العدل من الصفات الجمالية
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتقدُ المسلمون جميعاً بعدل الله تعالى والعَدلُ من الصفات الإلهيّة الجماليّة.
وَيَنطلقُ هذا الإعتقادُ مِن نفيِ القرآن لأيّ نوعٍ من أنواعِ الظُلْم عَنِ اللَّهِ تعالى، ووَصفِه بكونهِ «قائماً بالقِسط» كما يقول: «إنّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ» «1». ويقول أيضاً: «إنّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً» «2».
ويقولُ كذلك: «شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إله إلّاهُوَ وَالملائكةُ وَأُوْلوا العِلْمِ قائِماً بالقسْط» «3».
إنّ العقل- مضافاً إلى الآيات المذكورة- يحكم بوضوح بالعَدلِ الإلهيّ لأنَّ العَدْلَ صفةُ كمالٍ، والظلمُ صفةُ نقصٍ، والعقلُ يحكمُ بأنّ اللَّه تعالى مُستجمعٌ لجميع صفاتِ الكمالِ، منزَّهٌ عن كلّ عيبٍ ونقصٍ في مقام الذات والفعل. والظلمُ أساساً نابعٌ من أَحَدِ عواملَ ثلاثة:
1- جَهل الفاعلِ بقبح الظُلم.
2- إحتياج الفاعلِ للظُلم إلى الظلم مع عِلمه بقبحه، أو عجزه عن القيام بالعدل.
3- كون فاعلِ الظُلم سفيهاً غيرَ حكيم، فهو لا يبالي بإتيان الأفعالِ الظالِمة رغم علمه بقبحها، ورغمَ قدرتهِ على القيامِ بالعدل. ومِن البديهي أنّه لا سبيل لأيّ واحدٍ من هذه العَوامل إلى الذات الإلهيّة المقدّسة، فهو تعالى منزّهٌ عن الجَهل، والعَجز، وعن الإحتياج والسَفه، ولهذا فإنّ جميع أفعالهِ تتسم بالعَدل والحكمة.
ولقد أشار الشيخ الصدوق إلى هذا إذ قال: «والدليل على أنّه لا يقع منه عزّ وجلّ الظلم ولا يفعلهُ أنّه قد ثبت أنّه تبارك وتعالى قديم غنيٌ عالم لا يجهل، والظلم لا يقع إلّامن جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله منتفع به». «4»
كما أشار إليه المحقّق نصير الدين الطوسي بقوله:
«واستغناؤه وعلمه يدلّان على انتفاء القبح عن أفْعالِهِ تعالى» «5».
ونظراً إلى هذه الآيات اتّفقَ المسلمون على ثبوت العدل للَّه تعالى والإعتقاد بكونه عادلًا.إلّا أنّهم اختلفوا في تفسير العدل الإلهي واختارَ كلُ فريقٍ إحدى النظريّتين التاليتين:
ألف: إنّ العقلَ البشريّ السليمَ يدرك بنفسه حسنَ الأفعال وقبحها، ويعتبر الفعلَ الحَسَن علامةً لكمال فاعله، والفعلَ القبيحَ علامةً لنقصان فاعله. وحيث إنّ اللَّه مستجمعٌ بذاته لجميع صفات الكمال، لهذا فانّ فعلَه كاملٌ ومحمودٌ، وذاته المقدّسة منزّهةٌ عن كل فعلٍ قبيحٍ. هذا ويجدُر التذكيرُ بنقطة هامّةٍ هنا، وهي أنّ العقلَ لا يحكم على اللَّه بشيءٍ، ولا يقول: يجب على اللَّه أن يكون عادلًا، بل كلُ ما يفعلهُ العقلُ هنا هو أن يكتشفَ واقعيّةَ الفعلِ الإلهيّ، يعني أنّه بالنَظَرِ إلى كمالِ اللَّهِ المطلَقِ، وتنزُّهِهِ سبحانه عن كلّ نقصٍ وعيبٍ، يكتشف أنّ فِعلَه كذلك في غاية الكمال، وأنّه منزَّه أيضاً عن النقص، فهو بالتالي سيعامل عباده بالعدل، ولا يظلم أحداً منهم أبداً.
وما ذكَرَتهُ الآياتُ القرآنيّة في هذا المجال إنّما هو في الحقيقة تأكيدٌ وتأييدٌ لما أدركه الإنسان من طريق العقل.
وهذا هو ما اصَطُلِحَ عليه في علم الكلام الإِسلاميّ بمسألة الحُسن والقُبح العقليّين، ويُسمّى القائلون بهذه النظرية بالعَدليّة، ويقف في طليعتهم الشيعةُ الإماميّةُ الاثنا عشرية.
ب- وتقابل تلك النظرية، نظريةٌ اخرى وهي أنّ العقلَ البشريّ عاجز عن إدراك الحُسن والقُبح في الأفعال حتى في صورتها الكليّة، وتحصر الطريق لمعرفة الحسن والقبح في الوحي الإِلهيّ، فما أمرَ به اللَّهُ فهو حَسَنٌ وما نهى عنه فهو قبيحٌ. وعلى هذا الأَساس فلو أمَرَ اللَّهُ بإلقاءِ إنسان بَريء في النار، أو إدخال عاصٍ في الجنة كان ذلك عينَ الحسن والعدل. وقول هذا الفريق هو: إنّ وصف اللَّه بالعدل ليس إلّالكون هذا الوصف جاء في القرآن الكريم ليس إلّا.
((1))النساء40
((2))يونس44
((3))ال عمران18
((4)) التوحيد للصدوق396-397
((5))كشف المراد ص305