الشهيد الأول ابرز ضحايا الإضطهاد المملوكي للشيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
مازالت الشيعة تعاني الامرين من اضطهاد الاخرين لهم لا لشيء الا لانهم اتبعوا اهل بيت نبيهم وامنوا بما وصاهم به الرسول (صلى الله عليه واله) وقد مرت الشيعة بظروف استثنائية من الظلم والاضطهاد ابان عهد المماليك وكان للعلماء النصيب الاوفر من ذلك الظلم ومن ابرز هذه الشخصيات عبد الله شمس الدين محمد بن مكي الجزيني المعروف بالشهيد الاول؛ يقول الدكتور مصطفى بزي: خضع جبل عامل للسيطرة الفاطمية منذ سنة 973 م، حتّى سنة 1124 م، ويقال أن البشاري المقدسي ( وهو محمد بن أحمد بن البناء، أبو عبد الله، سنّي المذهب، ثمّ اعتنق التشيع، وتوفي سنة 380 هـ ، مرّ بجبل عامل بين سنتي 375 هـ و سنة 380 هـ، وصرّح " بأن مذهب أهل هذا الأقليم وما يجاوره هو التشيع, ثم يتحدث عن جبل عامل فيقول: جبل عامل ذو قرى نفيسه وأعناب وأثمار وزيتون وعيون، المطر يسقي زروعهم، يطلّ على البحر، ويتصل بجبل لبنان، ويقول أيضاً: خير العسل ما رعى السعتر بإيليا وجبل عاملة.
في عهد الفاطميين قامت ثورة في صور، أعلنها أحد بحّارتها، ويدعى " علاّقه "، مطالباً بالإستقلال، وذلك سنة 387 هـ ، سنة 997 م، وقد دعمه البيزنطيون، لكن الفاطميين قضوا على هذه الثورة، وعلى من يدعمه الملك البيزنطي، وذلك في نهاية القرن الخامس الهجري.
وبهذه المناسبة، امتدح الشاعر الصوري عبد المحسن الصوري الإمام الحاكم بأمر الله على ذلك.
ثم غاب النفوذ الفاطمي الإسلامي لفترة، حيث أنّه منذ سنة 464 هـ، كانت البلاد العاملية تسقط في قبضة السلاجقة الأتراك، وكانت السمة الأساسية لحكمهم التعصب ضد المذهب الشيعي.
واستمر حكم هؤلاء السلاجقة حتّى سنة 482 هـ، حيث عاد جبل عامل مجدداً للسيطرة الفاطمية، وبقوا فيه حوالي عشر سنوات، أو أكثر بقليل. ثم بدأت السيطرة الصليبية على جبل عامل منذ سنة 493 هـ، سنة 1099 م، ومرّ الصليبيون في 11 ربيع الأول سنة 493 هـ في البرّ الموجّه لمدينة صور، وكان هدفهم القدس. وبعد احتلالهم لهذه المدينة، توجهوا نحو مدينة طبرية ( عاصمة التشيع وقتذاك )، كما يقول المؤرخون، وقد فرّ أهالي طبرية إلى جبل عامل إثر الدخول الصليبي إليها.
أثناء وجود الصليبيين في المنطقة، حدثت معارك كرّ وفرّ مع الفاطميين، وقد استرجعت صور لفترة، لكن استسلمت نهائياً للصليبيين سنة 518 هـ، سنة 1124 م، وأسس الصليبييون عدة قلاع منها: تبنين، الشقيف أرنون، الإسكندرونه ( قرب الناقورة )، هونين ( المشرفة على الحولة )، شمع ( المشرفة على سهول صور )، دوبيه الواقعة في وادي السلوقي، بين بلدتي شقراء وحولا، ميرون أو مارون ( الواقعة بجوار بلدة ديركيفا )، وحصن تل المعشوق (عند البرج الشمالي ).
ثم بدأ العدّ العكسي للوجود الصليبي في المنطقة مع دخول الأيوبيين حلبة الصراع، وحدثت معركة حطين سنة 583 هـ، التي كانت فاصلة، حيث سيطر صلاح الدين الأيوبي على معظم المناطق العاملية، خاصة صيدا، صور، ومرجعيون وتبنين، وذلك سنة 584 هـ ، سنة 1188 م.
لكن مع رحيل صلاح الدين، والخلاف الذي دبّ بين خلفائه، سمح للصليبيين مجدداً في إسترجاع ما فقدوه، لكن بعد فوات الأمان، فقد برز المماليك في ذلك الوقت.
برز المماليك منذ بداية النصف الثاني للقرن الثالث عشر ( بعد سنة 1250 م )، وكان تحركهم حاسماً في إجلاء الصليبيين عن المنطقة برمّتها، حيث حدثت معارك بين الجانبين، وكانت طاحنة، ولم تكد تنتهي سنة 1291 م، حتّى أصبحت المناطق اللبنانية كلّها، ومن ضمنها جبل عامل تحت السيطرة المملوكية.
وكان همّ القائد المملوكي الظاهر بيبرس إحتلال صفد، وقبل محاصرتها أرسل مجموعات عديدة في عمليات استطلاع لمنطقة الشقيف، حيث قامت بمناورات عسكرية حيّة، وهاجم صفد أربع مرات، إلى أن إحتلها في سنة 644 هــ، تموز 1266 م.
من صفد وجّه نظره بإتجاه جبل عامل، وقصد قلاعه وحصونه، ففي سنة 644 هـ، آب سنة 1266م سار إلى تبنين وهونين، من قلاع الفرنجه واستولى عليها. وفي سنة 666 هـ، نيسان 1268م، اضطر الفرنجه إلى تسليم قلعة الشقيف بعد حصارها، ثم سقطت صور، بيروت، حيفا، عتليت وغيرها.
سنة 1266م تأسست مملكة صفد من قبل المماليك، وأصبحت منطقة جبل عامل تابعة لهذه المملكة، وكان هذا الأخير مقسماً وقتها إلى أربع ولايات: ولاية تبنين، ولاية صور، ولاية الشقيف، ولاية الإقليم.
جبل عامل والمماليك:
في عهد المماليك، كانت تحكم جبل عامل أسر مقاطعجية، ( أي إلتزام الأرض عبر جباية ضرائبها لمصلحة الدولة )، حيث كانت هذه الأسر تتسلم الأراضي الأميرية للتصرف بها، وتأخذ الضرائب عنها، وتعطى بعض هذه الضرائب للوالي ( نسبة محدّدة )، ويأخذ الملتزم جزءاً منها، ويقدّم المقاطعجي جنوداً من عنده للخدمة العسكرية.
أهم الأسر التي كانت تحكم جبل عامل:
- الأسرة البشارية نسبة إلى حسام الدين بشارة بن أسد العاملي، ويقال أنّه كان متسلماً لحكم المنطقة من قبل الأيوبيين، وكان قائد أمن قواد صلاح الدين الأيوبي، واستمر حكمه حتّى أواخر العصر المملوكي، ويقال أنّه في سنة 855 هـ ، سنة 1451 م، هزم عشرين مركباً للفرنج، حاولوا تطويق صور من البحر.
- الأسرة الوائلية الأولى، نسبة إلى الأمير محمد بن هزاع الوائلي.
- الأسرة السودونية، نسبة إلى آل سودون، وهم من المماليك المصريين، وذلك منذ سنة 1478 م.
- الأسرة الشكرية، نسبة إلى آل شكر، وكان لهم حكومة في بلدة عيناثا ( المجاورة لبنت جبيل )، وكان آل شكر على علاقات سيئة مع آل علي الصغير.
- الأسرة الوائلية الثانية، والتي عرفت باسم آل علي الصغير، وهو ( حفيد محمد بن هزاع الوائلي ).
وهذه الأسر كانت خلال الفترة المملوكية والأيوبية.
وهناك أسرتان أيضاً حكمتا المنطقة الشمالية من جبل عامل، وخاصة في فترة لاحقة، وهما:
- آل صعب الذين حكموا منطقة الشقيف، وكانت قاعدتهم النبطية.
- آل منكر، الذين حكموا اقليمي التفاح والشومر، وقاعدتهم جباع.
ولم تكن العلاقات طيبة بين كلّ هذه العائلات، فقد حدثت مشاكل بين آل سودون وآل علي الصغير، وتمّ القضاء على آل سودون سنة 1639 م، وحدثت مشاكل بين آل عي الصغير وآل شكر، في كلّ من عيناثا وقانا وتبنين، وهزم آل شكر، وقتل عدد منهم، وذلك سنة 1649 م.
نشير أخيراً أنّ آل علي الصغير حكموا بلاد بشارة الجنوبية ( تبنين، هونين، قانا، ومعركة ) وكانت تبنين عاصمتهم أو قاعدتهم.
الصراع مع المماليك وموقع الشهيد الأول:
قبل ولادة الشهيد الأول، كان المماليك قد طردوا الصليبيين من البلاد الشامية، ثمّ بدأ المماليك يجرّدون الحملات على الشيعة، وذلك منذ سنة 692 هـ، سنة 1292 م، حيث ارتكب الجيش المملوكي الكثير من الفظاعات، ما أدانه السلطان المملوكي الناصر بن محمد بن قلاوون، فكتب إليه ابن تيمية، الذي كان هو المحرّض، يبرّر ويعتذر، وكان من نتيجة الظلم المملوكي، أن قسماً كبيراً من شيعة كسروان تركوا منطقتهم، وتفرقوا في أماكن عديدة، ولا سيما جزين، التي أصبحت وقتها مركزاً علمياً شيعياً مرموقاً.
واعتمد المماليك سياسة التوحيد الديني على المذاهب الأربعة، واضطهاد غير القائلين بهذا المبدأ من المسلمين.
نتج عن هذا الاضطهاد أمران، أولهما اتخاذ سكان كسروان والساحل الجنوبي مبدأ التقيّة خوفاً من القتل.
وثانيهما انتظار ظهور زعيم ( ديني أو سياسي ) يستطيع جمع شمل الشيعة، وتوحيد آرائهم، والوقوف في وجه عملية الاضطهاد، في هذه الأجواء الصعبة والمضطربة ظهر الشهيد الأول.
من هو الشهيد الأول ، سيرة حياتية وعلمية؟
هو عبد الله شمس الدين محمد بن مكي الجزيني، والده الشيخ محمد جمال الدين مكي، وكان عالماً، كما كان جدّه عالماً أيضاً.
ولد في سنة 734 هـ، سنة 1333 م أو سنة 1334 م.
سمي بالشهيد الأول لأنه أول شهيد من جبل عامل في سبيل العلم والدين والفقه.
تلقى علومه الأولى في جبل عامل، ثمّ توجّه إلى مدينة الحلّة في العراق، وكانت حينها أهم مركز علمي شيعي، وكان ذلك سنة 750 هـ، سنة 1349 م، وقرأ هناك على فخر المحققين، الذي نُقل عنه قوله: " استفدت منه ( أي من الشهيد الأول ) أكثر ممّا استفاد منّي ".
وفي هذا الأمر يعتبر الشهيد الأول من أوائل الذين أرسوا تقليد الرحلة العلمية من جبل عامل بإتجاه العراق وغيره، ويقال أن أول من قصد الحلّة من جزين إسماعيل العودي.
وحصل الشهيد الأول في الحلّة على إجازات من أشهر شيوخ العلم فيها. ثم إنتقل إلى بغداد سنة 758 هـ، سنة 1356 م، وتابع دراساته هناك، وحصل على إجازات من علمائها.
ثم ترك العراق بإتجاه دمشق، وزار القاهرة، مكة، المدينة المنوّرة، وفلسطين، ويقال أنّه قرأ على أربعين شيخاً من شيوخ السنّة، ثمّ عاد إلى مسقط رأسه جزين، بعد أن أصبح، كما يقال : " أفقه جميع فقهاء الآفاق ".
وهو في العراق، تذكر بعض المصادر إشارات إلى إحتمال قيامه بنشاط سياسي هناك، من خلال علاقة ربطت بينه وبين كلّ من: ابن المؤيد الخراساني، وعلي بن المؤيد العلوي، الذي أصبح فيما بعد ملكاً على خراسان، وكان شيعياً إمامياً.
أما بعد عودته إلى الشام ثمّ إلى جزين، لماذا لم يعد إلى العراق، فهذا سؤال يجد إجابته، في أن أمر الهجرة إلى العراق أصبح عسيراً، وذلك إثر استيلاء المغول على بغداد، وإثر الإضطرابات في أوضاع الجامعة العلمية، نتيجة إغارات المغول ونكبة بغداد...
مدرسة جزين الأولى:
يبدو أن الشهيد الاول أسسها بعد سنة 771 هـ، 1370 م، أي بعد عودته من النجف الأشرف، وجمعت عدداً كبيراً من الطلاب، وأصبحت جزين في عهده محطاً لرجال وطلبة العلم.
وقامت هذه المدرسة بتعليم منتظم، مطبوع بطابع المدارس الدمشقية، وتجدر الإشارة هنا، إلى ان دمشق كانت وقتها من ديار العلم المهمة، التي قدِم إليها العامليون، ومنهم الشهيد الاول ن كما أمّها طلاب من كل حدب وصوب.
مدرسة جزين كانت أساساً ومبدأ في النهضة العلمية العاملية. وقام على امثالها مدارس عديدة في جبل عامل، وأخذ أساتذتها على شيوخ دمشق مختلف العلوم، لكن الصلة توترت وتراجعت بسبب الفتن التي حدثت في البلاد وقتها، كما يشير الشيخ سليمان ظاهر في مقال نشره في مجلة المجمع العلمي في دمشق ( سنة 1928 م ) حول:" صلة العلم بين دمشق وجبل عامل "
جهاد الشهيد الأول:
بعد عودته من العراق، قام بحملة توعية شاملة في صفوف العامليين، وبدأ بنشر علوم الشريعة بين الناس، وعمل على محاربة بعض المعتقدات والبدع التي بدأت تظهر في المنطقة، مثل: ظهور رجل مشعوذ إدّعى النبوة، واسمه محمد اليالوشي، من قرية تسمّى " يالوش "(1).
تصدى الشهيد الاول لهذا الشخص، وجرت معركة بينهما في منطقة النبطية الفوقا، عرفت بـ " معركة الشهداء "، وانتصر فيها الشهيد الاول، وإثر المعركة جرت مع الشهيد الأول اتصالات خارجية، أهمها مع إيران، حيث كاتب السلطان علي بن المؤيّد في خراسان لشدّ أزره.
هذه الحركة أخذت أبعاداً عديدة منها:
أ - القضاء على البدع والشعوذات التي هدّدت الشريعة.
ب - حماية جبل عامل من أية حركة مشابهة لما حدث في كسروان.
ج - جمع شمل العامليين، خاصة بعد ظهور منحى إقطاعي، للوقوف في وجه عملية الإصلاح الديني.
د - ربط القضية العاملية بقضايا المنطقة.
هذه الممارسات التي أقدم عليها الشهيد الأول هدّدت عدة سلطات، وهي سلطة الإقطاع الذي عمل على تركيز نفوذه، والإبقاء على سيطرته، وسلطة الأمن في المملكة الصفوية، وسلطة الحكم المملوكي في المنطقة بشكل عام.
إن هذه الأطراف الثلاثة، كانت متفقة على نقطة رئيسية واحدة وهي، ضرب انتفاضة الشهيد الأول، واتخذت المواجهة شكل الوشاية به، على أنّه يخالف الأحكام الشرعية، وتهمه من هذا النوع تفوق في أهميتها كل التُهم الأخرى، لذلك كان التركيز الرئيسي عليها.
الخلاف الفقهي مع المماليك:
مثلت حركة الشهيد الأول نقله نوعية مميزة، إذ أنّها كانت بمثابة نشوء نهضة فكرية ثقافية، والأهم من ذلك، أنّه ينسب إليه بعض الفتاوى التي تصبّ في مبدأ " ولاية الفقيه "، ويعتقد أنّه حصل على الخطوط العامّة لفتاويه من بعض مشايخه مثل:
أ - لزوم دفع الأخماس إلى الفقيه الجامع لشرائط الفتاوى.
ب- وصفه للفقيه الجامع هذا بأنّه نائب الإمام.
ج - نشرُه لوكلائه في المنطقة الشيعية، حيث يحصلون على هذه الفرائض.
د - قيامه تبعاً لذلك بتأسيس نظام ضريبي ( ديني فقهي )، موازٍ للنظام الضريبي الرسمي.
هـ - تأسيسه لإدارة محلية مستقلة عن الإدارة المركزية.
إستدعاؤه إلى دمشق:
تمّ إستدعاء الشهيد الاول إلى دمشق، حيث سجنه نائب المدينة بيدمر الخوارزمي، في قلعتها. وفي السجن راح الشهيد الاول ينكبّ على المطالعة والتأليف، ويقال أن الأمير علي بن المؤيد الخراسان ، حاكم خراسان، أرسل إلى الشام وزيره الشيخ محمد الأوي، ليستقدم الشهيد الأول إلى خراسان، ليكون مرجعاً للمسلمين هناك، فإعتذر الشهيد بعذر جميل، وأرسل إلى الأمير اللمعة الدمشقية، بناء لطلب الأمير علي، لجعلها دستوراً للدولة هناك، وإعتمد هذا الكتاب كمرجع رئيسي للدراسات الإسلامية الفقهية في أنحاء العالم الإسلامي كلّه.
خلال إقامته في قلعة دمشق، كان يتصل بحكام المماليك لمناقشة أمر سجنه، وسبب ذلك، لكنّه لم يلق أذناً صاغية، وأرسل إلى الحاكم الخوارزمي قصيدة ينفي التهمة الموجهة إليه، جاء فيها:
يا أيّها الملك المنصور بيدمر بكم خوارزم والأقطار تفتخر
والله والله أيماناً مؤكدة إنّي بريء من الإفك الذي ذكروا
بدوره الحاكم لم يصدّق الشهيد الأول، ولم يكن على إستعداد، لأنّ النيّة كانت واضحة لديه، بأنّه يحاول التخلص منه.
محاكمته:
جاءت المحاكمة بعد محضر نظمه له القاضي تقي الدين الخيامي، ورفعه بدوره إلى قاضي صيدا، وقد حوكم بعد مرور سنة على سجنه.
تهرّب قضاة المذاهب من إدانته وهدر دمه، مما استدعى استبدالهم، ثم حوكم بوجود قاضيين من مذهبين إثنين، فأفتى أحدهما بوجوب قتله، وهو القاضي المالكي، الذي كفّره وأهدر دمه، حتى وإن تاب، وفرض هذا القاضي تنفيذ الحكم على قضاة المذاهب الأخرى.
أما القاضي الآخر فقد برّأه.
وكانت النتيجة أن النائب الخوارزمي وافق على فتوى القتل.
لقد إعتمد القاضي في حكمه على تهم باطله اتهم بها الشهيد الأول وهي:
سبّ الصحابة، انحلال العقيدة، إعتماد مذهب النصيرية، واستحلال الخمر الصرف.
بالنسبة لإعدامه، يقال أن الشهيد الأول أخرج إلى تحت القلعة دمشق، وضُربت عنقه، وذلك في جمادي الأول سنة 786 هـ ،, سنة 1384 م.
ماذا نتج عن استشهاد محمد بن مكي:
إنّ التأثير الأول كان على الحركة الفكرية الرائدة التي اقتنع بها الشهيد الأول، وعمل على تكريسها وتعزيزها وتأصيلها في المنطقة.
كما كان التأثير على مدرسته التي ذاع صيتها، وأصبحت محط الرّحال لطلاب العلم، وتخرّج منها عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين ساهموا في نشر العلوم الفقهية، وأنشأوا المدارس في أنحاء متعددة من جبل عامل.
باستشهاده تفرّق تلامذة مدرسته، وانتقلت الحركة العلمية إلى أماكن أخرى، وازدهرت فيما بعد بعض المدارس على حساب مدرسة جزين، مثل مدرسة جبع التي كان لها الموقع المميز مع الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين الجبعي.
أخيراً يعتبر الشهيد الأول رائداً للحركة العلمية في جبل عامل خلال القرن الرابع عشر، تأسيساً للحركة التي تلت في القرن الخامس عشر.
ان الشهيد الأول يعدّ المفجر الرئيسي للحركة الثورية العاملية في وجه الإضطهاد المملوكي، ويعود له فضل كبير في نشر معارفه بين مواطنيه، واعتبره بعض المؤرخين أنّه كان صاحب فكر إصلاحي واضح.
______________
(1) أعيان الشيعة م 10.