الزواج المؤقت (المتعة) : موسّع
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الفقه الشيعيَّ تَبَعاً للكتاب والسُّنة يُصَحّحُ نوعَينِ من الزَّواج: «الزواج الدائم» وهو لا يحتاج إلى توضيح.
«والزواج المؤقَّت» أو المتعة وكيفيته كالتالي:
يجوز للرجل والمرأة بأن يقيما علاقة زوجيّة بينهما لمدّة معينة شريطة أن لا يكون هناك مانعٌ شرعي (من نَسَبٍ أو رِضاعٍ) في طريق زواجهما، وذلك بَعد أن يُعيّنا مبلغاً من المال، ثم إنّهما بعد انقضاء المدة ينفصلان من دون إجراء صيغة الطلاق.
ولو نشأ من هذا الزواج (المؤقَّت) وَلد كان ولدُهما شرعاً وورثهما.
وعلى المرأة - بعد إنقضاء المُدّة - أن تعتدَّ عدةً شرعيّةً، ولو كانت حاملًا وَجَبَ الإعتدادُ إلى أن يولَد الطفلُ، ولا تتزوَّج في حالِ كونها في حبالة الرَّجُل، وكذا في حالِ عدَّتها، برجل آخر.
إنّ الزواج المؤقَّت مثل الزَّواج الدائم ماهيةً وحقيقةً، وأكثر الأحكام الثابتة للزواج الدائم، ثابتة كذلك للنكاح المؤقَّت، وغاية ما هناك من تفاوت مهّم بين هذين الزواجين هو أمران:
1. تعيين المدة في النكاح المؤقت.
2. عدم وجوب النفقة في هذا النِّكاح.
ولو أنّنا تجاوزنا هذين المطلبين البارزين تكون الفوارق الأُخرى فوارق جزئية لا توجب افتراقاً كبيراً بين النكاحين.
هذا وحيث إنّ الإسلام دينٌ خاتم وشريعة جامعة فجوّز هذه الأطروحة لحلّ المشكلة الجنسية.
ولو أنّنا أخذنا وضع الشاب الّذي يدرس أو يعمل خارج البلاد، ويفتقد القُدرة على الزواج الدائم فماذا يفعل في هذه الحالة؟ وما هي وظيفته في هذه الصورة؟ فإنَّ الشابّ لا يجد أمامه إلّا ثلاثة خيارات:
ألف: كبح الرغبة الجنسيّة وأن يحرم النفس من التلذّذ الجنسي.
ب: إيجاد العلاقة الجنسية غير الشرعية مع النساء الفاسدات أو المريضات.
ج: الإستفادة من الزواج المؤقّت مع امرأةٍ طاهرةٍ ضمن شروطٍ خاصّةٍ، من دون تحمّل مشكلة النفقة والتي توجدُها رابطة الزوجية الدائمة. إنّ من الواضح انّه ليس هناك طريقٌ رابعٌ يستفيد منه الشابُ المذكورُ، على أنّه لا يعني هذا أنّ الزواج المؤقَّت خاصٌّ بمثل هذه الشروط ولكن في نفس الوَقت تستطيع ملاحظة مثل هذه الموارد أن تكشف عن حكمة تشريع هذا النمط من الزواج.
ولابدّ من الإلتفات - ضمناً - إلى أنّ فقهاءَ الإسلام قد أيّدوا نوعاً من الزَّواج الدائم الذي هو في حقيقته الزواج المؤقّت وهو ان يتزوجَ رجلٌ وامرأة زواجاً دائمياً ولكنهما أو أحدهما يعلمان بأنهما سينفصلان، بعد مدة بالطلاق.
إنّ تجويز هذا النوع من الزواج يشبه تماماً تجويز الزواج المؤقّت فهما متشابهان جوهراً وإن اختلفا اسماً.
إنّ الكتاب والسُّنَّة النبويّة حاكيان عن مشروعية الزواج المؤقّت (المتعة) فالقرآنُ الكريم يقول:
«فما اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنهُنَّ فآتُوهُنَّ أُجورَهُنَّ فَرِيضةً»«1».
إنّ الأغلبيّة الساحقة من المفسّرين يعتبرون هذه الآية مرتبطةً بالزواج المؤقّت. وأساساً لا مجال للترديد في تشريع مثل هذا النكاح في الإسلام، إنّما الخلاف لو كان هو في نسخ هذا الزواج أو عدم نسخه، أي بقاءه على مشروعيته.
وروايات الفريقين حاكية عن أنّ هذا الحكم لم يُنسَخ. إنما مُنِعَ عن العمل بهذا الحكم في عصر الخليفة الثاني، والجدير بالذكر أنّ هناك كلاماً للخليفة في هذا المجال يكشف أيضاً عن أنّ هذا النمط من النكاح كان جائزاً بل رائجاً في عصر النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم). ويفيد أنّ هذا المنع لم يكن ناشئاً إلّا من رأي شخصيٍ ليس إلّا، لأنّه قال: «أيّها الناسُ ثلاثٌ كنَّ على عَهد رسولِ الله أنا أنهى عنهنّ وأُحَرمهنَّ وأُعاقب عليهنّ، وهي: متعة النساء، ومتعة الحج، وحيّ على خَير العَمَل»«2».
والعجيب أن نهيَ الخليفة عن الشق الأوّل والشق الأخير من هذه الشقوق بقى إلى الآن ولكن متعة الحج بقيت معمولًا بها عند جميع المسلمين خلافاً لرأي الخليفة الثاني (والمقصود من متعة الحج هو أنّ الحاج بعد أن انتهى من عمرة الحج يخرج من حالة الإحرام، وتحلّ له محرماته وهذه نهى عنها عمر وأمر بعدم الخروج من الإحرام وبقاء محرمات الإحرام حتى حلول موعد الحج).
والدليل الواضح على أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يمنع عن المتعة ما رواه البخاري عن عِمران بن حصين أنّه قال: نزلت آية المتعة في كتابِ اللهِ ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرّمُهُ ولم يَنهَ عنها حتى مات، قالَ رجلٌ برَأْيه ما شاءَ (والمقصود هو تحريم الخليفة الثاني لنكاح المتعة)«3».
(1) النساء/ 24
(2) شرح التجريد للقوشجي، مبحث الإمامة، ص 464، وغير
(3) صحيح البخاري، 6/ 37، قسم التفسير عند تفسير الآية 196 من سورة البقرة