توصيف ابن عساكر للحشوية والحنابلة
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في كتاب (الف سؤال واشكال) للشيخ علي الكوراني العاملي الاشكال التالي:
يرى بعض الباحثين أن الحشوية هم الحنابلة المجسمون، ولهم قصص في التجسيم، وفي جمع الإسرائيليات ونشرها، وقد وصلت مزاعمهم إلى أن بعضهم رأى الله تعالى في الدنيا، وأنه شاب أجعد الشعر، أو رآه راكباً على جمل أحمر!
قال أبو زهرة في المذاهب الإسلامية: {قال ابن الجوزي في ذلك: رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح... فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب! ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس، فسمعوا أن الله خلق آدم على صورته فأثبتوا له صورة، ووجهاً زائداً على الذات، وفماً، ولهوات، وأضراساً، وأضواء لوجهه ويدين وإصبعين، وكفاً، وخنضراً، وإبهاماً، وصدراً، وفخذاً، وساقين، ورجلين، وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات فسموها بالصفات تسمية مبتدعة، ولا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من صفات الحدث.
ولم يقنعوا أن يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات، ثم لما أثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة، مثل اليد على النعمة والقدرة، ولا المجئ والإتيان على معاني البر واللطف، ولا الساق على الشدة، بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين! والشيء إنما يحمل على حقيقته إن أمكن، فإن صرف صارف حمل على المجاز. ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة!! وكلامهم صريح في التشبيه}(1).
والان لنقرأ ما قاله ابن عساكر عن المجسمة الحشوية: قال في كتابه تبين كذب المفتري: {إن جماعة من الحشوية والأوباش الرعاع المتوسمين بالحنبلية أظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة مالم يتسمح به ملحد فضلاً عن موحد، ولا تجوز به قادح في أصل الشريعة، ولا معطل، ونسبوا كل من ينزه الباري تعالى وجل عن النقائص والآفات، وينفي عنه الحدوث والتشبيهات، ويقدسه عن الحلول والزوال، ويعظمه عن التغير من حال إلى حال وعن حلوله في الحوادث وحدوث الحوادث فيه، إلى الكفر والطغيان، ومنافاة أهل الحق والإيمان!!
وتناهوا في قذف الأئمة الماضين وثلب أهل الحق وعصابة الدين، ولعنهم في الجوامع والمشاهد، والمحافل والمساجد، والأسواق والطرقات، والخلوة والجماعات، ثم غرهم الطمع والإهمال ومدهم في طغيانهم الغي والضلال، إلى الطعن فيمن يعتضد به أئمة الهدى وهو للشريعة العروة الوثقى، وجعلوا أفعاله الدينية معاصي دنية، وترقوا من ذلك إلى القدح في الشافعي رحمة الله عليه وأصحابه، واتفق عود الشيخ الإمام الأوحد أبي نصر ابن الأستاذ الإمام زين الإسلام أبي القسم القشيري رحمه الله من مكة حرسها الله، فدعا الناس إلى التوحيد وقدس الباري عن الحوادث والتحديد، فاستجاب له أهل التحقيق من الصدور الأفاضل والسادة الأماثل.
وتمادت الحشوية في ضلالتها، والإصرار على جهالتها، وأبوا إلا التصريح بأن المعبود ذو قدم وأضراس ولهوات وأنامل، وأنه ينزل بذاته ويتردد على حمار في صورة شاب أمرد بشعر قطط، وعليه تاج يلمع، وفي رجليه نعلان من ذهب! وحفظ ذلك عنهم وعللوه، ودونوه في كتبهم وإلى العوام ألقوه، وأن هذه الأخبار لا تأويل لها، وأنها تجري على ظواهرها، وتُعتقد كما ورد لفظها، وإنه تعالى يتكلم بصوت كالرعد كصهيل الخيل! وينقمون على أهل الحق لقولهم إن الله تعالى موصوف بصفات الجلال، منعوت بالعلم والقدرة والسمع والبصر والحياة والإرادة والكلام، وهذه الصفات قديمة وإنه تعالى عن قبول الحوادث، ولا يجوز تشبيه ذاته بذات المخلوقين، ولا تشبيه كلامه بكلام المخلوقين.
ومن المشهور المعلوم أن الأئمة الفقهاء على اختلاف مذاهبهم في الفروع كانوا يصرحون بهذا الإعتقاد ويدرسونه، ظاهراً مكشوفاً لأصحابهم ومن هاجر من البلاد إليهم، ولم يتجاسر أحد على إنكاره، ولا تجوز متجوز بالرد عليهم، دون القدح والطعن فيهم، وإن هذه عقيدة أصحاب الشافعي، يدينون الله تعالى بها(2). انتهى.
___________
(1) المذاهب الإسلامية, لأبو زهرة: 1/232.
(2) تبين كذب المفتري, لابن عساكر:1/310.