إدراك العقل للحسن والقبح : موسّع
بسم الله الرحمن الرحيم
حيث إنّ مسألة الحُسن والقُبح العقليّين تُمَثّلُ الأساسَ والقاعدة للكثير من عقائد الشيعة الإمامية، لذلك نشير فيما يأتي إلى دليلَين من أدلّتها العديدة:
ألف: إنّ كلَّ إنسان- مهما كان دينه ومسلكه، وأينما حلّ من بقاع الأرض- يدرك بنفسه حُسنَ العدل، وقبح الظلم، وكذلك يدرك حُسنَ الوفاءِ بالعهد، وقبحَ نقضه، وحسنَ مقابلة «الإحسان بالإحسان» وقبح مقابلةِ «الإحسان بالإساءة».
ودراسةُ التاريخ البشريّ تشهدُ بهذه الحقيقة وتؤكّدُها، ولم يُرَ حتى اليوم إنسانٌ عاقلٌ ينكرها قط.
ب: لو فَرَضْنا أنّ العقل عجز تماماً عن إدراك حسنِ الأفعال وقبحها، واحتاج الناس في معرفة حسن جميع الأفعال وقبحها إلى الشرع، لزم من ذلك عدم إمكانِ إثبات الحسن والقبح الشرعيّين أيضاً ذلك لأنّنا لو فَرضنا أن الشارع أخبَرَ عن حُسن فعل أو قبح آخر لا يمكننا أنْ نتوصَّل إلى معرفة حُسن ذلك الفعلِ أو قبحِه، بواسطة هذا الإخبار، ما دمنا نحتمل الكذب في إخبار الشارع، وكلامِهِ إلّاإذا ثبت قَبْل ذلك قبحُ المين والكذب وتنزّهِ الشارع عن هذه الصفةِ القبيحةِ، ولا يمكن إثبات ذلك إلّامن طريق العقل.
هذا مضافاً إلى أنّه يُستفاد من الآيات القرآنية أنّ العقل البشريّ قادرٌ على إدراك حسنِ بعض الأفعال أو قبحها، ولهذا احتكم القرآنُ إلى العقل واللبّ، ودعا إلى تحكيمه أكثر من مرة إذ قال: «أفَنَجْعَلُ المُسْلِمين كَالْمُجرِمِين* مالَكُمْ كيْفَ تَحْكُمُونَ» «1».
وقال أيضاً: «هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلّاالإحْسانُ» «2».
وهنا يُطرح سؤال لابدّ من الإجابة عليه وهو أن اللَّه تعالى قال: «لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُون» «3».
والسُؤال الآن هو: إذَنْ لا يمكن أن يُسأَل اللَّهُ عن أيّ فعل قامَ به والحال أنّه بناءً على كونِ الحُسن والقبح عَقْليَّيْن إذا فَعَلَ الله قبيحاً- إفتراضَاً- يُسأَل ويُقال:لماذا فَعَلَ هذا الفِعْل؟
والجواب هو: إنّما لا يُسأَل اللَّه عن فعله لأنّه حكيمٌ، والحكيم لا يصدر منه القبيحُ قط، ففعلهُ ملازمٌ للحكمة أبداً، ولهذا لايَبقى هناك ما يَستدعي المساءلة والإستفسار.
((1))القلم35-36
((2))الرحمن60
((3))الانبياء23