المؤلفون من الشيعة في عهد التابعين
لقد ذكرنا سابقا في مواضيع أخرى، جماعة من فقهاء الشيعة، الذين كتبوا في الفقه وغيره، بعد وفاة الرسول وبهذه المناسبة، ذكرنا علي بن أبي رافع صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكاتبه، وانه جمع كتابا في الفقه أملاه عليه علي (عليه السلام). كما أشرنا إلى أخيه عبد اللّه، الذي ألف كتابا فيمن حضر صفين مع علي (عليه السلام)، ونقل عنه ابن حجر في إصابته، كما في المراجعات. وفي فهرست أسماء المؤلفين قال: له كتاب امير المؤمنين (عليه السلام) وكتاب تسمية من شهد معه الجمل وصفين و النهروان من الصحابة. وقد ذكر السند الكامل، الذي اعتمد عليه، في نسبة الكتابين المذكورين إلى عبيد اللّه بن أبي رافع. وقد كان عبيد اللّه وأخوه علي من أعلام التابعين.
ومن التابعين الذين ألفوا في الفقه ربيعة بن سميغ، ذكره النجاشي في أول كتابه في الطبقة الأولى من مصنفي الشيعة، وذكر أن له كتابا في زكاة النعم رواه عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام). وفي إتقان المقال ورد ذكر ربيعة في قسم الحسن حسب اصطلاحهم في تصنيف الرواة، وقال: له كتاب في زكاة النعم وما يؤخذ منها، وأورد في كتابه عن النجاشي وغيره انه من مصنفي الشيعة ومؤلفيهم وغير ذلك.
ومن التابعين الذين ألفوا في الآثار الإسلامية قبل العصر الذي بدأ العلماء فيه بالتدوين، ثابت بن دينار، المُكنى بابي حمزة الثمالي. قال الشيخ الطوسي في الفهرست، أن له كتاب النوادر والزهد، رواهما عبيد اللّه بن زياد، عن محمّد بن عباس بن عيسى، عن أبي حمزة. وقال السيد حسن الصدر: انه كان من المنقطعين لأهل البيت ومن أصحاب علي بن الحسين وولده الباقر (عليهم السلام). ونقل عن الثعلبي انه اعتمد على تفسيره واخرج الكثير من رواياته.
وقال ابن النديم في الفهرست أن له كتابا في تفسير القرآن، وعده مع المصنفين في التفسير.
وفي إتقان المقال انه من خيار أصحابنا وثقاتهم، وقال فيه أبو عبد اللّه الصادق: ((ابو حمزة في زمانه كسلمان في زمانه)). وفي رواية أخرى أن الامام الرضا (عليه السلام) قال فيه: انه كلقمان في زمانه. وقد عده الشيخ الطوسي في الفهرست من مؤلفي الشيعة، وقال: أن له كتاب الزهد وكتاب النوادر.
وذكره الشيخ عباس القمي بنحو ما ذكره في إتقان المقال. وزاد النجاشي في رجاله بأن له بالإضافة إلى كتاب الزهد والنوادر كتابا في تفسير القرآن ورسالة في الحقوق، كتبها عن علي بن الحسين (عليه السلام) وقال: ((ان أولاده الثلاثة: نوح ومنصور وحمزة، قتلوا مع زيد بن علي)). وكان أبو حمزة من أصحاب علي بن الحسين (عليهما السلام), وبقي حتّى أدرك الامام موسى بن جعفر (عليه السلام).
ومن التابعين، الذين ألفوا قبل عصر التدوين عبيد اللّه بن علي الحلبي، قال الشيخ الطوسي، في كتابه المسمى بالفهرست، الذي جمع فيه أسماء المؤلفين من الشيعة: عبيد اللّه بن علي الحلبي، له كتاب معمول عليه، وقيل انه عرض على الامام الصادق فاستحسنه، وقال: ليس لهؤلاء، يعني أهل السنة مثله، ونقل عن جماعة من الرواة الذين رووا هذا الكتاب. وفي إتقان المقال قال: عبيد اللّه بن علي بن أبي شعبة كوفي، كان يتجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب، فغلبت عليهم النسبة إليها وآل أبي شعبة بالكوفة بيت المذكور من أصحابنا. روى جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين (عليهما السلام)، وكان كبيرهم ووجههم. وقد صنف عبيد اللّه الكتاب المنسوب إليه، ولما عرض على الصادق (عليه السلام) قال: أترى لهؤلاء مثله؟.
وفي أعيان الشيعة، بعد أن نقل عن النجاشي ما قيل في آل أبي شعبة، ذكر الكتاب المنسوب إلى عبيد اللّه بن علي بن أبي شعبة، ثمّ قال: وقد روى الكتاب خلق عن عبيد اللّه، والطرق إليه كثيرة ونقله عن البرقي في رجاله أيضا:
وقد ورد ذكره في رجال النجاشي بمثل ما ذكرناه. وورد ذكر هذا الكتاب لعبيد اللّه الحلبي في جميع المصادر الشيعية الموثوق بها عند الشيعة.
ومن التابعين الذين ألفوا في الفقه عمرو بن أبي المقدام الملقب بثابت بن هرمز. قال النجاشي، روى سحنة عن علي بن الحسين (عليه السلام)، رواها عنه ابنه عمر بن ثابت، وورد ذكره في رجال النجاشي مرة ثانية، إلاّ انه قال: روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وأبي عبد اللّه الصادق (عليهم السلام)، وله كتاب. وذكر على عادته السند المتصل بعباد بن يعقوب راوي الكتاب عنه.
وقال في تأسيس الشيعة: أن له جامعا في الفقه، يرويه عن الامام زين العابدين علي بن الحسين.
وفي إتقان المقال للشيخ محمّد طه وخلاصة الرجال للعلامة، ما يدل على حسن حاله واستقامته.
ومن الذين كتبوا في الفقه والتفسير محمّد بن علي الحلبي، وقد عدّه الشيخ الطوسي من مؤلفي الشيعة، وقال أن له كتابا، ووصفه بالوثاقة. وفي التعليقة على الكتاب المذكور قال محمّد بن علي بن أبي شعبة: وجه أصحابنا وفقيههم والثقة الذي لا يطعن عليه.
وفي رجال النجاشي، بعد أن وصفه بالوثاقة والفقاهة، قال: له كتاب التفسير. وبعد أن ذكر طريقه إليه من رواة الحديث قال: ((له كتاب مبوّب في الحلال والحرام)) وذكر من روى عنه الكتاب كما هي عادته.
ولا يسعنا أن نستقصي جميع فقهاء الشيعة في عصري الصحابة والتابعين، ولا جميع من كتب منهم في الفقه والحديث والآثار الإسلامية ولا هو في قصدنا في هذا الكتاب؛ وإنما الذي يهمنا من ذلك ونحاول إظهاره على واقعة، أن الشيعة في هذين العصرين، كانوا في طليعة الركب الإسلامي، الذي كان يعمل ويحرص على نشر تعاليم القرآن والسنة، وبيان ما جاء به الإسلام من حلال وحرام. فدوّنوا الحديث وألفوا في الفقه وغيره من فنون الإسلام قبل غيرهم بعشرات السنين. وإذا ظلمهم الكتّاب اليوم وقبل اليوم، فذاك لأنهم مقلدة الماضين، الذين وصفوا كل شيعي، أو داعٍ إلى التشيع، على حد تعبير الشيخ الخضرى، بالكذب والابتداع، مهما كانت منزلته من الدين والعلم والفقه. وكتبوا التاريخ للحكام، لا للحق ولا للتاريخ، الذي يحفظ لكل إنسان حقه ولكل امة ميزتها وخصائصها.