هل تقبلون بدعة إسقاط المحرمات عن أهل بدر؟
بسم الله الرحمن الرحيم
روى البخاري، في قصة حاطب بن بلتعة الذي خان المسلمين وكتب إلى مشركي مكة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قاصد إليهم بجيشه، قال: ( فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه، فقال: أليس من أهل بدر؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ): لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم). انتهى(1).
أفهل تعتقدون أن جميع المسلمين البدريين مغفور لهم مهما عملوا، حتى لو ارتكبوا المحرمات، وخانوا الإسلام والمسلمين! ألا يتناقض ذلك مع قانون المجازاة وقانون العدل الإلهي؟!
وما قولكم فيمن شارك في قتل عثمان من البدريين أو أهل بيعة الشجرة مثل ابن عديس البلوي، وعمرو بن الحمق الخزاعي؟
ففي تاريخ الطبري: (كتب إلي السري:عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: لما كان في شوال سنة 35 خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء، المقلل يقول ستمائة والمكثر يقول ألف، على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة بن فلان السكوني. وعلى القوم جميعاً الغافقي بن حرب العكي، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الكوفة في أربع رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم أحد بني عامر ابن صعصعة، وعددهم كعدد أهل مصر، وعليهم جميعاً عمرو بن الأصم. وخرج أهل البصرة في أربع رفاق، وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي وذريح بن عباد العبدي....الخ(2).
ثم أورد الطبري دخولهم الى المدينة وما جرى في أحداث قتل عثمان! وقال ابن كثير في البداية والنهاية: (ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه والانكار عليه، وكان عظم ذلك مسنداً إلى محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، حتى استنفرا نحواً من ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب، لينكروا على عثمان فساروا إليها تحت أربع رفاق، وأمر الجميع إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعبد الرحمن بن عديس(3).
وقال الدكتور حسن بن فرحان: (فالخارجون على عثمان أصناف كثيرة وليسوا متفقين في الأهداف (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ) مع جزمنا بأنهم على باطل وان عثمان رضي الله عنه على حق، لكن في الوقت نفسه نعرف لعبد الرحمن بن عديس البلوي رضي الله عنه صحبته وبيعته تحت الشجرة وهو من الخارجين على عثمان. ونعرف للاشتر - فاتك بن الحارث النخعي - حقه وتدينه وندمه وكراهيتة لمقتل عثمان وهو من الخارجين لكنه اعتزل عنهم آخر الأمر فلم يكن من محاصري عثمان يوم مقتله وقد ندم. كل هذا بأسانيد صحيحة وليس هنا مجال ذكرها. كذلك نعرف لأبناء بديل بن ورقاء رضي الله عنهم صحبتهم وهم من الخارجين، ونعرف لعمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه صحبته وهجرته وهو من الخارجين، والعجب فيمن يعذر معاوية في الخروج على علي (رضي الله عنه) ولا يعذر عبد الرحمن بن عديس البلوي في الخروج على عثمان رضي الله عنهما، مع أن عبد الرحمن بن عديس أفضل من معاوية فهو من أصحاب بيعة الرضوان الذين شهد لهم النبي (صلى الله عليه واله) بالجنة! أما معاوية فلم يكن أسلم يومئذ ولا عمرو بن العاص ولا كل أهل الشام الذين حاربوا علياً بصفين، فابن عديس خير منهم جميعاً، ومع هذا تجد المؤرخين يتهمون ابن عديس - تبعاً لسيف بن عمر - بأنه من السبئية!! سبحان الله ؟ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) سبئية؟! أصحاب بيعة الرضوان سبئية؟!). انتهى(4).
ما هو موقفكم ممن بايع تحت الشجرة، وزعمتم أن النبي (صلى الله عليه وآله) شهد له بالجنة، ثم شارك في قتل عثمان، هل تحكمون بكفره أم تقولون إنه من أهل بيعة الرضوان؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري: 5/10، ورواه مسلم: 7 /168.
(2) تاريخ الطبري: 3/385.
(3) البداية والنهاية، لابن كثير: 7/191.
(4) نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي، للدكتور حسن بن فرحان: ص 148.