Header


  • الصفحة الرئيسية

من نحن في التاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • معنى الشيعة (13)
  • نشأة الشيعة (24)
  • الشيعة من الصحابة (10)
  • الشيعة في العهد الاموي (10)
  • الشيعة في العهد العباسي (4)
  • الشيعة في عهد المماليك (1)
  • الشيعة في العهد العثماني (2)
  • الشيعة في العصر الحديث (1)

من نحن في السيرة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الشيعة في أحاديث النبي(ص) (1)
  • الشيعة في احاديث الائمة (ع) (0)
  • غدير خم (0)
  • فدك (3)
  • واقعة الطف ( كربلاء) (0)

سيرة اهل البيت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

عقائدنا (الشيعة الامامية) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في اصول الدين (0)
  • في توحيد الله (8)
  • في صفات الله (32)
  • في النبوة (9)
  • في الانبياء (4)
  • في الامامة الالهية (11)
  • في الائمة المعصومين (14)
  • في المعاد يوم القيامة (16)
  • معالم الايمان والكفر (30)
  • حول القرآن الكريم (22)

صفاتنا :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الخلقية (2)
  • العبادية (5)
  • الاجتماعية (1)

أهدافنا :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في تنشئة الفرد (0)
  • في تنشئة المجتمع (0)
  • في تطبيق احكام الله (1)

إشكالاتنا العقائدية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في توحيد الله (41)
  • في صفات الله (17)
  • في التجسيم (34)
  • في النبوة (1)
  • في عصمة الانبياء (7)
  • في عصمة النبي محمد (ص) (9)
  • في الامامة (68)
  • في السقيفة (7)
  • في شورى الخليفة الثاني (1)
  • طاعة الحكام الظلمة (6)
  • المعاد يوم القيامة (22)
  • التقمص (3)

إشكالاتنا التاريخية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عهد النبي (ص) (14)
  • في عهد الخلفاء (20)
  • في العهد الاموي (14)
  • في العهد العباسي (3)
  • في عهد المماليك (5)
  • في العهود المتأخرة (18)

إشكالاتنا الفقهية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • كيفية الوضوء (4)
  • كيفية الصلاة (5)
  • اوقات الصلاة (0)
  • مفطرات الصوم (0)
  • احكام الزكاة (0)
  • في الخمس (0)
  • في الحج (2)
  • في القضاء (0)
  • في النكاح (7)
  • مواضيع مختلفة (64)

إشكالاتنا على أهل الكتاب (النصارى) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عقيدة التثليث (32)
  • على التناقض بين الاناجيل (41)
  • صلب المسيح (17)

إشكالاتنا على أهل الكتاب (اليهود) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • عدم تصديقهم الانبياء (6)
  • تشويههم صورة الانبياء (8)
  • نظرية شعب الله المختار (1)
  • تحريف التوراة (0)

إشكالاتنا على الماديين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التفسير المادي للكون (1)
  • نظرية الصدفة وبناء الكون (0)
  • النشوء والارتقاء (0)
  • اصل الانسان (0)

ردودنا التاريخية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عهد الرسول(ص) (9)
  • في عهد الخلفاء (12)

ردودنا العقائدية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • حول توحيد الله (2)
  • حول صفات الله (7)
  • حول عصمة الانبياء (3)
  • حول الامامة (34)
  • حول اهل البيت (ع) (45)
  • حول المعاد (1)

ردودنا الفقهية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • حول النكاح (2)
  • حول الطهارة (0)
  • حول الصلاة (3)
  • حول الصوم (0)
  • حول الزكاة (0)
  • حول الخمس (0)
  • حول القضاء (0)
  • مواضيع مختلفة (6)

ردودنا على أهل الكتاب (النصارى) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

ردودنا على أهل الكتاب (اليهود) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

ردودنا على الماديين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • اثبات وجود الله (0)
  • العلم يؤيد الدين (2)

كتابات القراء في التاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في السيرة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في العقائد :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في الفقه :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في التربية والأخلاق :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء العامة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا

  • القسم الرئيسي : من نحن في التاريخ .

        • القسم الفرعي : الشيعة من الصحابة .

              • الموضوع : دور التشيع في الفقه الإسلامي بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله) .

دور التشيع في الفقه الإسلامي بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله)

إنّ دور التشيّع في التشريع الإسلامي، في الفترة التي تقع بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بارزاً في عهد الصحابة. فقد دوّن علي (عليه السلام) الفقه والحديث فجمعهما في حياة الرسول وبعدها، في كتب خاصة. حتّى أن من ادعى بأن نشاط المسلمين في هذه الناحية، قد اقتصر على الإفتاء ونقل الأحاديث لا غير، بسبب ما أرتئاه الخليفة من عدم تدوين الفقه والحديث، قد اعترف بأن عليّاً كانت له صحيفة جمعت قسماً من أبواب الحلال والحرام، دونها بخط يده.
كما وأن الأحاديث الكثيرة الصحيحة من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، التي رواها المحدثون من الشيعة، تنص على أنه كتب كتاباً في القضاء، وكتاباً في الفرائض، وكتاباً في الفقه كله.
وبعض هذه الكتب كان بإملاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان هو وشيعته يفتون أحياناً بما فيها من أحكام الإسلام. وبعد وفاته بقيت عند بنيه. ولم يكن باستطاعتهم في ذلك الدور القاسي على أهل البيت وشيعتهم، أن يجاهروا بآرائهم وبما حملته من أحكام الإسلام ولا أن يتصدروا للقضاء والإفتاء بين الناس ولما جاء دور الإمامين الباقر وولده الصادق (عليهما السلام)، وتهيأ لهم أن يقوما بنشر رسالة جدهما الرسول الأعظم، بما حوته تلك الكتب، من أبواب الفقه وأنواع الحلال والحرام، شاع أمرها بين الشيعة، ومن تخرج من مدرستهما في الحجاز والعراق، وسائر الأقطار الإسلامية، ورئاها جماعة من أعيان أصحابهما.
ولم يكن أثر التشيع في التشريع الإسلامي مقصوراً على التدوين والتأليف، بل كان بارزاً في القضاء وإفتاء الناس. فلقد برز علي (عليه السلام) على غيره من صحابة الرسول، وكان قوله الفصل إذا تعقدت الأمور، وتباينت الآراء، ولم يستطع أحد أن يصرف الأنظار عنه أو يحد من نشاطه في الإفتاء والقضاء. حتّى أن من كانت بيدهم السلطة لم يجدوا بداً من الرجوع إلى رأيه، في أكثر المشاكل، التي كانت تعترضهم.
وقال عمر بين الخطاب، مخاطباً أولئك الذين تصدروا للإفتاء في مسجد الرسول: (لا يفتينّ أحدكم في المسجد وعليّ حاضر).
ولأكثر من مناسبة قال: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن، ولولا علي لهلك عمر).
ولم يكن عمر بن الخطاب مجاملاً لعلي (عليه السلام)، (حينما قال هذه الكلمات، ولكنه الواقع الذي أحسه هو وجميع المسلمين، فرض عليه أن ينطق بها. ولأنه لم يجد بين صحابة الرسول غيره إذا تعقدت الأمور عليه، وإذا استطاع خصمائه أن يصرفوا الخلافة عنه، بحجة أن النبي لم ينص عليه كما يزعمون، فلن يستطيعوا أن يصرفوا الأنظار عن علمه وفقهه، ولا أن يحدّوا من نشاطه في الإفتاء والقضاء والمسلمون بعد وفاة الرسول، أحوج ما يكونون إليه، من أي زمان مضى، لأنه لسان الرسول وترجمان القرآن،  وباب مدينة العلم. وجميع الصحابة يعلمون بأن الرسول لم يثن على أحد من أصحابه، بمثل ما أثنى به عليه، كما قال ابن حنبل والنسائي والنيسابوري وغيرهم من المحدثين.
ومهما تكن الدوافع التي من أجلها نطق الخليفة بهذه الكلمات، فهي تعبير صادق عن جهاد علي المتواصل في بناء هذا الدين ونشر تعاليمه، معتمداً في ذلك على كتاب اللّه وسنة رسوله.
ولا بد لنا من عرض موجز لبعض آرائه وآراء غيره من الشيعة في الفترة الأولى من تاريخ الإسلام، بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلم).
قال في تذكرة الخواص، عن احمد بن حنبل، في فضائله، بسنده عن أبي ظبيان: أن عمر بن الخطاب أتى بامرأة قد زنت فأمر برجمها. ولما عرف علي حالها أمرهم بإخلاء سبيلها، وقال للخليفة: أنها معتوهة آل فلان وقد قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : رفع العلم عن ثلاث: عن النائم حتّى يستيقظ، والصبي حتّى يحتلم، والمجنون حتّى يفيق, واتي بامرأة أخرى وضعت حملها لستة أشهر من تاريخ زواجها فأمر عمر بن الخطاب برجمها، فأنكر عليه علي حكمه وأرجعه إلى كتاب الله الكريم حيث يقول: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) ويقول: (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً). يتبين من هاتين الآيتين أن أقل الحمل ستة أشهر، بعد استثناء مدة الرضاع، التي نصت عليها الآية الأولى فقال عمر بن الخطاب: (اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب).
وفي الإرشاد: أن رجلاً رفع إلى أبي بكر، وقد شرب الخمر، ولما أراد أن يقيم عليه الحدّ ادعى أنه لم يعلم بتحريمها، لأنه نشأ بين قوم يستحلونها فاحتج على أبي بكر، ولم يعلم وجه القضاء في ذلك فأشار عليه جلساؤه أن يستعلم الحكم في مثل ذلك من علي (عليه السلام). فأرسل إليه من سأله عنه، فقال: يطوف به رجلان من المسلمين على مجالس المهاجرين والأنصار، فان تبين أن أحداً تلا عليه آية التحريم أو اخبره بحرمته، أقيم عليه الحدّ، وان لم يتبين ذلك فلا شيء عليه, فاستصوب الخليفة رأي علي (عليه السلام) وأرسله مع رجلين من ثقاة المسلمين إلى مجالس المهاجرين والأنصار فلم يشهد احد أنه تلا عليه الآية، أو أخبره بتحريمها، فاستتابه أبو بكر وخلّي سبيله.
وقد سئل أبو بكر عن الكلالة، التي ورد ذكرها في آية المواريث، فقال: أقول فيها برأيي، فإن أصبت فمن اللّه وان أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان. ولما بلغ عليّا (عليه السلام) قوله، قال: (ما أغناه عن الرأي في هذا المكان، أما علم أن الكلالة هم الإخوة والأخوات من قبل الأب والأم، ومن قبل الأب على انفراده، ومن قبل الأم وحدها؟ قال سبحانه: (يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك). وقال عز من قائل: (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث).
وذكر في الإرشاد أن قدامة بن مظعون شرب الخمر، فلما أراد عمر بن الخطاب أن يقيم عليه الحد، احتج عليه بالآية الكريمة: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح في ما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات)، فامتنع من إقامة الحد عليه. ولما بلغ ذلك عليّا (عليه السلام) قال له: لم تركت إقامة الحدّ على قدامة، وقد شرب الخمر؟ فقال: لان الآية تنص على أن المؤمنين ليس عليهم جناح فيما طعموا، إذا اتقوا وعملوا الصالحات. فقال: إن الذين اتقوا وعملوا الصالحات، لا يستحلون حراما، فاردد قدامة واستتبع، فان تاب فأقم عليه الحد، وإن لم يتب فاقتله، فقد خرج عن الملة. ولما عرف قدامة أن الإسلام لا يعفيه من العقوبة، أظهر توبته، وجلده ثمانين جلدة بعد أن أخبره علي بمقدار هذه العقوبة، وكان أبو بكر يرى أنها أربعون جلدة.
وقد زنت امرأة حامل، فأمر عمر بن الخطاب برجمها، فقال له علي (عليه السلام) : هب أن لك عليها سبيلا، فأي سبيل لك على ما في بطنها، واللّه سبحانه يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
فقال عمر: (لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن). ولما استشاره في أمرها، قال: احتفظ بها حتّى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم عليها الحد.
وجاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب وأقرت على نفسها بالزنا، فأمر برجمها فاستمهله علي (عليه السلام) لعل لها عذرا يدرأ عنها الحد. فقال لها: ما حملَكَ على الزنا؟ قالت: كان لي خليط، وفي إبله ماء ولبن، ولم يكن في ابلي شيء من ذلك، فظمئت فاستسقيته، فأبى أن يسقيني حتّى أعطيه نفسي، فأبيت عليه ثلاثا. ولما ظمئتُ وظننت أن نفسي ستخرج، أعطيته الذي أراد، فسقاني. فقال علي (عليه السلام) : اللّه اكبر! (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان اللّه غفور رحيم).
وجيء إليه بامرأة أخرى قد زنت، فأقرت لديه بذلك، وكررت إقرارها وأيدت ما فعلته من فجورها. وكان علي (عليه السلام) حاضرا، فقال: أنها لتستهل به استهلال من لا يعلم أنه حرام، فدرأ الحد عنها، عملا بالحديث: (الحدود تدرأ بالشبهات).
روى سعيد بن المسيب أن رجلا من أهل الشام يقال له بن جبيري وجد مع امرأته رجلا فقتلهما، فأشكل على معاوية القضاء فيه، فكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يسأل علي بن أبي طالب عن ذلك، فسأل أبو موسى عليّا (عليه السلام) فقال له: إن هذا الشيء ما هو بأرضي، عزمت عليك لتخبرني، فقال له أبو موسي: كتب إلي معاوية أن أسألك عن ذلك، فقال علي: أنا أبو الحسن، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
ولما أفتى عمر بن الخطاب بأن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، تنتهي بوضع الحمل، وسئل علي (عليه السلام) عن ذلك أجاب: أن عدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل. ومضي أربعة أشهر وعشرة أيام، عملاً بعموم الآية الكريمة : (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وكان يرى أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد، يقع طلاقاً واحداً، وقد أمضاه عمر بن الخطاب ثلاثاً، وجعله موجباً لتحريم الزوجة حتّى تنكح زوجاً غيره ومع اعترافه بأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اعتبره طلقة واحدة، أمضاه ثلاثاً، إلزاماً للزوج بما ألزم به نفسه.
وكتب يعلي بن أمية، وكان والياً لعمر بن الخطاب على اليمن: أن امرأة قُتلت هي وخليلها زوجها، فهل القصاص على الاثنين أو على أحدهما؟ فتوقف عن الجواب واستشار عليّاً في حكم هذا الحادث وأمثاله، فقال: أرأيت لو أن نفراً اشتركوا في سرقة جزور، فأخذ هذا عضواً وهذا عضواً أكنت قاطعهم؟ قال نعم! فقال علي (عليه السلام) : وكذلك الحال هنا. ونتيجة لذلك، كتب عمر بن الخطاب في جواب السائل : اقتلهما معاً، فلو اشترك أهل صنعاء كلهم لقتلتهم.
قال الشهيد الثاني: إذا قتل الجماعة واحداً قتلوا به، وهو قول أكثر العامة، ومذهب الأصحاب: أن الولي إذا اختار الدية فتوزع على القاتلين، وإن اختار القصاص فله قتل الجميع، ومستندهم في ذلك الأخبار الكثيرة.
منها رواية الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : عشرة قتلوا رجلا، فقال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا، وغرموا تسع ديات. وهذه الديات التسع التي يغرمها أولياء المقتول توزع على أولياء المقتولين العشرة..
وقد أفتى علي (عليه السلام) بأن شارب الخمر يجلد ثمانين جلدة، ففي موطأ مالك أن عمر بن الخطاب استشار عليا في حدّ شارب الخمر، فقال: أرى أن تجلده ثمانين جلدة، فجلده عمر ثمانين.
وفي تاريخ الفقه الإسلامي، أن عمر بن الخطاب قد اتبع تعليل علي بن أبي طالب، فجعلها ثمانين جلدة، بقيت مشروعة حتّى اليوم، إذ قبل ذلك الصحابة في ذاك العهد، وصار شرعا لنا دائماً.
وفي المسالك أن عمر بن الخطاب، بعد أن استشار عليّاً في حد شارب الخمر، أشار عليه أن يضربه ثمانين وبأنه إذا شرب سكر وإذا سكر يهذي وإذا هذى افترى، فجلده عمر ثمانين وعمل به أكثر العامة. وقال بعضهم بأربعين، ونقل اتفاق الأمامية على الثمانين.
وفي تاريخ الفقه الإسلامي، ما ملخصه، أن عمر بن الخطاب وجماعة من أعيان الصحابة قد التبس عليهم الأمر في ميراث الجد مع الإخوة إذا ترك الميت جده وأخوته، فاستشاروا عليّا وزيد بن ثابت في ذلك فأفتى علي بأن الجد يشارك الأخوة في هذه الحالة. وقد ضرب له مثلاً على ذلك ليرفع ما في نفسه من الحيرة والتردد، بسيل سال، فتشعبت منه شعبة، ثمّ تشعبت منه شعبتان، ثمّ قال: (أرأيت لو أن ماء هذه الشعبة الوسطى رجع، أليس إلى الشعبتين جميعاً؟) ووافقه على ذلك زيد بن ثابت، بعد أن كان يرى أن الجد لا يزال معهم، فانتهى عمر بن الخطاب إلى رأيه، وجعل الجد والأخوة في مرتبة واحدة، وعمل بذلك المسلمون. وارتضاه الشافعية والمالكية والحنابلة، أما الأحناف فيرون أن الجد بمنزلة الأب، يحجب الأخوة عن الميراث، وذلك رأي أبي بكر وبعض الصحابة.
وكان عمر بن الخطاب يتأسف، وهو على المنبر، لأن رسول اللّه (صلى الله عيه واله) فارق المسلمين، ولم يعهد إليهم عهدا ينتهون إليه في أمور ثلاثة: الكلالة والجد وأبواب من الربا، ونقل له الباحثون في التشريع الإسلامي بعض الآراء المخالفة لما عليه أهل البيت وشيعتهم. منها انه كان يرى أن ضالة الإبل وغيرها من أنواع الحيوان الذي لا يخاف عليه من السباع، يجب التقاطها والاحتفاظ بها حتّى يظهر صاحبها. ويذهب أهل البيت في مثل هذا النوع من الضالة، عدم جواز أخذها، بل تترك وشأنها، إذا كانت في كلأ وماء، ومن أخذها يكون ضامنا لتلفها ونتاجها. ويتفق رأيهم فيها مع الحديث المروي عن الرسول حيث قال: في جواب من سأله عن حكم اللقيطة. أما ضالة الإبل ما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء والشجر حتّى يلقاها ربها.
ولعل ما نقل عنه (عليه السلام) في ذلك، فيما إذا كانت الضالة في معرض التلف، أو كانت في محل لا ماء فيه ولا كلاء. ومذهب الشيعة في مثل ذلك وجوب حفظها.
ومنها أنه كان يرى تضمين الأجير والصباغ والصانع : إذا تلفت العين عندهم. وروى البيهقي جملة من الآثار التي تثبت أنه كان يضمن الأجير ما يتلف تحت يده، وانه يقول: (لا يصلح الناس إلاّ ذلك).
ويروي البيهقي عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي، أنه كان يضمن الصباغ والصانع. ومذهب أهل البيت في ذلك أن العين التي بيد الأجير أمانة غير مضمونة إلاّ بالتعدي أو التفريط بها، وذلك فيما إذا تلفت بسبب لا يرجع إليه. أما إذا تلفها الأجير فإنه يكون ضامنا لها، سواء قصد إتلافها أو لم يقصد، وسواء كان ماهرا في صنعه أو لم يكن. وكذا الحال في كل من اجر نفسه لعمل في مال المستأجر، فإن تلف بسبب لا يرجع إليه، لا يكون ضامنا له، عملا بالنص القائل: (لا ضمان على مؤتمن). وان تلف بسببه أو فعله، كان ضامنا له، قصد ذلك أو لم يقصد. والمبدأ العام المتبع في مثل ذلك:
(من اتلف مال غيره فهو له ضامن).
والحكم بالضمان المنسوب إلى علي (عليه السلام)، يمكن أن يكون في مورد التعدي، من الصباغ والصانع والأجير، أو التفريط والتهاون. ويؤيد ذلك ما روي عنه أنه قال: (لا يصلح الناس إلاّ ذلك). وهي ظاهرة بأن تضمين الأجير لما يتلف في يده، عقوبة له يقصد بها إصلاحه، ليكون حريصاً على ما تحت يده فلا يتعدى عليه أو يفرط فيه. كما يمكن أن يكون حكمه بالضمان مقصوراً على صورة ما إذا أتلفه في أثناء العمل الذي استؤجر عليه. ومنها انه كان يرى فيمن تزوج امرأة في عدتها ودخل بها، أن له أن يتزوج بها بعد التفريق بينهم إن شاء، إذا استكملت عدتها من الأول، واعتدت منه عدة مستقلة، كما روى عنه ذلك إبراهيم النخعي. وكان عمر بن الخطاب يرى حرمتها عليه أبداً.
ومذهب أهل البيت في هذه المسألة، أنه إذا كان عالماً بالحكم والموضوع لا تحل له أبداً، دخل بها أو لم يدخل، وان كان جاهلاً بهما أو بأحدهما، وعقد عليها ولم يدخل بها يبطل العقد. وبعد أن تستكمل عدتها، له أن يتزوجها بعقد جديد. أما إذا دخل بها في هذه الصورة حرمت عليه أيضاً. وقد نصت على ذلك الأخبار الصحيحة المروية عنهم. فقد روى زرارة وداود ابن سرحان عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (الذي يتزوج المرأة في عدتها، وهو يعلم لا تحل له أبداً).
وروى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) : إذا تزوج الرجل امرأة في عدتها، يفرق بينهما، وان كان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما ولا تحل له أبداً، وان لم يدخل بها فلا شيء لها من المهر.
وإذا صحت النسبة إلى علي (عليه السلام) فلا بد أن يكون حكمه بأن له أن يتزوجها بعد أن تستكمل عدتها، فيما إذا كان جاهلا بالحرمة، أو بأصل العدة، ولم يكن قد دخل بها. ويؤيد ذلك أن الرأي المنسوب إلى علي (عليه السلام) كان في حادثة وقعت على عهد عمر بن الخطاب وهي أن (طليحة الأسدية) كانت متزوجة برشيد الثقفي، فلما طلقها تزوجها رجل قبل أن تستكمل عدتها، فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها ضربات وفرق بينهما.
وليس فيها ما يشير إلى دخوله بها أو علمهما بالحكم والموضوع. وليس ببعيد جهلهما في هذا الحكم وأمثاله، مما لم تكثر الحاجة إليه، لاسيما والمسلمون في بداية عهدهم بتعاليم الإسلام وأحكامه.
ومهما كان الحال فهو أعلم بما يفتي وبما يحكم، ولم يكن أحد من المسلمين يماري في أحكامه ويتردد بها، لأنهم يعلمون مقدار صلته بالرسول، وأنه كان يؤثره على كل أصحابه، ولم يفارقه في سفر ولا حضر، إلاّ في غزوة تبوك. وبهذه المناسبة قال له: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنه لا نبي بعدي), كما روى ذلك الترمذي والبخاري وغيرهما من محدثي أهل السنّة.
وقد ذكر جميع المحدثين آراءه في الفقه والحديث. وليس بوسعنا أن نستقصي جميع ما ذكروه، ولكن المتتبع للآثار الإسلامية ومخلفات الصحابة يراه من أكبر المشرعين بعد الرسول، وأعلمهم بكتاب اللّه وسنة رسوله.
وقد عدّه الدكتور محمّد يوسف في كتابه تاريخ الفقه الإسلامي من شيوخ التشريع وأعلامه، مع جماعة من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد اللّه وأبو موسى الأشعري وغيرهم ومع انه يدعي التحرر في أبحاثه والانطلاق من مخلفات العصور الماضية التي سخرت الأفكار والأقلام لمصالح الحكام وأهوائهم، يبدو في بعض الأحيان مسيّراً في فكره وقلمه لتلك المخالفات، التي فرضتها السياسة، فقد ذكره في عداد عبد اللّه وأبي موسى الأشعري وغيرها. مع أن عمر بن الخطاب نفسه كان يكرر: (لولا علي لهلك عمر، ولا بقيتُ لمعضلة ليس لها أبو الحسن)، ولا يبيح لأحد من فقهاء الصحابة أن يفتي في مجلس فيه علي (عليه السلام) : (لا يفتين أحدكم وعلي حاضر).
وهو الذي قال في ولده عبد اللّه، حينما أشار عليه بعض المسلمين أن يستخلفه: (كيف أولي أمر المسلمين من لا يحسن طلاق زوجته؟) ومن لا يحسن أمر الطلاق، بشهادة والده فيه، هل يجوز لمن يدعي التحرر في أبحاثه والتمرد على مخلفات الماضين، أن يجعله إلى جانب علي (عليه السلام) في التشريع الإسلامي؟ وفي طبقات ابن سعد: (أنه كان جيد الحديث، غير جيد الفقه).
ومهما يكن الحال فالذي أردناه من إيراد هذه النبذة اليسيرة من أقضيته وفتاويه، أن دور التشيع في الفقه الإسلامي كان بارزاً منذ الأيام الأولى لوفاة الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم). وقد قام شيعة علي بنصيبهم في ذلك، فساهموا في حفظ هذا التراث الإسلامي، بنقل الحديث ونشر الأحكام. وذكرنا فيما سبق أن أبا رافع، مولى رسول اللّه، لازم عليّاً بعد وفاة الرسول وشهد معه حروبه وان ابنيه عبيد اللّه وعليّا ً كان يكتبان لعلي (عليه السلام) أيام خلافته. وقد ألّف أبو رافع كتاب السنن والأحكام وكتاب القضايا وهو أول من جمع الحديث من الشيعة وألّف في الأحكام، وكان يفتي الناس ويعلمهم الحلال والحرام.
ومنهم سلمان الفارسي، وكان من أعيان الشيعة وأجلاء الصحابة وحواري الرسول، وقد بلغت صلته بالرسول وإيمانه به إلى حدّ قال فيه الرسول: (سلمان منا أهل البيت). وأعطاه الرسول لقب المحمدي، بدل الفارسي، وبعد الرسول لازم عليّاً وأخذ العلم عنه. وروى الفضل بين يسار، عن أبي جعفر الباقر أنه قال له: ترى ما يروي الناس، أن عليّاً (عليه السلام) قال في سلمان أنه أدرك علم الأول وعلم الأخر، قلت نعم! قال: فهل تدري ما عنى؟ قلت: يعني علم بني إسرائيل وعلم النبي فقال: ليس هكذا يعني، ولكن علم النبي (صلى الله عليه واله) وعلم علي (عليه السلام) وأمر النبي وأمر علي.
وقد نهى سلمان الفارسي أبا الدرداء أن يجهد نفسه في العبادة، وقال له: إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، صم يوما وافطر يوماً، وصل ونم وادّ لجسمك حقه. ولما بلغ قوله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لقد اشبع سلمان علماً جماً.
وقال فيه علي (عليه السلام) : ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الأول والعلم الأخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الأخر، وكان بحراً لا ينزف؟.
وقال فيه الفضل بن شاذان: ما نشأ في الإسلام رجل من كافة الناس كان افقه من سلمان الفارسي.
وقد ولّاه عمر بن الخطاب على المدائن، ولم تكن مهمة الوالي مقصورة على الشؤون الإدارية والسياسية فحسب، بل كان بالإضافة إلى هاتين يتولى أكثر الشؤون الدينية كالإفتاء وتعليم الأحكام، لاسيما إذا كان الولاة كسلمان الذي جاء في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه: (لقد اشبع سلمان علماً جماً).
ومن فقهاء الشيعة وحملة الحديث وأوعية العلم في عصر الصحابة، عمار بن ياسر، وقد بلغ من إخلاصه لدعوة الرسول المباركة أن قال فيه الرسول: (عمار مع الحق والحق مع عمار، يدور معه كيفما دار).
وأخبره بأنه سيكون قتيلاً على يد الفئة الباغية، في حديث مشهور في كتب الحديث عند السنة والشيعة. وبقي عمار ينتظر ذلك المصير الذي آمن به، وأيقن بوقوعه حتّى كانت صفين، وكان من أمره أن قتله أتباع معاوية ابن أبي سفيان، وقد ولّاه عمر بن الخطاب الكوفة، فكان مرجعهم في جميع شؤونهم. وكانت الشؤون الدينية تشغل جانباً كبيراً من حياة الولاة والحكام، لأنها قانون الدولة، وعلى الحكّام أن يعملوا على انتشارها بين أفراد الشعب، وتطبيقه على الجميع بنصه وروحه.
وقد بلغ به الإيمان بدعوة الرسول والإخلاص لمبادئها أن أصبح من حواري الرسول والمقربين إليه. ولازم عليّاً حتّى كانت نهايته بصفين. وهو القائل: (واللّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أننا على الحق وهم على الباطل).
ومما لا بد منه، بعد أن تهيأ له الجو المناسب، وأصبح حاكماً في بلد دخل في الإسلام بقوة السيف، لا يعرف عن عقائد الإسلام وأحكامه شيئاً، أن ينصرف إلى تعليم الناس الحلال والحرام، ويغرس في نفوسهم مبادئ الإسلام وأصوله، كما نص عليها الكتاب والحديث.
وقال الأستاذ مصطفى عبد الرزاق: أن أبي بن كعب وعماراً بن ياسر وحذيفة اليمان وأبا الدرداء وسلمان الفارسي، كانوا يفتون الناس في حياة الرسول.
ومن فقهاء الشيعة وأعيان الصحابة أبي بن كعب، وهو من أعيان الشيعة، كما نص عليه السيد علي بن صدر الدين المدني. وقال السيد حسن الصدر: لقد أكثر السيد علي المدني من الأدلة على تشيعه وموالاته لأهل البيت (عليهم السلام)، وذكره ابن سحنة في تاريخه، فيمن تخلف عن البيعة مع علي (عليه السلام) وأنه من الطليعة الأولى من المفسرين.
وروى ثقة الإسلام الكليني عن الصادق جعفر بن محمّد أنه قال: أما نحن فنقرأ بقراءة أبي بن كعب. وفي أمالي الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه، وخلاصة العلامة في الرجال، ما يدل على جلالته وإخلاصه لأهل البيت (عليهم السلام).
وقال السيد المرتضى في التعليق على ما ذكره المحدثون من أن عليّاً قال في عمر بن الخطاب وهو محتضر: وددت أن القي اللّه بصحيفة هذا المسجى. نقلاً عن الشيخ المفيد، إن المراد بالصحيفة، هي التي اتفقوا فيها على إقصاء علي عن حقه في الخلافة.
واستدل على ذلك بما روته العامة كما جاء في كلامه، عن أبي بن كعب، أنه كان يقول في مسجد الرسول، بعد أن انتهى أمر الخلافة إلى أبي بكر، بصوت يسمعه أهل المسجد: ألا هلك أهل العقدة، واللّه ما آسي عليهم، وإنما آسي على من يضلون من الناس.
فقيل له: يا صاحب رسول اللّه، ومن هؤلاء أهل العقدة، وما عقدتهم؟ فقال: قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول اللّه لم يورثوا أحدا من أهل بيته ولا ولوهم مقامه، أما واللّه لو عشت إلى يوم الجمعة لأقومنَّ فيهم مقاماً أبين فيه للناس أمرهم.
وقد ذكره السيد الأمين من قرّاء الشيعة، ونقل عن محمّد بن سعد في الطبقات أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اقرأ أُمتي أبيُّ بن كعب، وأنه قال له: إن اللّه تعالى أمرني أن أقرأ عليك.
وعده الشيخ محمّد الخضري من مشاهير المتصدرين للفتوى في عهد الصحابة قال: وأشهر المتصدرين للفتوى في هذا العصر الخلفاء الأربعة وعبد اللّه بن مسعود وأبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل وأُبي بن كعب.
وقال عنه الدكتور محمّد يوسف: أنه كان من شيوخ التشريع وأعلامه في المدينة، وان كثيراً من التابعين، وأشهرهم الفقهاء السبعة، أخذوا عنه وعن الخلفاء الأربعة ومن فقهاء الشيعة وأعيانهم أبو سعيد الخدري. وقال عنه القمي أنه كان من السابقين، الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين، وأنه لم يكن بين أحداث الصحابة أفقه منه.
ونقل عن ابن عبد البر، أنه كان من الحفاظ المكثرين والعلماء العظماء العقلاء. وقد روى الكثير من الأحاديث عن الرسول، وأنه احتجز في بيته في واقعة الحرة، على رواية ابن قتيبة، فدخل عليه أهل الشام، فنهبوا متاعه ونتفوا لحيته، بعد أن عرفهم بنفسه وصحبته للرسول.
وقد وصفه الشيخ محمّد طه نجف بالاستقامة، وأنه من أصحاب أمير المؤمنين الأصفياء.
وقال عنه الأستاذ مصطفى عبد الرزاق أنه كان من المفتين في عصر الصحابة، وكان من متوسطي الصحابة في الإفتاء.
وفي كتب الرجال والحديث العشرات من وجوه الصحابة، الذين عرفوا لعلي حقه في الخلافة، وكانوا من أوعية العلم وحملة الآثار الإسلامية ومن مراجع المسلمين في الحلال والحرام، كأبي أيوب الأنصاري وحذيفة اليماني وأبي الدرداء وجابر بن عبد اللّه الأنصاري، الذي أدرك الامام الباقر (عليه السلام) وقال له: (بأبي أنت وأمي، أن رسول اللّه يقرئك السلام).
ولم يكن غيرهم ممن اشتهر في الفقه والحديث في كتب إخواننا أهل السنة، كابن مسعود وابن عمر والأشعري ومعاذ بن جبلة وعبد اللّه بن عمرو بن العاص، وغيرهم من الأحداث البارزين في هاتين الناحيتين، وأصبحوا مصدراً لمن جاء بعدهم، وعلى آرائهم وأقوالهم يعتمد التابعون وأكثر من كتب في عصر التدوين، في المائة الثانية للهجرة وما بعدها. لم يكن هؤلاء بأكثر بروزا في عهد الرسول ممن ذكرناهم، بل لم يدرك أكثرهم من عهده إلاّ السنين الأخيرة. ولم يكن أحد منهم في سيرته واتصاله الوثيق بالرسول يشبه أحداً ممن تحدثنا عنهم من أعلام الشيعة، وليس لذلك من سبب غير السياسة التي انتهجها الحكام في الفترات التي أعقبت وفاة الرسول، والتي كانت تستهدف إقصاء الشيعة عن هذا المسرح وإضعاف أصواتهم، لأنهم يعلمون جيداً ما لتك الأحاديث الكثيرة عن الرسول، وعلى الأخص ما يتعلق منها باستخلاف علي (عليه السلام) وفضائل أهل البيت، من الآثار في نفوس المسلمين.
ولو أتيح لهؤلاء أن يحدثوا الناس بكل ما وعته صدروهم من الآثار الإسلامية في مختلف المواضيع لكانت آثارهم من أبرز ما تركه المسلمون في ذلك العصر، ومع ذلك فإن ما صدر منهم في الفترة التي تلت وفاة الرسول، كان المتعذر على التابعين وتابعيهم روايته عنهم، وتدوينه في العصر الذي هب العلماء فيه لتدوين الحديث والفقه، لان ما وصل من أحاديث الشيعة في الفقه والآثار الإسلامية إلى العلماء في العصر الذي بدأوا فيه بتنويع الحديث وتصنيفه، كان نصيبه السقوط وعدم الاعتبار، إما لان فيه رائحة التشيع، أو لان راويه من الشيعة. ويكفي ذلك في وهنه مهما بلغ راويه من العلم والورع والضبط.
ومهما يكن الحال فمع أن المجال لم يتسع لهم كما اتسع لغيرهم، فقد ساهموا في نشر تعاليم الإسلام، وبيان الحلال والحرام، وأوضحوا الكثير من أسرار الكتاب وغوامضه، ودونت لهم المصادر الشيعية كثيرا من الآثار في الحديث والفقه والتفسير.
ولو لم يكن لأحد من رجال الشيعة أثر في التشريع الإسلامي لكان ما دونته كتب الحديث والفقه والتفسير لعبد اللّه بن العباس من الآثار الإسلامية الخالدة، مصدراً غنياً بالشواهد والبراهين على أن التشيع قام بنصيب وافر في التشريع ونشر الآثار الإسلامية وتدوينها، في عهدي الصحابة والتابعين الأولين.
قال العلامة المجلسي في رجاله: كان عبد اللّه تلميذاً لعلي ومن المحبين له، وحاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين (عليه السلام) أشهر من أن يخفى.
ومع ولائه لعلي (عليه السلام) وإيمانه بحقه في الخلافة الإسلامية كان الخليفة الثاني يقربه إليه ويدنيه، ويناظره أحياناً بشأن الخلافة الإسلامية، التي يراها ابن عباس وغيره من الشيعة، حقاً لعلي بن أبي طالب (عليه السلام).
وقد قال له الخليفة يوماً: أما واللّه إن صاحبك لأولى الناس بالأمر بعد الرسول، إلاّ أننا خفناه على اثنين.
وهنا استغل ابن عباس الفرصة التي فسحها له الخليفة ليدلي برأيه بكل صراحة وبدون مواربة، ويدفع عن صاحبه ما تخوفه الخليفة وغيره من استخلافه على حد زعمه.
ولما سأله ابن عباس عنهما، قال: خفناه على حداثة سنه وحبه لبني عبد المطلب. ثمّ قال: أن قريشاً كرهت أن تجمع لكم الخلافة والنبوة، فتجحفوا الناس جحفاً، فنظرت لنفسها فاختارت وأصابت.
فأجابه ابن عباس، غير متهيب لأمارته: أما قولك بأن قريشاً كرهت فإن اللّه سبحانه قال في حق قوم كرهوا ما أراده اللّه لهم: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم). وأما قولك إنا نجحف، فلو جحفنا في الخلافة جحفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا من خلق رسول اللّه، الذي قال فيه ربه: (وانك لعلى خلق عظيم)، (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين).
وأما قولك أن قريشاً اختارت، فإن اللّه سبحانه يقول: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة).
ولقد علمت يا أمير المؤمنين أن اللّه اختار من خلقه من اختار، فلو نظرت قريش حيث نظر اللّه لوفقت وأصابت.
وعلى الرغم من صراحته مع عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء الثلاثة، فقد استطاع أن يفرض نفسه عليهم ويكون محل ثقتهم وتقديرهم.
وهو أول من ألّف في تفسير القرآن. وقد تلمذ على علي (عليه السلام) وأصبح بنظر المسلمين ترجمان القرآن ورئيس المفسرين. وقال عنه أبو الخير في طبقات المفسرين أنه حبر الأمة ورئيس المفسرين، دعا له رسول اللّه بأن يفقهه اللّه الدين ويعلمه التأويل. وقد روي عنه في التفسير ما لا يحصى كثرة، وقلما توجد آية في كتاب اللّه إلاّ وله رأي في تفسيرها.
وقال القمي في كتابه الكنى والألقاب، أن له تفسيراً مطبوعاً، وروى الخطيب البغدادي عن عطاء انه قال: ما رأيت مجلساً قط كان أكرم من مجلس ابن عباس وأكثر علماً منه. إن أصحاب القرآن عنده يسألونه، وأصحاب النحو يسألونه، وأصحاب الشعر والفقه في مجلسه يسألونه، وكلهم يصدرهم في واد فسيح.
وفي أعيان الشيعة أن ابن عباس أجاب نافع الأزرق الخارجي، عن مائتي مسألة في تفسير القرآن، وأتى على كل جواب بشاهد من الشعر.
وفي الفهرست لابن النديم: من جملة كتب التفسير كتاب ابن عباس في تفسير القرآن، وكان يسمى البحر، لسعة علمه.
وكما انتشرت آراؤه في التفسير، واشتهر من بين الصحابة في هذه الناحية، واشتهر في الفقه أيضا، وانتشرت آراؤه فيه، وكان فيه مصدراً من أوسع المصادر وأكثرها انتشاراً. وقال ابن عيينة: العلماء ثلاثة: ابن عباس والشعبي وسفيان الثوري. وكل واحد من هؤلاء الثلاثة كان ابرز أهل زمانه في الفقه والحديث. وقد اتخذ العلماء والمفتون، المساجد في العواصم الإسلامية كمدارس لهم، ينقلون فيها الحديث، ويفتون الناس من أبواب الحلال والحرام. وكانت مدرسة المدينة تضم جماعة من فقهاء الصحابة، وعلى رأسها علي بن أبي طالب (عليه السلام). وإلى من فيها من شيوخ الإفتاء والتدريس يقول عمر بن الخطاب: (لا يفتين احد في المسجد وعلي حاضر).
وفي مكة المكرمة مهبط الوحي قبل الهجرة، كان مسجدها يجمع العشرات من التلاميذ، وعلى رأسهم عبد اللّه بن العباس. ومن أشهر تلاميذه مولاه عكرمة، وأبو محمّد عطاء بن أبي رياح مولى قريش، ومجاهد بن جبير مولى بني مخزوم.
أما عكرمة فإنه روى عن ابن عباس وأخذ عنه العلم، وأفتى الناس بحياته. وكذلك كان عطاء مفتي أهل مكة ومحدثهم. وقال ابن عباس، مخاطباً أهل مكة، وقد اجتمعوا عليه، يسألونه أحكام دينهم: يا أهل مكة، تجتمعون عليّ وعندكم عطاء وأما مجاهد بن جبير فقد اخذ عنه الفقه والتفسير.
وقال الأستاذ الشيخ محمّد الخضري: ومن أهل مكة عبد اللّه بن العباس، ولد قبل الهجرة بسنتين ودعا له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفقهه اللّه في الدين ويعلمه التأويل. وقال فيه ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، لو أدرك أسناننا ما عاشره منا احد. وروي عنه انه قال: كنت اسمع بالرجل عنده الحديث، فأتيه، فاجلس حتّى يخرج فاسأله، ولو شئت أن استخرجه لفعلت. وعلى ابن عباس يدور علم أهل مكة في الفقه والتفسير. وقال مجاهد بن جبير، أحد تلاميذه: لقد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقفه عند كل أية وأسأله فيم نزلت وكيف كانت. وإذا استعرضنا البارزين من أعلام الفقه والحديث في جميع العواصم الإسلامية على عهد التابعين، نجدهم بين من أخذ عن علي وابن عباس وبين من اخذ عن تلاميذهما. فسعيد بن المسيب وعكرمة وعطاء ومجاهد بن جبير ومسروق بن الأجدع وسعيد بن جبير والشعبي وحبيب بن ثابت وغيرهم من فقهاء التابعين في مختلف العواصم الإسلامية، هؤلاء هم أقطاب الفقه عند أهل السنة، وهم بين من تلمذ على علي وابن عباس وبين من اخذ الفقه والحديث عمن اخذ عنهما، كما يظهر من كتب الحديث والفقه والتفسير.
ولقد قضى هذا الحبر الجليل، عمره ولأكثر من ثمانين عاماً، في نشر تعاليم الإسلام وبيان الحلال والحرام، وملأت آراؤه في التفسير والفقه، كتب الحديث والفقه وأصبح مصدراً لكل من جاء بعده من التابعين وتابعيهم.
والمتتبع لأرائه المنتشرة في الكتب التي دوّن العلماء فيها الفقه والحديث، في أواخر المائة الثانية وما بعدها، يجد انه في جميع آرائه في الفقه، لا يعتمد على غير نصوص الكتاب والسنة، ويعتمد على اجتهاده وتفكيره أحياناً في فهم آيات الكتاب وأحاديث الرسول إذا لم تكن الآية أو الحديث نصاً على الحكم المطلوب.
وليس بوسعنا أن نستقصي جميع المفتين والمحدثين من الشيعة، في العهد الأول للصحابة، ونعني به عهد الخلفاء الراشدين، الذي يبتدئ من وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وينتهي بانتقال الملك إلى معاوية بن أبي سفيان، لاسيما والتاريخ قد حاب أناسا وظلم آخرين، كانوا أوسع علماً وأوثق صلة بالرسول، واعرف بالحلال والحرام ممن حاباهم التاريخ، على حساب الآخرين في هذا الدور. ونكتفي بهذه النبذة اليسيرة من آراء الشيعة في الفقه، ومن هذه الأمثلة نستطيع أن نحدد موقف الشيعة من التشريع ومقدار مساهمتهم فيه.

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/01   ||   القرّاء : 2245



البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 كيف تأخذون دينكم عن الصحابة واغلبهم مرتدون ؟؟؟.

 ردّ شبهة ان الامامة في ولد الحسين لا الحسن اقصاء له ؟

 ردّ شبهة ان علي خان الامانة بعد ستة اشهر من رحيل رسول الله ؟؟؟.

 ردّ شبهة ان الحسن بايع معاوية وتنازل له عن الخلافة ؟؟.

 فضائل مسروقة وحق مغتصب وتناقض واضح

 فضائل مسروقة وحق مغتصب وتناقض واضح

 أعتراف الألباني بصحة حديث الحوأب

 الجزاء الشديد لمن نقض العهد الأكيد ؟؟؟

 حديث الثقلين وبعض الحقائق الكامنة

 حديث الغدير/ وكفر من لا يأخذ بكلام رسول الله بحكم ابن باز؟؟

ملفات عشوائية :



 إمامهم ابن تيمية يتبنى أن معبودهم جسم !

 شبهة: أن الامام يعلم بالقران قبل النبي والرد عليها

 كشف التلاعب والتحريف في التوراة العبرانية وزيادة لفظتي (أتى) و(أياماً) فيها

 افتراء أنّ المسيح قال: قال الربّ لربّي

 أين ذهبت تلك الكتب المذكورة في الكتاب المقدس؟

 أسئلة وإشكالات على عائشة وحفصة

 عقائد عصر التنوير الأوروبي

 الإعجاز القرآني دليل نبوة النبي محمد (صلى الله عليه واله)

 هل تقبلون عقيدة فداء المسلمين باليهود والنصارى يوم القيامة؟

 شبهة وجود رواية شيعية تدل على ان الله له جسم من لحم

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 24

  • الأقسام الفرعية : 90

  • عدد المواضيع : 841

  • التصفحات : 2342744

  • التاريخ :

Footer