شبهة انكار الشيخ المفيد لعلم الائمة بالغيب
بسم الله الرحمن الرحيم
المسلمون جميعهمم يعتقدون بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأنبياء (عليهم السلام) يعلمون بعض الغيب بتعليم الله تعالى لهم كما نص القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ )(1)، وكما ذكر قول النبي عيسى (عليه السلام) (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ )(2)، وقوله عز وجل مخاطباً النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): ( ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ )(3).
فإذا أخبر الله تعالى رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ببعض المغيبات ثم أطلع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) بعض هذا العلم، فيقال: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعرف الغيب، فكيف يعتبر هذا القول من الكفر الصريح؟ وبأي دليل؟ لكن بعض من يحاول ان يصطاد بالماء العكر يحاول ان يشكك بهذة المسالة الواضحة ويظهر علم الائمة بالغيب كأنه نوع من الغلو، ويحاول ان يستشهد ببعض كلام العلماء بعد تقطيعه فيأخذ الجزء المفيد له ويدع الباقي. وكان الناس سوف لا تكتشف الحقيقة. وهذا نجده كثيراً عندهم بل عند كبار علمائهم مع الأسف. فيدعون أن الشيخ المفيد (رحمه الله) ينفي علم الائمة بالغيب ويستشهدون بقوله: فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بين الفساد، لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد، وهذا لا يكون إلا الله - عز وجل -، وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شذّ عنهم من المفوضة ومن انتمى إليهم من الغلاة(4)؟.
فهل يصح ما يدّعون على الشيخ المفيد؟
الجواب: عبارة الشيخ المفيد هي: وأقول: إن الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطاً في إمامتهم، وإنما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتمسك بإمامتهم، وليس ذلك بواجب عقلاً ولكنه وجب لهم من جهة السماع. فأما إطلاق القول عليهـم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بيّن الفساد، لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد، وهذا لا يكون إلا لله عز وجل. وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شذّ عنهم من المفوّضة ومن انتمى إليهم من الغلاة "
فكلام الشيخ المفيد واضح في اثبات علمهم (عليهم السلام) ببعض الغيب وان المنفي هو علم الائمة (عليهم السلام) من غير تعليم من النبي (صلى الله عليه واله) أو إلهام الله، بأن يعلم الائمة الغيب من ذاتهم دون إخبار من الرسول أو تحديث وإلهام فهو قول أنكره علماء الشيعة واعتبروا القائل به من الغلاة.
وقال العلامة المجلسي في بحار الأنوار: "اعلم أن الغلو في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) إنما يكون بالقول بألوهيتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في العبودية أو في الخلق والرزق، أو أن الله تعالى حلّ فيهم أو اتحد بهم أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى، أو بالقول في الأئمة (عليهم السلام) أنهم كانوا أنبياء أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي "(5).
بل كما سنبين أن السنة يؤمنون بأن عمر محدّث ملهم واستطاع أن يعرف بمباغتة جيش الأعداء لجيش المسلمين في العراق وهو جالس على المنبر في المدينة وصاح بقائد الجيش المسلم فتنبه للخطر وهذا ما يصرحون به عند شرح حديث " لو كان محدث في هذه الأمة لكان عمر" وسيأتي الحديث عن ذلك بأدلته، فهل لأحد أن يقول أنهم كفروا لنسبتهم علم الغيب هذا لعمر؟
فقد ذكر أحمد بن الحسين البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا حمزة بن العباس العقبي ثنا عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي حدثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً يدعى سارية قال فبينا عمر يخطب قال فجعل يصيح وهو على المنبر يا سارية الجبل يا سارية الجبل قال فقدم رسول الجيش فسأله فقال يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا وإن الصائح ليصيح يا سارية الجبل يا سارية الجبل فشددنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله فقيل لعمر إنك كنت تصيح بذلك وحدثني ابن عجلان وحدثني إياس بن معاوية بن قرة بذلك وقد روينا من أوجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قال: ما كنا ننكر ونحن متوافرون إن السكينة تنطق على لسان عمر وعن عبد الله بن مسعود ما رأيت عمر قط إلا وكان بين عينيه الاعتقاد ملكاً يسدده(6).
وعن عبد الله بن عمر قال: كان عمر يقول القول فننتظر متى يقع قال الشيخ: وكيف لا تكون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في الأمم قبلكم محدّثون فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب. وهذا الحديث أهل في جواز كرامات الأولياء وفي قراءة أبي بن كعب وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث. وقرأها ابن عباس كذلك ثم في بعض الروايات عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قيل: كيف يحدث؟ قال: يتكلم الملائكة على لسانه وذلك يوافق ما روينا عن علي وعبد الله في عمر رضي الله عنه.
وكذا ذكر إبن حجر الهيتمي, الفصل السابع في كراماته رضي الله عنه الأولى أخرج البيهقي وابو نعيم واللالكائي وابن الأعرابي والخطيب عن نافع عن ابن عمر بإسناد حسن قال: وجه عمر جيشاً ورأّس عليهم رجلاً يدعى سارية، فبينا عمر رضي الله عنه يخطب جعل ينادي: يا سارية الجبل ثلاثاً، ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي: يا سارية الجبل ثلاثاً فأسندنا ظهرنا إلى الجبل فهزمهم الله قال قيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك وذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم. وأخرج ابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر رضي الله عنه قال كان عمر يخطب يوم الجمعة فعرض في خطبته أن قال: يا سارية الجبل من استرعى الذئب ظلم فالتفت الناس بعضهم لبعض فقال لهم علي ليخرجن مما قال فلما فرغ سألوه فقال وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وإنهم يمرون بجبل فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجه واحد وإن جاوزوا هلكوا فخرج مني ما تزعمون أنكم سمعتموه فقال فجاء البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا(7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجن: 26 - 27.
(2) آل عمران: 49.
(3) آل عمران: 44.
(4) أوائل المقالات: ص67.
(5) بحار الأنوار: ج 25 ص 346 .
(6) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب: الحديث صفحة314.
(7) الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة: جزء 1 - صفحة 293.