هل تؤمنون برب يعبث ويلغو في قوله وفعله؟
بسم الله الرحمن الرحيم
روى البخاري: (عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله) قال: لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار، إلا تحلَّةَ القسم)(1).
ومقصودهم بالقسم قوله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(2). وقوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلُّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )(3). فيكون المعنى أن هذا الوالد الذي خسر أولاده الثلاثة يستحق الجنة لكن يجب عليه أن يدفع ضريبة يمين الله تعالى، ويدخل النار لمدة قليلة، حتى لا يكون الله حانثاً بقسمه! وفكرة تحلة القسم فكرة يهودية، تقول إن الله تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا (تحلة القسم)(4).
فالله تعالى عندهم مثل حاكم دنيوي بنى سجناً وأقسم أن يملأه من المجرمين، ولما وجد أنه كبيرٌ لم يمتلئ بالمجرمين الموجودين، أمر شرطته أن يقبضوا على الناس من الشارع ويضعوهم في السجن حتى يملأه ويفي بيمينه، ولا يكون كاذباً حانثاً! ولكنه منطق يرفضه العقل والقرآن لمنافاته لقوانين الحق والعدل الإلهي التي أقام الله تعالى عليها الكون والحياة، وأنزلها في كتابه وأوحى بها إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفكرون! وقد حاول بعضهم أن يجعل القسم قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً)(5)، لكنه تفسير من الرواة، لأنه ليس في هذه الآية قسم حتى يكون ورودهم تحلة للقسم، ولأن الورود فيها يتحقق بالمرور من فوق النار، بينما تعبير البخاري وغيره الولوج والدخول في النار! ومن مفارقات البيهقي أنه رد تفسيرهم لتحلة القسم بهذه الآية من سورة مريم كما في سننه(6)، بحجة أنه يحلل التلاعب بالأيمان، وكأن التلاعب بالأيمان حرام على الناس حلال على الله تعالى!
فما ذنب هذا الوالد وغيره من المساكين الذين أدخلتهم صحاحكم في جهنم ظلماً وعدواناً، لتحليل يمين الله تعالى؟!
هل أنتم حاضرون من أجل تصحيح البخاري أن تنسبوا إلى الله تعالى العبث واللغو والظلم؟!
إن كل هذا هو من تأثير كعب الأحبار واليهود على تصور الصحاح السنية لله تعالى وأفعاله.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري: 2/، 72ورواه في: 7/224. ومسلم: 8/39 وفيه (فتمسه النار) وابن ماجة: 1/512 والنسائي: 4/22 و25 بعدة روايات وفي بعضها: فتمسه النار. والترمذي: 2/262 وأحمد: 2/240 و276 و473 و479 والبيهقي في سننه: 4/67و:7/78 ومجمع الزوائد: 1/163و: 5/287وكنز العمال: 3 /284 و293 و: 4/323 و: 10/216 والدر المنثور: 4/280 وفي عدد من رواياته: تمسه النار. وفي عدد آخر: يلج النار، وفي أكثرها (تحلة القسم).
(2) سورة هود: 119.
(3) سورة السجدة: 13.
(4) تفسير كنز الدقائق: 2/47.
(5) سورة مريم: 71 ـ 72.
(6) سنن البيهقي: 10/64.