سبب رفض الناس استخلاف علي (عليه السلام)
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
قد يسأل سائل اذا كانت شخصية الامام علي (عليه السلام) هي كما ذكرت مصادر السنة والشيعة باعلى درجات الخلق والعدالة ونحوها فماهو سبب رفض الناس استخلاف علي؟
الجواب:
روى أرباب التّاريخ في أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، عن ابن عباس قوله: "بينما عمر بن الخطاب وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر فقال بعضهم فلان أشعر وقال بعضهم بل فلان أشعر قال فأقبلت فقال عمر: قد جاءكم أعلم الناس بها.
فقال عمر: من شاعر الشعراء يا ابن عباس؟ قال فقلت: زهير ابن أبي سلمى. فقال عمر: هلمّ من شعره ما نستدل به على ما ذكرت فقلت امتدح قوما من بني عبد الله بن غطفان فقال:
لو كـان يقـعد فـوق الشمس من كرم * قوم بأولهم أو مجدهم قعـدوا
قوم أبوهم سـنـان حيـن تـنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنـوا جـن إذا فزعـوا * مرزءون بها لـيـل إذا حـشـدوا
محسـدون علـى مـا كان من نعم * لا يـنزع الله مـنهم ماله حـسدوا
فقال عمر: أحسن وما أعلم أحدا أولى بهذا الشعر من هذا الحي من بني هاشم لفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابتهم منه فقلت وفقت يا أمير المؤمنين ولم تزل موفقا فقال: يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد؟ فكرهت أن أجيبه؛ فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني.
فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة فتبجّحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.
فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في كلام وتمطّ عنّي الغضب تكلّمت.
فقال: تكلّم يا ابن عباس.
فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت؛ فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزّ وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك إنّهم كرهوا أن تكون لنا النبوّة والخلافة فإن الله عزّ وجل وصف قوماً بالكراهية فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم).
فقال عمر: هيهات والله يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أفرك عنها فتزيل منزلتك مني؛ فقلت: وما هي، يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقّاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
فقال عمر: بلغني أنّك تقول إنّما صرفوها عنّا حسداً وظلماً.
فقلت: أمّا قولك يا أمير المؤمنين ظلماً فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسداً فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون.
فقال عمر: هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسداً ما يحول وضغنا وغشّاً ما يزول، فقلت: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله (صلى الله عليه واله) من قلوب بني هاشم.
فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس، فقلت: أفعل، فلمّا ذهبت لأقوم استحيا منّي فقال يا ابن عباس مكانك فوالله إني لراع لحقك محب لما سرك فقلت يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقّاً وعلى كلّ مسلم فمن حفظه فحظّه أصاب، ومن أضاعه فحظّه أخطأ، ثم قام فمضى". اهـ.
مصادر الخبر:
- محمّد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق نواف الجرّاح، (ط3، بيروت، دار صادر، 1429/ 2008)، ج2، 748.
- علي بن أبي الكرم ابن الأثير، الكامل في التّاريخ، تحقيق سمير شمس، (ط1، بيروت، دار صادر، 1429/ 2009)، ج3، ص33-34.
- أخبار العباس وولده لمؤلف من القرن الثالث الهجري (عن مخطوط فريد من مكتبة مدرسة أبي حنيفة - بغداد)، تحقيق عبد العزيز الدوري وعبد الجبّار المطلبي، (بيروت، دار صادر، 1971م)، ص32-33.
- عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (ط2، لا بلدة، شركة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، 1378/ 1967)، ج12، ص52-55.