النبي يجتهد ويخطأ فما بقى للنبوة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
نعتقد ـ نحن الشيعة ـ بعصمة النبي وآله عليه وعليهم السلام، وأنه لا يخطأ ولا يسهو ولا يفعل الحرام، وهذا المعتقد موافق للعقل باعتبار أنه المبلغ للشريع الإسلامية فلو جاز عليه الخطأ لم يكن أسوة وقدوة ولا يمكن اتباعه في أمره فلعله قد أخطأ في أمره هذا، فالعقل يحكم بضرورة كونه معصوماً عن الخطأ حتى يكون يمكن للأمة اتباعه في أقواله وأفعاله وأوامره ونواهيه. لكن البعض يجوّز الخطأ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول يمكن للنبي أن يخطأ بل وأثبت الخطأ على النبي بروايات ما أنزل الله بها من سلطان، قد كتبت بأيدي مأجورة، سخّرها الحكّام الظلمة لما يوافق حكمهم ومعتقدهم ويساعد على دوام حكمهم وسلطانهم. أستعرض لك أيها القارئ الكريم بعض الروايات التي ينقلها بعض علماء السنة لترى فداحة آرائهم وعقيدتهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
1- قال السبكي في الابهاج في شرح المنهاج(1): [اختلفوا في الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) هل كان يجوز له الاجتهاد فيما لا نص فيه فذهب الشافعي واكثر الاصحاب واحمد والقاضيان ابو يوسف وعبد الجبار وابو الحسين الى جوازه ثم منهم من قال بوقوعه وهو اختيار الامدي وابن الحاجب ومنهم من انكر وقوعه وتوقف فيه جمهور المحققين.
2- وقال محمد بن نظام الدين الانصاري في فواتح الرحموت(2): (هل كان يجوز له (عليه واله واصحابه الصلاة والسلام) الاجتهاد في الاحكام وهو في حقه القياس فقط لا معرفة المنصوصات لان المراد من النصوص واضحة عنده (عليه واله الصلاة والسلام) .... الى ان قال: فمنعه الاشاعرة التابعون للشيخ ابي الحسن الاشعري واكثر المعتزلة شرعا وعقلا وجوزه الاكثر ونقلوا في ذلك بعض الروايات منها ما رووه عن الشعبي {انه كان رسول الله يقضي القضية وينزل القران بعد ذلك بغير ما كان قضى فيترك ما قضى به على حاله ويستقبل ما نزل به القران والحكم بغير القران لا يكون الا بالقياس}.
3- ويقول الفخر الرازي في المحصول في علم اصول الفقه(3): (قال الشافعي رضي الله تعالى عنه يجوز ان يكون في احكام الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ما صدر عن الاجتهاد وهو قول ابي يوسف رحمه الله).
4- وقال سراج الدين الارموي في التحصيل من المحصول(4): [قال الشافعي وابو يوسف رحمهما الله يجوز في احكام الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ما صدر عن اجتهاده].
5- ويقول بن قدامة المقدسي الحنبلي في روضة الناظر وجنة المناظر(5): [يجوز ان يكون النبي (صلى الله عليه واله وسلم) متعبداً في الاجتهاد فيما لا نص فيه].
6- ويقول جمال الدين الاسنوي في شرح منهاج الاصول للبيضاوي(6): [يجوز له اي النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ان يجتهد فيما لا نص فيه].
هذا فيما يخص ثبوت الاجتهاد له (صلى الله عليه واله وسلم). واما النصوص التي تشير الى وقوع الخطا منه في الاجتهاد فهاك بعضها:
1- يقول ابو اسحاق الشيرازي الشافعي في اللمع في اصول الفقه(7): [وقد كان الخطا جائزاً الا انه لا يقر عليه ومن اصحابنا من قال ما كان يجوز عليه الخطا وهذا خطا لقوله تعالى: (عفا الله عنك لم اذنت لهم) فدل على انه اخطا، لان من جاز عليه السهو والنسيان جاز عليه الخطا كغيره].
ويقول ابن تيمية في الرد على البكري(8): [وتنازع الناس هل في سنته ما يقوله باجتهاده واذا اجتهد هل يجوز عليه الخطا لكن لا يقر عليه. واكثر الفقهاء يقولون بالامرين ولم يقل احد ان هؤلاء سابين له والا فيكون اكثر اصحاب مالك والشافعي واحمد يسبون الرسول صلى الله عليه واله وسلم]. ويقول بن قدامة المقدسي الحنبلي في روضة الناظر: [ويقول اثناء كلامه عن اجتهاد الانبياء (عليهم السلام) يجوز وقوع الخطا منهم لاكن لا يقرون].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الابهاج في شرح المنهاج: ج3 ص246(دار الكتب العلمية – بيروت -1404هـ - 1984م) .
(2) فواتح الرحموت، بشرح مسلم الثبوت المطبوع بهامش المستصفى: ج2 ص366.
(3) المحصول في علم اصول الفقه، للفخر الرازي: ج2 ص489.
(4) التحصيل من المحصول، لسراج الدين الارموي : ج2 ص281.
(5) روضة الناظر وجنة المناظر، لابن قدامة المقدسي الحنبلي: ص322.
(6) شرح منهاج الاصول للبيضاوي، بهامش شرح البدخشي على المنهاج، جمال الدين الاسنوي: ج3 ص262
(7) اللمع في اصول الفقه، لابي اسحاق الشيرازي: ص134.
(8) الرد على البكري، ابن تيمية: ج1 ص306.