فرار عمر
بسم الله الرحمن الرحيم
اتفق علماء السنة على عدم ورود نص بامامة عمر واستدلوا على امامته بافضليته على باقي المسلمين ومن مميزاته انه اشجع الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) لكننا نجد هذا الفارس الشجاع قد فر في عدة مواضع كاحد وحنين ويوم خيبر والدليل على فراره:
1- قال القوشجي ، بعد أن ذكر قتل علي ( عليه السلام ) لاصحاب اللواء : ( فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبي (صلى الله عليه وآله) ، فضربوه بالسيوف ، الرماح الحجر ، حتى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى علي (عليه السلام) ، فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) بعد افاقته ، وقال : اكفني هؤلاء ، فهزمهم علي عنه ، وكان أكثر المقتولين منه ) ( 1
2 - وقد قالوا : ( كان الفتح يوم أحد بصبر علي ( رض ) ( 2 ) .
وقد يقال : ان هذا النص لا يدل على فرارهم ، وانما هو يدل على عظيم جهاد علي (عليه السلام) وصبره . .
3 - عن ابن عباس ، قال : لعلي أربع خصال ، هو أول عربي وعجمي صلى مع النبي (صلى الله عليه وآله) ، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف ،وهو الذي صبر معه يوم المهراس ( أي يوم أحد ) ، انهزم الناس كلهم غيره ،وهو الذي غسله وأدخله قبره ( 3 ) .
4-عن السدي : لم يقف الا طلحة ، وسهل بن حنيف ( 4 ) .
ولعل عدم ذكر علي ( عليه السلام ) بسبب أن ثباته اجماعي ، لم يرتب فيه أحد .
5 - وعند الواقدي : أنه لم يثبت سوى ثمانية ، وعدهم ، وليس فيهم سعد . أما الباقون ففروا والرسول يدعوهم في أخراهم ( 5 ) .
6 - ويعد الاسكافي ، وابن عباس ، وغيرهم من ثبت يوم أحد ،وليس فيهم سعد ( 6 ) .
7 - وسلمة بن كهيل يقول : لم يثبت غير اثنين ، علي ، وأبو دجانة ( 7 ) .
8 - عن كليب قال : خطبنا عمر ، فكان يقرأ على المنبر آل عمران ،ويقول : انها أحدية . ثم قال : تفرقنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد ،فصعدت الجبل ، فسمعت يهوديا يقول : قتل محمد . فقلت : لا أسمع أحدا يقول : قتل محمد ، الا ضربت عنقه .
فنظرت ، فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والناس يتراجعون إليه ، فنزلت :( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل ) ( 8 ) .
وفي نص آخر : لما كان يوم أحد هزمناهم ( 9 ) ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني : أنزو كأنني أروى ( 10 ) . وفي لفظ الواقدي :ان عمر كان يحدث ، فيقول : لما صاح الشيطان : قتل محمد ، قلت :أرقي الجبل كأنني أروية ( 11 ) .
ونحن هنا لا ندري من أين جاء ذلك اليهودي الملعون ، الذي نقل عنه عمر قوله : قتل محمد ! ! مع أنه (صلى الله عليه وآله) قد رفض مشاركة اليهود في هذه الحرب ، كما رفض ذلك في غيرها .
كما أننا لا ندري كيف نفسر تهديد عمر لهذا اليهودي بالقتل ، مع أنه هو نفسه قد فر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأسلمه لاعدائه ، فأين كان حماس عمر عنه في الدفاع عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ضد المشركين ؟ ! ولم لم يقتل أحدا منهم ؟ ولا حتى طيلة السنوات العشر ، في عشرات الغزوات والسرايا التي اشترك فيها ؟ ! .
ان ذلك لعجيب حقا ، وأي عجيب ! ! .
9 - قال المعتزلي : قال الواقدي : لما صاح ابليس : ان محمدا قد قتل ، تفرق الناس . الى أن قال : وممن فر عمر وعثمان ( 12 ) .
لكن يلاحظ أن اسم عمر قد حذف من المطبوع من مغازي الواقدي ، وأثبته المعلق في هامش الصفحة على أنه قد ورد في بعض نسخ المغازي دون بعض ( 13 ) .
فليراجع ذلك بدقة ، فقد تعودنا منهم مثل هذا الشئ الكثير ! !
10 - وبعد أن ذكر الواقدي اعتراض عمر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قضية الحديبية ، قال عن النبي (صلى الله عليه وآله) : ( ثم أقبل على عمر ، فقال : أنسيتم يوم أحد ، إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ، وأنا أدعوكم في أخراكم ) ( 14 ) ؟ ! .
11 - وجاءته امرأة أيام خلافته ، تطلب بردا من برد كانت بين يديه ،وجاءت معها بنت لعمر ، فأعطى المرأة ، ورد ابنته . فقيل له في ذلك ، فقال : ان أب هذه ثبت يوم أحد ، وأب هذه فر يوم أحد ، ولم يثبت ( 15 ) .
12 - وقد اعترف عمر برعبه من علي ( عليه السلام ) ، حينما تبع الفارين وهو يقول لهم : شاهت الوجوه ، وقطت ، وبطت ، ولطت ، الى أين تفرون ؟ الى النار ؟ ويقول : بايعتم ، ثم نكثتم ؟ فوالله لانتم أولى بالقتل ممن أقتل الخ . . ( 16 ) .
وقد اعترف الجاحظ بفرار عمر في عثمانيته أيضا فراجع ( 17 ) .
13 - وعلى كل حال ، فان فرار عمر من الزحف يوم أحد ، وحنين ،وخيبر ، معروف ، ويعده العلماء من جملة المطاعن عليه ، لان الفرار من الزحف من جملة الكبائر الموبقة ، ولم يستطع المعتزلي أن يجيب على ذلك ، بل اعترف به ، واكتفى بالقول :( وأما الفرار من الزحف ، فانه لم يفر الا متحيزا الى فئة ، وقد استثنى الله تعالى ذلك ، فخرج به عن الاثم ) ( 18 ) .
ولكن قد فات المعتزلي : أن ما جرى يوم أحد ، لا يمكن الاعتذار عنه بما ذكر ، لعدم وجود فئة لهم الا الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه ، وقد تركوه ،وفروا عنه ، ولان الله تعالى قد ذمهم على هذا الفرار ، وعلله بأن الشيطان قد استزلهم ببعض ما كسبوا ، ثم عفا عنهم ، ولو كان لا اثم في هذا الفرار ، فلا حاجة الى هذا العفو . هذا ، وقد حقق العلامة الطباطبائي : أن المراد بالعفو هنا معنى عام ، يشمل العفو عن المنافقين أيضا ، فراجع ( 19 ) .
وقد كان ثمة حاجة الى التسامح في هذا الفرار ، لانه الاول من نوعه ، ويأتي في وقت يواجه الاسلام فيه أعظم الاخطار داخليا وخارجيا ،مع عدم وجود امكانات كافية لمواجهتها ، ومواجهة آثار مؤاخذتهم بما اقترفوا .
واستمع أخيرا الى ترقيع الرازي الذي يقول : ( ومن المنهزمين عمر ،الا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين ولم يبعد ، بل ثبت على الجبل الى أن صعد النبي (صلى الله عليه وآله) ( 20 ) .
بارك الله في هذا الثبات ، لكن لا في ساحة المعركة ، بل فوق الجبل ( ! ! ) .
ثم اننا لا ندري ما الفرق بين أن يكون المنهزم في أول الناس أو في وسطهم ، أو في آخرهم ؟ ! وما الفرق بين أن يبعد في هزيمته وبين أن لا يبعد ! ! .
14-فجزع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزعاً شديداً وقال: لن أصاب بمثلك، وكبر عليه خمساً وسبعين تكبيرة، وانهزم المسلمون حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا ثلاثة نفر: علي والزبير وطلحة.
15-وقعة حنين
ثم كانت وقعة حنين، بلغ رسول الله، وهو بمكة، أن هوازن قد جمعت بحنين جمعاً كثيراً ورئيسهم مالك بن عوف النصري، ومعهم دريد ابن الصمة من بني جشم، شيخ كبير يتبركون برأيه، وساق مالك مع هوازن أموالهم وحرمهم. فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش عظيم عدتهم اثنا عشر ألفاً: عشرة آلاف أصحابه الذين فتح بهم مكة وألفان من أهل مكة ممن أسلم طوعاً وكرهاً، وأخذ من صفوان بن أمية مائة درع وقال عارية مضمونة، فأعجبت المسلمين كثرتهم، وقال بعضهم: ما نؤتى من قلة، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من قولهم، وكانت هوازن قد كمنت في الوادي، فخرجوا على المسلمين. وكان يوماً عظيم الخطب وانهزم المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بقي في عشرة من بني هاشم، وقيل تسعة، وهم: علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب والفضل بن العباس وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وقيل أيمن بن أم أيمن.
قال الله عز وجل: " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها " ، وأبدى بعض قريش ما كان في نفسه. فقال أبو سفيان: لا تنتهي، والله هزيمتهم دون البحر، وقال كلدة بن حنبل: اليوم بطل السحر، وقال شيبة بن عثمان: اليوم أقتل محمداً، فأراد رسول الله ليقتله فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحربة منه فأشعرها فؤاده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: صح يا للأنصار، وصح يا أهل بيعة الرضوان، صح يا أصحاب سورة البقرة، يا أصحاب السمرة. ثم انفض الناس وفتح الله على نبيه وأيده بجنود من الملائكة، ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله، وكانت الهزيمة، وقتل من هوازن خلق عظيم، وسبي منها سبايا كثيرة، وبلغت عدتهم ألف فارس وبلغت الغنائم اثني عشر ألف ناقة سوى الأسلاب، وقتل دريد بن الصمة فأعظم الناس ذلك، فقال رسول الله: إلى النار وبئس المصير! إمام من أئمة الكفر أن لم يكن يعين بيده فإنه يعين برأيه.
الهوامش
_______________
( 1 ) شرح التجريد ص 486 ، ودلائل الصدق ج 2 ص 357 عنه .
( 2 ) نور الابصار ص 87 ، والارشاد للمفيد ص 51 و 52 ، والبحار ج 20 ص 69و 86 و 87 و 113 ، والاحتجاج ج 1 ص 199 / 200 .
( 3 ) مستدرك الحاكم ج 3 ص 111 ، ومناقب الخوارزمي ص 21 / 22 ، وراجع :ارشاد المفيد ص 48 ، وتيسير المطالب ص 49 .
( 4 ) تاريخ الطبري ج 2 ص 201 ، ودلائل الصدق ج 3 ص 356 عنه .
( 5 ) مغازي الواقدي ج 1 وشرح النهج عنه ، ودلائل الصدق ج 2 ص 356 عن الاول .
( 6 ) راجع شرح النهج ج 13 ص 293 ، وآخر العثمانية ص 239 .
( 7 ) المصدر المتقدم .
( 8 ) الدر المنثور ج 2 ص 80 ، ودلائل الصدق ج 2 ص 358 ، وكنز العمال ج 2 ص 242 عن ابن المنذر ، وحياة الصحابة ج 3 ص 497 عن الكنز ج 1 ص 238 ،وفتح القدير ج 1 ص 388 .
( 9 ) لعل الصحيح : هزمنا ففررت . كما يقتضيه سياق الكلام .
( 10 ) الدر المنثور ج 2 ص 88 عن ابن جرير ، وكنز العمال ج 2 ص 242 ، ودلائل الصدق ج 2 ص 358 ، وحياة الصحابة ج 3 ص 497 ، وكنز العمال ج 2ص 242 ، وجامع البيان ج 4 ص 95 ، والتبيان ج 3 ص 25 / 26 .
( 11 ) شرح النهج ج 15 ص 22 .
( 12 ) شرح النهج للمعتزلي ج 15 ص 24 ، ودلائل الصدق ج 2 ص 358 ، وراجع :غرائب القرآن ( مطبوع بهامش جامع البيان ) ج 4 ص 113 .
( 13 ) راجع : مغازي الواقدي ج 1 ص 277 .
( 14 ) شرح النهج للمعتزلي ج 15 ص 22 .
( 15 ) البحار ج 20 ص 53 ، وتفسير القمي ج 1 ص 114 / 115 .
( 16 ) العثمانية ص 169 .
( 17 ) شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 179 / 180 .
( 18 ) راجع تفسير الميزان ج 4 ص 51 .
( 19 ) التفسير الكبير ج 9 ص 51 .
(20)تاريخ اليعقوبي باب وقعة احد.