الشفاعة : موسّع
بسم الله الرحمن الرحيم
تُعتبر شفاعة الشافعين يوم القيامة بإذن الله تعالى إحدى العقائد الإسلاميّة المُسَلَّمة الضروريّة.
إنّ الشفاعةَ تشملُ أُولئك الذين لم يقطعوا صِلتهم بالله، وبالدين بصورةٍ كاملة، فصاروا صالحين لشمولِ الرحمةِ الإلهيّةِ لهم بواسطة شفاعةِ الشافعين، رغم تورُّطِهم في بعض المعاصي والذنوب.
والإعتقادُ بالشَفاعة مأخوذٌ من القرآن الكريم والسُّنة ونشير إلى بعض تلك النصوص فيما يأتي:
ألف: الشَفاعة في القرآن
إنَّ الآياتِ القرآنيّة تحكي عن أصل وجودِ الشفاعة يومَ القيامة، وتصرّح بأصل وجودِ الشفاعة وأنّها تقع بإذنِ اللهِ تعالى ويقول: «وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَن ارْتَضَى»«1».
فمَنْ هُم الشُفَعاء؟ يُستَفادُ من بعض الآيات أنّ الملائكة من الشُفعاء يومَ القيامة كما يقولُ: «وَكَم مِن مَّلَكٍ في السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعتُهُم شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشاءُ وَيَرْضى»«2». ويذهبُ المفسِّرون في تفسير قولِهِ تعالى: «عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً»«3»، إلى أنّ المقصود مِنَ «المقام المحمود» هو مقامُ الشّفاعة الثابتُ للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم).
ب: الشَفاعة في الروايات
لقد تحدّثت روايات كثيرة ورَدَت في كتبِ الحديث عن الشفاعة مضافاً إلى القُرآنِ الكريم. ونشيرُ إلى بعضِ هذه الأحاديث:
1. يقولُ النبيُّ الأكرمُ: «إنَّما شَفاعَتي لأَهلِ الكَبائِر مِن أُمَّتِي»«4».
والظاهر أنّ عِلّة اختصاص الشفاعة بمرتكبي الكبائر من الذنوب وشمولها لهم خاصة، هو: أنّ اللهَ وَعَد في القرآنِ بصراحة بأن يغفرَ للناسِ السيئات الصغيرة إذا ما هم اجتنبوا الكبائرَ«5» فبقيّة الذنوب ما عدا الكبائر تشمُلُها المغفرة، في الدنيا ومع المغفرة لا موضوع للشفاعة.
2. «أُعْطِيْتُ خَمْساً ... وأُعطِيتُ الشَفاعَة، فَادّخَرْتُها لأُمَّتي فهيَ لِمَن لا يُشْرك بِاللهِ»«6».
وعلى من أراد التعرّف على غيره من شفعاء يوم القيامة كالأئِمة المعصومين، والعلماء، وكذا المشفوع لهُمْ، أن يُراجِعَ كتبَ العقائد، والكلام، والحديث.
كما أنّه لابُدّ أن نَعلَمَ بأنّ الإعتقاد بالشَفاعة، مثل الإعتقاد بقبُول التوبة، يجب أن لا يوجبَ تجرُّؤَ الأشخاص على ارتكاب الذنوب، بل يجب أن يُعَدَّ هذا الأمر «نافذةَ أمَل» تعيدُ الإنسانَ إلى الطريقِ الصحيحِ، لكونه يرجو العفو، فلا يكونُ كالآيسين الّذين لا يفكّرون في العودة إلى الصِراط المستقيم قط.
ومِن هذا يتضح أنّ الأثر البارز للشفاعة هو مغفرة ذنوب بعض العُصاة والمذنبين ولا ينحصر أثَرُها في رفع درجة المؤمنين كما ذهبَ إلى ذلك بعض الفِرقُ الإسلامية (كالمعتزلة)«7».
___________
(1) الأنبياء/ 28
(2) النجم/ 26
(3) الإسراء/ 79
(4) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، 3/ 37
(5) لاحظ النساء/ 31
(6) الخصال للشيخ الصدوق، باب« الخمسةُ»؛ صحيح البخاري، 1/ 42؛ مسند أحمد، 1/ 301
(7) أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 54 وكتب أُخرى