الوضوء : موسّع
بسم الله الرحمن الرحيم
اتّفق المسلمون على أنّ الإسلام عقيدة وشريعة؛ واصول الشريعة اربعة:
1. العبادات.
2. المعاملات.
3. الإيقاعات.
4. الأحكام.
وأُصول العبادات عبارة عن الأُمور التالية:
1. الصلاة ونوافلها.
2. الصوم الواجب والمستحب.
3. الزكاة.
4. الخمس.
5. الحج.
6. الجهاد.
7. الأمر بالمعروف.
8. النهي عن المنكر.
هذه أُمهات العبادات والامور القُربيّة عند الإمامية طبق الشريعة الإسلامية اكتفينا بالإشارة إليها، وأمّا المعاملات والإيقاعات والأحكام فبيانها على عاتق الكتب الفقهية.
نعم هناك أحكام ربما لا تتفق الشيعة فيها مع الآخرين ونشير إلى مهماتها وهي في الوقت نفسه أُمور فقهية.
مسح الأرجل مكان غسلها: كلُّنا نَعلمُ بأنّ الوُضوء هو أحَدُ مقدمات الصلاة فإنّنا نقرأُ في سورة المائدة قوله تعالى:«يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُم إلى المرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلى الكَعْبَيْنِ»«1».
وللفظة «الأَيدي» وهي جمع «يد» التي جاءت في جملة «فَاغسِلُوا وجوهَكم وأيديَكم إلى المَرافِق» إستعمالاتٌ مختلِفةٌ في اللُّغة العربيّة فربما تُطلق ويراد منها الأصابع إلى الرسغ، وربما يُراد منها الأصابع إلى المرافق، وربما تُطلَق ويراد منها من رؤوس الأصابع إلى الكتف. هذا أوّلًا.
وثانياً: حيث إنّ المقدار الواجب غسلُه في الوضوء هو ما بين رؤوس الأصابع والمرافق، لذلك استعمل القرآن الكريم لفظة «إلى المرافق» ليعرف المقدارَ الواجبَ غسلُه من هذين العضوين في الوضوء.
وعلى هذا الأساس فانّ كلمة «إلى» في قوله تعالى: «إلى المرافق» تبين مقدار «المغسول» من اليدين لا كيفيّة غسل اليدين (أي انّ الغَسل من الأعلى إلى الأسفل أو من الأسفل إلى الأعلى) بل كيفيّة الغَسل متروكةٌ للعُرف ولعادة الناس الذين يَغسلون الأعضاءَ والجوارح عادةً من الأعلى إلى الاسفل، وهو أمر موافق للطبيعة كذلك.
وللمثال: إنّ الطبيب حينما يأمر بغَسل رجلي المريض الى الرُّكبة نجدهم يغسلونَهما من الأعلى إلى الأسفل.
ولهذا فإنَّ الشيعةَ الإمامية تعتقد بأنّ غَسل الوَجه واليدين في الوضوء يجب ان يكون من الأعلى إلى الأسفل، ولا يصحّحون عكس ذلك. وثمّتَ مطلبٌ آخر في الوضوء وهي مسألة مسح الأرجل فإنّ الفقه الشيعي يقول: يجب المسح لا الغَسل، ويدلُّ على ذلك بإيجاز، ظاهرُ الآية السادسة من سورة المائدة التي تبيّن أن هناك وظيفتين في الوضوء إحداهما «غَسلٌ» والأُخرى «مسحٌ». والغَسل للوجه واليدين، والمسح للرأس وللرجلين.
1. «فاْغسِلُوا وجوهَكم وأيديكم إلى المرافق».
2. «وامسَحوا بِرءُوسِكَم وأرجلَكم إلى الكعبين».
ولو أنّنا عرضنا هاتين الجملتين على أيّ عربي أصيل غير عارفٍ بمذهبٍ فقهيٍ خاصٍ، ولا مطّلع على موقف اجتهاديّ معيّن، وطلبنا منه أن يبيّن المرادَ منها، لقال من دون تردّد: إنّ وظيفتنا وفق هذه الآية عملان، أحدهما:
الغَسل وهو للوَجه واليدين، والآخر: المَسح وهو للرأس والرجلين.
ومن حيث القواعد العربية فإنّ لفظة «أرجلكم» يجب أن تُعطف على كلمة «رءُوسِكم» فتكون النتيجة هي مسح الأرجل ولا يجوز عطفها على الجملة الأسبق وهي «واغسلوا ... وايديكم» التي تكون نتيجته غسل الأرجل لأنّ العطف على أيديكم يستلزم الفصل بين المعطوف وهو «أرجلكم» والمعطوف عليه وهو «وأيديكم» بجملة معترضة وهي «فَامسحُوا برءُوسِكم» وهو غير صحيحٍ من حيثُ القواعِدِ النَحوية العربيّة، ويوجب الإلتباس في المقصود.
كما أنّه لا فرق في هذه المسألة بين قراءة «أرجلكم» بالجر أو النصب، فعلى كلتا القراءتين يجب عطف «أرجلكم» على «رءُوسكم» مع فارقٍ واحد وهو أن في الأوّل يكون العطفُ على اللَّفظ والظاهر، وفي الثاني يكون العطفُ على المحلّ.
وبعبارة أُخرى؛ إذا عُطِفتِ أرجلكم على لفظ رءُوسِكم قُرئت بالجرّ، واذا عُطِفَت على المحلّ (وهو المَفعولية) قرِئَت بالنصب.
والرّوايات المتواترة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تحكي عن أنّ «الوضوء» يتألّف من شيئين هما: «غسلتان» و «مسحتان» وقد روى الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث بيّن فيه وضوءَ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّ النبيَّ (صلى الله عليه و آله و سلم) كانَ يمسح على رِجليه.
هذا والجديرُ بالذِكر أنّه لم يكن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم وحدهم الذين يمسحون على الأرجل عند الوضوء، بل كان فريق من الصحابة والتابعين يرَون هذا الرأي ويذهبون هذا المذهب أيضاً.
وليست أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) منفردين في هذا القول بل وافقهم فيه لفيف من الصحابة والتابعين.
أمّا الصحابة، فمنهم:
1. الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
2. عثمان بن عفان.
3. عبد الله بن عباس الصحابي.
4. النزال بن سبرة الهلالي.
5. رفاعة بن رافع بن مالك البدري.
6. أنس بن مالك بن نضر خادم رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم).
7. تميم بن زيد المازني الذي له صحبة.
8. أبو مالك الأشعري: الصحابي.
وأمّا من التابعين، فنذكر منهم:
9. الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام).
10. بسر بن سعيد المدني.
11. حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان.
12. عبد خير بن يزيد الكوفي التابعي.
13. عباد بن تميم الخزرجي.
14. أوس بن أبي أوس الثقفي.
15. عامر شراحيل بن عبد الشعبي.
16. عكرمة مولى ابن عباس.
17. عروة بن الزبير القرشي.
18. قتادة بن عزير البصري.
19. موسى بن أنس بن مالك قاضي البصرة.
20. حصين بن جندب الكوفي التابعي.
21. جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي.
22. إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأحمصي.
23. عطاء القداحي.
إلى غير ذلك ممّن ذكرت أسماءهم وقد جمعها العلامة جعفر السبحاني في رسالة مخصَّصة بحكم الأرجل في الوضوء«1».
ولكن سنة مسح الأرجل هذه تبدَّلت إلى الغَسل فيما بعد لأسباب خاصّة جاء ذكرها في الكتب الفقهيّة.
وقد قال ابن عباس الوضوء غسلتان ومسحتان«2».
(1) لاحظ رسالة حكم الأرجل في الوضوء، ص 61- 68
(2) تفسير الطبري: الجزء 6/ 82