الطريقة السياسية للخلافة الانتخابية, ومخالفتها للفكر الاسلامي (الشيعي)
بسم الله الرحمن الرحيم
كان الشيعة يعتقدون أن شريعة الإسلام السماوية التي قد تعينت مضامينها في كتاب اللّه وسنة نبيه (صلى الله عليه واله ) ستبقى خالدة إلى يوم القيامة دون أن يصيبها تغيير أو تحريف .
والحكومة الإسلامية لا يحق لها بأي عذر أن تتهاون في أجراء الأحكام أجرأً كاملا فواجب الحكومة الإسلامية هو أن تتخذ الشورى في نطاق الشريعة ووفقا للمصلحة آنذاك, ما يجب اتخاذه من قرارات, ولكن ما حدث من واقعة البيعة السياسية, وكذا حادث الدواة والقرطاس, والذي حدث في أخريات أيام مرض النبي الأكرم (صلى الله عليه واله ) لدليل واضح على أن المدافعين عن الخلافة الانتخابية كانوا يعتقدون أن كتاب اللّه وحده يجب أن يحفظ ويحتفظ به كقانون, أما السنة وأقوال النبي الكريم (صلى الله عليه واله ) فليس لها ذلك الاعتبار, وهم على اعتقاد أن الحكومة الإسلامية تستطيع أن تضع السنة جانبا إذا اقتضت المصلحة ذلك.
وهذه العقيدة يؤيدها الكثير من الروايات التي نقلت في خصوص الصحابة بعدئذ (الصحابة ذو اجتهاد, فإذا ما أصابوا في اجتهادهم فإنهم مأجورون وإذا ما اخطأوا فهم معذورون), وخير دليل على ذلك ما حدث لخالد بن الوليد, وهو احد القواد للخليفة, إذ دخل ضيفا على احد مشاهير المسلمين (مالك بن نويرة) ليلا وتربص له فقتله, ووضع رأسه في التنور واحرقه, وفي الليلة ذاتها واقع زوجة مالك وبعد هذه الجناية التي تعرق لها الجباه, لم يجر الخليفة الحد عليه, متذرعا بعذر: ألا وهو أن حكومته بحاجة إليه.
وكذا الامتناع من إعطاء الخمس لأهل البيت واقرباء النبي الأكرم (صلى الله عليه واله ) ومنع كتابة أحاديث النبي الكريم منعا باتا, وإذا ما عثر على حديث مكتوب عند شخص كان يحرق وكانت هذه السنة قائمة طوال خلافة الخلفاء الراشدين, وحتى زمن خلافة (عمر بن عبد العزيز) الخليفة الأموي (99-102) وقد تجلت هذه السياسة في خلافة الخليفة الثاني (13-25) للهجرة.
إذ الغي بعض أحكام الشريعة مثل: حج التمتع ونكاح المتعة, وذكر (حي على خير العمل ) في الأذان, وجعل الطلاق الثالث نافذ الحكم وغيرها, وفي زمن خلافته كان بيت المال يوزع بين الناس مع تباين والذي أدى إلى ظهور طبقات مختلفة من المسلمين, تثير الدهشة والقلق, وكان من نتائجها وقوع حوادث دامية مفزعة, وفي زمنه كان معاوية في الشام يتمتع بسلطان لا يختلف عن سلطنة كسرى وقيصر, وقد اسماه الخليفة بكسرى العرب, ولم يتعرض له بقول, ولم يردعه عن أعماله.
وبعد أن قتل الخليفة الثاني على يد غلام فارسي, ووفقا لأكثرية آراء الشورى البالغ عددهم ستة أعضاء والذي تم تشكيله بأمر من الخليفة, عيّن الخليفة الثالث, فعين أقرباه الأمويين ولاة وأمراء, فجعل منهم الولاة في كل من الحجاز والعراق ومصر وسائر البلدان الإسلامية, فكانوا جائرين في حكمهم, عرفوا بشقاوتهم وظلمهم وفسقهم وفجورهم, نقضوا القوانين الإسلامية الجارية, فالشكاوى كانت تنهال على دار الخلافة, ولكن الخليفة الثالث كان متأثرا لما تربطهم به من صلة القربى, وخاصة مروان بن الحكم ولم يهتم بشكاوى الناس, وكان أحيانا يعاقب الشكاة فثار الناس عليه سنة 35 للهجرة, وبعد محاصرة منزله, وصراع شديد قتلوه.
كان الخليفة يؤيد واليه على الشام تأييدا مطلقا وهو احد أقاربه الأمويين (معاوية) وكان يدعم موقفه بتأييده المستمر له وفي الحقيقة كان ثقل الخلافة في الشام, ولم يكن مركز الخلافة (المدينة) إلا شكل ظاهر.
فخلافة الخليفة الأول قد استقرت بانتخاب بعض الصحابة في (السقيفة) والخليفة الثاني عيّن من قبل الخليفة الأول, والخليفة الثالث انتخب من الأعضاء الستة للشورى الذين عينهم الخليفة الثاني.
فكانت سياسة هؤلاء الخلفاء الثلاثة في الأمور وشؤون الناس أن ينفذوا القوانين الإسلامية في المجتمع وفقا للأجتهاد والمصلحة آنذاك, ووفقا لما يرتئيه مقام الخلافة, فالقرآن يقرأ دون تفسير أو تدبر وأقوال الرسول العظيم (الحديث) تروى دون أن تكتب على قرطاس, ولا تتجاوز حد الإذن واللسان فكانت الكتابة مختصة بالقرآن الكريم, والحديث لا يكتب على الإطلاق.
وبعد معركة اليمامة والتي انتهت في سنة 12 للهجرة بمقتل جمع من الصحابة كانوا من حفظة القرآن, يقترح عمر بن الخطاب على الخليفة الأول أن يجمع القرآن في مصحف, ويبين الهدف والغرض في اقتراحه بقوله: إذا ما حدثت معركة أخرى, واشترك فيها بقية حملة القرآن وحفظته, فسوف يذهب القرآن من بين أظهرنا, إذن يستلزم جمع آيات القرآن في مصحف, تكتب آياته , فنفذوا هذا الاقتراح بالنسبة للقرآن الكريم.
ومع أن الأحاديث النبوية هي التالية للقرآن, وكانت تواجه نفس الخطر, ولم تكن بمأمن من خطر نقل الحديث معنى, دون الالتفات إلى النص, وكذا الزيادة والنقصان, والتحريف والنسيان, وما إلى ذلك من الأخطار التي كان يواجهه الحديث, فلم توجه عناية أو رعاية لحفظه وصيانته, بل كانت كتابة الحديث ممنوعا, وإذا ما حصلوا على شيء منه فكان يلقى في النار.
ولم تمض فترة من الزمن حتى ظهر التضاد في المسائل الإسلامية الضرورية كالصلاة, ولم يطرأ تقدم في بقية الفروع العلمية في هذه الفترة, في حين نرى القرآن الكريم يشجع المشتغلين بالعلم, وأحاديث النبي الكريم تؤيد ذلك, فلم ير لتلك الآيات والأحاديث مصداقا في الخارج, وانصرف أكثر الناس بالفتوحات المتعاقبة, وأعجبوا بالغنائم المتزايدة, والتي كانت تتدفق إلى الجزيرة العربية من كل صوب وحدب, ولم يكن هناك اهتمام بعلوم سلالة الرسالة ومعدن الوحي, وفي مقدمتهم علي (عليه السلام) والنبي (صلى الله عليه واله) قد صرح معلنا أن عليا اعرف الناس بالعلوم الإسلامية, والمفاهيم القرآنية, ولم يسمحوا له بالمشاركة في جمع القرآن وهم على علم من أن عليا بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) كان جليس داره يجمع القرآن ولم يذكر اسمه في أنديتهم واجتماعاتهم.
فان هذه الأمور ونظائرها, أدت بشيعة علي إلى أن يقفوا موقفا أكثر وعيا وارسخ عقيدة, وأشد نشاطا, ولما كان علي (عليه السلام) بعيدا عن ذلك المقام الذي يجعله مشرفا على التربية العامة للناس, انصرف إلى تربية الخاصة من شيعته وأنصاره.