان.
والنَّسْيُ الشيء المَنْسِيُّ الذي لا يذكر. والنِّسْيُ والنَّسْيُ؛ الأخيرة عن كراع، وآدم قد أُوُخِذَ بِنسْيانِه فهَبَط من الجنة.
وجاء في الحديث: لو وُزِنَ حِلْمُهم وحَزْمُهم مُذْ كان آدمُ إلى أَن تقوم الساعةُ ما وَفَى بحِلْمِ آدَمَ وحَزْمِه.
وقال الله فيه : (فنَسِيَ ولم نَجِدْ له عزماً). النِّسْيُ: المَنْسِيُّ.
فالمراد هو لا تأخذني بما تركت. ويجري ذلك مجرى قوله تعالى: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي) أي ترك، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " وقال موسى لا تؤاخذني بما نسيت ". يقول بما تركت من عهدك. او إنه أراد لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان فسماه نسيانا للمشابهة كما قال المؤذن لأخوة يوسف (عليه السلام): إنكم لسارقون أي إنكم تشبهون السراق. وكما يتأول الخبر الذي يرويه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " كذب إبراهيم (عليه السلام) ثلاث كذبات في قوله سارة أختي، وفي قوله بل فعله كبيرهم هذا. وقوله إني سقيم "، والمراد بذلك إن كان هذا الخبر صحيحا أنه فعل ما ظاهره الكذب. وإذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها. وإذا حملناها على النسيان في الحقيقة كان الوجه فيه أن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما لا يجوز عليه النسيان فيما يؤديه عن الله تعالى أو في شرعه أو في أمر يقتضي التنفير عنه.
(1) التوبة 67
(2) طه 115