هل أنتم معنا في البداء.. أو مع اليهود؟
بسم الله الرحمن الرحيم
زعم اليهود أن يد الله تعالى مغلولة، وأنه فرغ من الخلق والأمر ولا يستطيع تغيير شيء! قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(1).
وقد وافق مخالفونا ـ أعني أهل السنة ـ اليهود فقالوا إن الله تعالى قد فرغ من الأمر فلا يمكنه التغيير! كما في مسند أحمد: (عن ابن عمر قال, قال عمر: يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أفي أمر قد فرغ منه أو مبتدأ أو مبتدع؟ قال: فيما فرغ منه فاعمل يا ابن الخطاب فإن كل ميسر لما خلق له)(2)!.
فالنصوص الصحيحة الكثيرة عندهم تقول بالجبر في أفعال الانسان، وبالجبر على الله في تكوين الكون معاً. ومثلها ما نسبه البخاري إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أن الله تعالى يتحمل مسؤولية خطيئة آدم (عليه السلام)، تماماً كما في توراة اليهود! قال البخاري: (عن أبي هريرة: قال, قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فحج آدم موسى مرتين)!! (ورواه بصيغة فيها تعنيفٌ لآدم (عليه السلام)(3)! وخالفناهم نحن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لأن الكون كله تحت سلطان الله تعالى حدوثاً وبقاءً، ولذا نعتقد بالبداء وهو المحو والإثبات في أفعال الله تعالى التي لم يخبر بها ملائكته ورسله على نحو الحتم، كما قال تعالى: (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(4). وفي شرح الأسماء الحسنى للسبزواري: عنه (عليه السلام): (أنحن في أمر فرغ أم في أمر مستأنف؟ فقال: في أمر فرغ، وفي أمر مستأنف)(5). وقد شنع علينا مخالفونا لعقيدتنا بالبداء، وافترى علينا بعضهم بأنا ننسب الجهل إلى الله تعالى! وأن معنى البداء الذي نعتقد به أن الأمر يبدو لله تعالى ويظهر بعد أن لم يكن ظاهراً! وهذا كفرٌ لأنه ينسب الجهل إلى العليم المطلق والحكيم المطلق عز وجل. بل معنى البداء أن الله تعالى يبدي الأمر لعباده بشكل، ثم يمحوه ويبديه على واقعه. ومن ذلك أن زكريا (عليه السلام) طلب من الله تعالى ولداً يرثه ويرث من آل يعقوب: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)(6). فوهب له يحيى (عليه السلام)، وكان ظاهر الأمر أنه استجاب له ووهبه له لكي يرثه ويرث من آل يعقوب، ولكن يحيى استشهد في حياة أبيه زكريا ولم يرثه بل ورثهما معاً عيسى (عليهم السلام)، ففي مثل هذا الأمر يقال بدا لله تعالى في نبيه يحيى (عليه السلام)).
فهل عقيدتكم بالبداء كما هي عقيدتنا به؟
وكيف تفسرون قوله تعالى: (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(7)؟
وكذلك قوله تعالى في جواب اليهود: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) هل يداه مبسوطتان في الرزق وعطاء المخلوقين فقط؟ أم في محو ما يشاء وإثباته من التكوين؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة: 64.
(2) مسند أحمد: 2/52، وروى نحوه:1/29، وفيه (قال عمر: ألا نتكل؟) ونحوه في الترمذي:4/352 والحاكم:2/462 وصححه. وفي مجمع الزوائد:7 /194 عن أبي بكر وعمر وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
(3) صحيح البخاري: 4/131، قال في:7/214: فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة! ونحوه أيضاً: 8/203.
(4) سورة الرعد: 39.
(5) شرح الأسماء الحسنى، للسبزواري: 2/84.
(6) سورة مريم: 5 ـ 6.
(7) سورة الرعد: 39.