حقوق الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)
فضلهم: لقد حاز الأئمة الطاهرون من أهل البيت (عليهم السلام) السبق في ميادين الفضل والكمال، ونالوا الشرف الأرفع في الأحساب والأنساب. فهم آل رسول اللّه وأبناؤه، نشأوا في ربوع الوصي، وترعرعوا في كنف الرسالة، واستلهموا حقائق الإسلام ومبادئه عن جدهم الأعظم، فكانوا ورثة علمه، وخزان حكمته، وحماة شريعته الغراء، وخلفاءه الميامين.
وقد جاهدوا في نصرة الدين وحماية المسلمين، جهاداً منقطع النظير، وفدوا أنفسهم في سبيل اللّه تعالى، حتى استشهدوا في سبيل العقيدة والمبدأ، لا تأخذهم في اللّه لومة لائم، ولا تخدعهم زخارف الحياة.
وكم لهم من أياد وحقوق على المسلمين، ينوء القلم بشرحها وتعدادها. بيد أني أشير إليها إشارة خاطفة، وهي:
1 - معرفتهم: كما جاء في الحديث المتواتر بين الفريقين، وفي الصحاح المعتبرة، قوله (صلى اللّه عليه وآله) :
«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية».
الامام هو خليفة النبي (صلى اللّه عليه وآله)، وممثله في اُمته، يبلغها عنه أحكام الشريعة، ويسعى جاهداً في تنظيم حياتها، وتوفير سعادتها، وإعلاء مجدها. وحيث كان الامام كذلك، وجب على كل مسلم معرفته، كما صرح بذلك الحديث الشريف، ليكون على بصيرة من عقيدته وشريعته، وليسير على ضوء توجيهه وهداه.
فإذا أغفل المسلم معرفة إمامه، ولم يستهد به، وهو الدليل المخلص، والرائد الأمين، ضل عن نهج الإسلام وواقعه، ومات كافراً منافقاً.
وقد اشعر الحديث بضرورة وجود الامام ووجوب معرفته مدى الحياة، لأن إضافة الامام إلى الزمان تستلزم استمرارية الإمامة، وتجددها عبر الأزمنة والعصور.
وهكذا توالت الأحاديث النبوية، المتواترة بين الفريقين، والمؤكدة على ضرورة معرفة الأئمة الطاهرين، والاهتداء بهم، كقوله (صلى اللّه عليه وآله) : «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللّه، فانظروا من توفدون».
وقال صلى اللّه عليه وآله (كما جاء في صحيح مسلم):
«لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش».
وهذا الحديث شاهد على وجود الإمامة حتى قيام الساعة، وقصرها على الأئمة الإثنا عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، دون غيرهم من ملوك الأمويين والعباسيين لزيادتهم عن هذا العدد.
2 - موالاتهم: معرفة الامام لا تجدي نفعاً، ولا تحقق الأماني والآمال المعقودة عليه، إلا إذا اقترنت بولائه، والسير على هداه. ومتى تجردت المعرفة من ذلك غدت هزيلة جوفاء.
ذلك إن الامام هو خليفة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)، وحامل لواء الإسلام، ورائد المسلمين نحو المثل الإسلامية العليا، يبين لهم حقائق الشريعة، ويجلو أحكامها، ويصونها من كيد الملحدين ودسهم، ويعمل جاهداً في حماية المسلمين، ونصرهم، وإسعادهم مادياً وروحياً، دنياً وديناً.
من أجل ذلك كان التخلف عن موالاة الامام والاهتداء به، مدعاة للزيغ والضلال، والانحراف عن خط الإسلام ونهجه المرسوم. كما نوه النبي (صلى اللّه عليه وآله) عن ذلك، وأوضح للمسلمين أنّ الهدى والفوز في ولاء الأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام)، وأن الضلال والشقاء في مجافاتهم ومخالفتهم.
قال صلى اللّه عليه وآله: «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق».
وقال صلى اللّه عليه وآله: «إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
وقد أوضح أمير المؤمنين (عليه السلام) معنى العترة:
فعن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي» من هم العترة؟
فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم، حتى يردا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حوضه (سفينة البحار، عن معاني الأخبار وعيون أخبار الرضا عليه السلام).
وهذا الحديث يدل بوضوح أن القرآن الكريم و العترة النبوية الطاهرة، صنوان مقترنان مدى الدهر، لا ينفك احدهما عن قرينه، وأنه كما يجب أن يكون القرآن دستوراً للمسلمين وحجة عليهم، كذلك وجب أن يكون في كل عصر إمام من أهل البيت (عليهم السلام) يتولى إمامة المسلمين، ويوجههم وجهة الخير والصلاح.
وقال صلى اللّه عليه وآله: «من أحب أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد، فليتول علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم باب ضلالة».
إلى كثير من الأحاديث النبوية المحرضة على موالاة أهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بهم.
3 - طاعتهم: قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فان تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والى الرسول، إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً» (النساء: 59).
ولقد أوجب اللّه تعالى على المسلمين في الآية الكريمة طاعة الأئمة من آل محمد بصفتهم خلفاء رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)، وأمراء المسلمين، وقادة الفكر الإسلامي، ليستضيئوا بهداهم، وينتفعوا بتوجيههم الهادف البناء، ولا ينحرفوا عن واقع الإسلام، ونهجه الأصيل.
فرض طاعتهم، كما فرض طاعته وطاعة رسوله، سواء بسواء. وهذا ما يشعر بخلافتهم الحقة عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)، وعصمتهم من الآثام لأن الطاعة المطلقة لا يستحقها إلا الامام المعصوم، الذي فرض اللّه طاعته على العباد.
فمن الخطأ الكبير تأويل «أولي الأمر» وحملها على سائر أمراء المسلمين، لمخالفة الكثيرين منهم للّه تعالى ورسوله، وانحرافهم عن خط الإسلام.
يحدثنا زرارة، وهو من أجل المحدثين والرواة، عن فضل موالاة الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، وضرورة طاعتهم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية» قال زرارة: فقلت وأي شيء من ذلك أفضل؟ قال: الولاية، لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن... إلى أن قال: ثم قال عليه السلام: ذروة الأمر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضا الرحمن.... الطاعة للإمام، بعد معرفته. إن اللّه عز وجل يقول:
«من يطع الرسول فقد أطاع اللّه، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً» (النساء: 80).
أما لو أن رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج دهره، ولم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه حق في ثواب، ولا كان من أهل الإيمان» الخبر.
وقال الصادق عليه السلام: وصل اللّه طاعة ولي أمره.. بطاعة رسوله، وطاعة رسوله... بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللّه ولا رسوله.
4 - أداء حقهم من الخمس: قال تعالى: «واعلموا أنما غنمتم من شيء فان للّه خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل» (الأنفال: 41).
وهذا الحق فرض محتم على المسلمين، شرعه اللّه عز وجل لأهل البيت (عليهم السلام) ومن يمتّ إليهم بشرف القربى والنسب.
وهو حق طبيعي يفرضه العقل والوجدان، كما يفرضه الشرع. فقد درجت الدول على تكريم موظفيها والعاملين في حقولها، فتمنحهم راتباً تقاعدياً يتقاضوه عند كبر سنهم، ويورثونه لأبنائهم، وذلك تقديراً لجهودهم في صالح أممهم وشعوبهم.
وقد فرض اللّه الخمس لآل محمد و ذراريهم، تكريماً للنبي (صلى اللّه عليه وآله)، وتقديراً لجهاده الجبار، وتضحياته الغالية، في سبيل أمته، وتنزيهاً لآله عن الصدقة والزكاة.
وقد أوضح أمير المؤمنين (عليه السلام) مفهوم ذي القربى، فقال: نحن واللّه الذين عنى اللّه بذي القربى، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيه، فقال «ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين» (الحشر:7) منّا خاصة، لأنه لم يجعل لنا سهماً في الصدقة، وأكرم اللّه نبيه، وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس.
وعن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أصلحك اللّه، ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: من أكل مال اليتيم درهما، ونحن اليتيم.
5 - الإحسان إلى ذريتهم: من دلائل مودة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، ومقتضيات ولائهم، والوفاء لهم... رعاية ذراريهم، والبرّ بهم، والإحسان إليهم. وهم جديرون بذلك، لشرف انتمائهم إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)، وانحدارهم من سلالة أبنائه المعصومين عليهم السلام.
وقد أعرب النبي (صلى اللّه عليه وآله) عن اغتباطه وحبه لمبجليهم ومكرميهم، كما أوضح استنكاره وسخطه على مؤذيهم والمسيئين إليهم.
فعن الرضا عن آبائه عن علي (عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي من
بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أموالهم عند اضطرارهم، والمحب لهم بقلبه ولسانه.
وعن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: إذا قمتُ المقام المحمود، تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفعني اللّه فيهم. واللّه لا تشفعت فيمن آذى ذريتي.
6 - مدحهم ونشر فضلهم: طبع النبلاء على تقدير العظماء والمجلّين في ميادين الفضائل والمكرمات، فيطرونهم بما يستحقونه من المدح والثناء، تكريماً لهم وتخليداً لمآثرهم.
وحيث كان الأئمة الطاهرون أرفع الناس حسباً ونسباً، وأجمعهم للفضائل، وأسبقهم في ميادين المآثر والأمجاد، استحقوا من مواليهم ومحبيهم أن يعربوا عما ينطوون عليه من عواطف الحب والولاء، وبواعث الإعجاب والإكبار، وذلك بمدحهم، ونشر فضائلهم، والإشادة بمآثرهم الخالدة، تكريماً لهم، وتقديراً لجهادهم الجبّار، وتضحياتهم الغالية في خدمة الإسلام والمسلمين.
وناهيك في فضلهم أنهم كانوا غياث المسلمين، وملاذهم في كل خطب، لا يألون جهداً في إنقاذهم، وتحريرهم من سطوة الطغاة والجائرين، وإمدادهم بأسمى مفاهيم العزة والكرامة، ما وسعهم ذلك حتى استشهدوا في سبيل تلك الغاية السامية.
والناس إزاء أهل البيت، فريقان:
فريق حاقد مبغض، ينكر فضائلهم ومثلهم الرفيعة، ويتعامى عنها، رغم جمالها وإشراقها، فهو كما قال الشاعر:
ومن يك ذا فم مرّ مريض*** يجد مراً به الماء الزلالا
وفريق واله بحبهم وولائهم، شغوف بمناقبهم، طروب لسماعها، ويلهج بترديدها والتنويه عنها، وان عانى في سبيل ذلك ضروب الشدائد والأهوال. وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله:
«لو ضربتُ خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك انه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي صلى اللّه عليه وآله، انه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق».
من أجل ذلك كان العارفون بفضائلهم، والمتمسكون بولائهم، يتبارون في مدحهم، ونشر مناقبهم، معربين عن حبهم الصادق وولائهم الأصيل، دونما طلب جزاء ونوال.
وكان الأئمة (عليهم السلام)، يستقبلون مادحيهم بكل حفاوة وترحاب، شاكرين لهم عواطفهم الفياضة، وأناشيدهم العذبة، ويكافؤنهم عليها بما وسعت يداهم من البر والنوال، والدعاء لهم بالغفران، وجزيل الأجر والثواب.
فقد جاء في (خزانة الأدب): حكى «صاعد» مولى الكميت، قال: دخلت مع الكميت على علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: إني قد مدحتك بما أرجو أن يكون لي وسيلة عند رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)، ثم أنشده قصيدته التي أولها:
من لقلب متيم مستهام*** غير ما صبوة ولا أحلام
فلما أتى على آخرها، قال له: ثوابك نعجز عنه، ولكن ما عجزنا عنه فان اللّه لا يعجز عن مكافأتك، اللهم اغفر للكميت. ثم قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمائه ألف درهم، وقال له: خذ يا أبا المستهل. فقال له: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي، ولكن إن أحببت أن تحسن إليّ فادفع إليّ بعض ثيابك أتبرك بها، فقام فنزع ثيابه ودفعها إليه كلها، ثم قال: اللهم إن الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهر ما كتمه غيره من الحق، فأحيه سعيداً، وأمته شهيداً، وأره الجزاء عاجلاً، وأجزل له المثوبة آجلاً، فإنا قد عجزنا عن مكافأته.
قال الكميت: مازلت أعرف بركة دعائه.
وقال دعبل: دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) - بخراسان - فقال لي: أنشدني شيئاً مما أحدثت، فأنشدته:
مدارس آيات خلت من تلاوة*** ومنزل وحي مقفر العرصات
حتى انتهيت إلى قولي:
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم*** أكفاً عن الأوتار منقبضات
فبكى حتى أغمي عليه، وأومأ إليّ خادم كان على رأسه: أن اسكت، فسكتُّ فمكث ساعة ثم قال لي: أعد. فأعدتُ حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً، فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى، وأومأ الخادم إليّ أن أسكت، فسكت. فمكث ساعة أخرى، ثم قال لي: أعد. فأعدت حتى انتهيت إلى آخرها، فقال لي: أحسنت، ثلاث مرّات. ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم، مما ضرب باسمه، ولم تكن دفعت إلى احد بعد. وأمر لي من في منزله، بحليّ كثيرٍ أخرجه إليّ الخادم، فقدمت العراق، فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم، اشتراها مني الشيعة، فحصل لي مائة ألف درهم، فكان أول مالٍ اعتقدته.
قال ابن مهرويه: وحدثني حذيفة بن محمد، أن دعبلاً قال له: إنه استوهب من الرضا (عليه السلام) ثوباً قد لبسه، ليجعله في أكفانه. فخلع جبّة كانت عليه، فأعطاه إياها. فبلغ أهل قم خبرها، فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم، فلم يفعل، فخرجوا عليه في طريقه، فأخذوها منه غصباً، وقالوا له: إن شئت أن تأخذ المال فافعل، وإلا فأنت أعلم. فقال لهم: إني واللّه لا أعطيكم إياها طوعاً، ولا تنفعكم غصباً، وأشكوكم إلى الرضا (عليه السلام). فصالحوه، على أن أعطوه الثلاثين ألف درهم وفردكم من بطانتها، فرضي بذلك. فأعطوه فردكم فكان في أكفانه.
وكم لهذه القصص من أشباه ونظائر، يطول عرضها وتعدادها في هذا المجال المحدود.
7 - زيارة مشاهدهم: ومن حقوقهم على مواليهم وشيعتهم، زيارة مشاهدهم المشرفة، والتسليم عليهم. فإنها من مظاهر الحب والولاء، و مصاديق الوفاء والإخلاص فهم سيّان، أحياءاً وأمواتاً.
قال الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه: «إن رسول اللّه (صلى الله عليه اله) والأئمة من عترته خاصة، لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا، بإعلام اللّه تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرمة العظام، بلطيفة من لطائف اللّه تعالى، بيّنهم بها من جمهور العباد، وتبلغهم المناجاة من بُعد، كما جاءت به الرواية، وهذا مذهب فقهاء الأمامية كافة...
وقد قال اللّه تعالى فيما يدل على جملته: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم اللّه من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون». (آل عمران: 169 - 170)
وقال في قصة مؤمن آل فرعون: «قيل ادخل الجنة، قال يا ليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي، وجعلني من المكرمين».
(ياسين: 26- 27)
وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) : من سلّم عليّ عند قبري سمعته, ومن سلّم علي من بعيد بلغته. سلام اللّه عليهم ورحمته وبركاته.
ثم الأخبار في تفصيل ما ذكرناه، من الجمل عن أئمة آل محمد، بما وصفناه نصاً ولفظاً، أكثر».
وقد تواترت نصوص أهل البيت (عليهم السلام)، في فضل زيارة مشاهدهم، وما تشتمل عليه من الخصائص الجليلة، والثواب الجم.
فعن الوشا، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: «إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وان من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة».
وعن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : ما لمن زار واحداً منكم؟ قال: كمن زار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.
وعن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة، كان على عرش الرحمن أربعة من الأولين، وأربعة من الآخرين. فأما الأربعة الذين هم من الأولين: فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأما الأربعة من الآخرين: محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام. ثم يمد الطعام فيقعد معنا من زار قبور الأئمة، ألا إن أعلاهم درجة وأقربهم حبوة زوار قبر ولدي.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: زارنا رسول اللّه، وقد أهدت لنا أم أيمن لبناً وزبداً وتمراً، قدمنا منه، فأكل، ثم قام إلى زاوية البيت فصلى ركعات، فلما كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً، فلم يسأله أحد منّا إجلالاً وإعظاماً، فقام الحسين في الحجرة وقال له: يا أبه لقد دخلت بيتنا، فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك، ثم بكيت بكاءً غمّاً، فما أبكاك؟ فقال: يا بني، أتاني جبرائيل آنفاً، فأخبرني أنكم قتلى؟ وأن مصارعكم شتى. فقال: يا أبه، فما لمن يزور قبورنا على تشتتها؟ فقال: يا بني، أولئك طوائف من أمتي، يزورونكم، فيلتمسون بذلك البركة، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم، ويسكنهم اللّه الجنة.