Header


  • الصفحة الرئيسية

من نحن في التاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • معنى الشيعة (13)
  • نشأة الشيعة (24)
  • الشيعة من الصحابة (10)
  • الشيعة في العهد الاموي (10)
  • الشيعة في العهد العباسي (4)
  • الشيعة في عهد المماليك (1)
  • الشيعة في العهد العثماني (2)
  • الشيعة في العصر الحديث (1)

من نحن في السيرة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الشيعة في أحاديث النبي(ص) (1)
  • الشيعة في احاديث الائمة (ع) (0)
  • غدير خم (0)
  • فدك (3)
  • واقعة الطف ( كربلاء) (0)

سيرة اهل البيت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

عقائدنا (الشيعة الامامية) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في اصول الدين (0)
  • في توحيد الله (8)
  • في صفات الله (32)
  • في النبوة (9)
  • في الانبياء (4)
  • في الامامة الالهية (11)
  • في الائمة المعصومين (14)
  • في المعاد يوم القيامة (16)
  • معالم الايمان والكفر (30)
  • حول القرآن الكريم (22)

صفاتنا :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الخلقية (2)
  • العبادية (5)
  • الاجتماعية (1)

أهدافنا :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في تنشئة الفرد (0)
  • في تنشئة المجتمع (0)
  • في تطبيق احكام الله (1)

إشكالاتنا العقائدية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في توحيد الله (41)
  • في صفات الله (17)
  • في التجسيم (34)
  • في النبوة (1)
  • في عصمة الانبياء (7)
  • في عصمة النبي محمد (ص) (9)
  • في الامامة (68)
  • في السقيفة (7)
  • في شورى الخليفة الثاني (1)
  • طاعة الحكام الظلمة (6)
  • المعاد يوم القيامة (22)
  • التقمص (3)

إشكالاتنا التاريخية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عهد النبي (ص) (14)
  • في عهد الخلفاء (20)
  • في العهد الاموي (14)
  • في العهد العباسي (3)
  • في عهد المماليك (5)
  • في العهود المتأخرة (18)

إشكالاتنا الفقهية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • كيفية الوضوء (4)
  • كيفية الصلاة (5)
  • اوقات الصلاة (0)
  • مفطرات الصوم (0)
  • احكام الزكاة (0)
  • في الخمس (0)
  • في الحج (2)
  • في القضاء (0)
  • في النكاح (7)
  • مواضيع مختلفة (64)

إشكالاتنا على أهل الكتاب (النصارى) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عقيدة التثليث (32)
  • على التناقض بين الاناجيل (41)
  • صلب المسيح (17)

إشكالاتنا على أهل الكتاب (اليهود) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • عدم تصديقهم الانبياء (6)
  • تشويههم صورة الانبياء (8)
  • نظرية شعب الله المختار (1)
  • تحريف التوراة (0)

إشكالاتنا على الماديين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التفسير المادي للكون (1)
  • نظرية الصدفة وبناء الكون (0)
  • النشوء والارتقاء (0)
  • اصل الانسان (0)

ردودنا التاريخية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عهد الرسول(ص) (9)
  • في عهد الخلفاء (12)

ردودنا العقائدية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • حول توحيد الله (2)
  • حول صفات الله (7)
  • حول عصمة الانبياء (3)
  • حول الامامة (34)
  • حول اهل البيت (ع) (45)
  • حول المعاد (1)

ردودنا الفقهية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • حول النكاح (2)
  • حول الطهارة (0)
  • حول الصلاة (3)
  • حول الصوم (0)
  • حول الزكاة (0)
  • حول الخمس (0)
  • حول القضاء (0)
  • مواضيع مختلفة (6)

ردودنا على أهل الكتاب (النصارى) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

ردودنا على أهل الكتاب (اليهود) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

ردودنا على الماديين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • اثبات وجود الله (0)
  • العلم يؤيد الدين (2)

كتابات القراء في التاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في السيرة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في العقائد :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في الفقه :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في التربية والأخلاق :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء العامة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا

  • القسم الرئيسي : إشكالاتنا التاريخية على فرق المسلمين .

        • القسم الفرعي : في عهد الخلفاء .

              • الموضوع : آثار المنع من تدوين الحديث والفقه على التشريع الإسلامي .

آثار المنع من تدوين الحديث والفقه على التشريع الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

 لقد نقل التاريخ أن جماعة من وجوه الصحابة أشاروا على الخليفة عمر بتدوين الحديث وجمعه في كتاب خاص، كما جمعوا الألواح والرقاع التي كُتب عليها آيات القرآن. ولكن الخليفة الثاني رأى أنّ ذلك قد يؤدي بالمسلمين إلى التشاغل بالحديث وهجر القرآن، كما فعل اليهود والنصارى فمنع من تدوينه.
واستمر المسلمون زمناً طويلاً يعتمدون في نقل الحديث على ما سمعوه من الرسول أو صحابته، من غير أن يدونوا منه شيئاً ما، حسب ما يزعم المحدثون من أهل السنة.
مع أن الحاجة إليه لم تكن بأقل من الحاجة إلى الكتاب الكريم من ناحية التشريع، لأنه الأصل الثاني للأحكام والمرجع الثاني بعد كتاب اللّه. والمسلمون لم يكونوا طرازاً واحداً في الفقه والعلم والحفظ‍ ولا نمطاً متشابهاً في الفهم والتفكير، بل كانوا في ذلك على طبقات ودرجات من حيث عملهم وضبطهم ودينهم، شأن الناس في جميع الأدوار.
وقد اتسعت حاجة الناس إلى حملة العلم وحفاظ الحديث باتساع الدولة الإسلامية، بعد أن غزا الإسلام جزءاً كبيراً من العالم، وبعد أن انتقل المسلمون من دور تغلب عليه البداوة، إلى دور تغلب عليه الحضارة والنعيم والعمران، بسبب اتصالهم بالأمم التي غزاها الإسلام وامتزاجهم بها. فكان من الطبيعي، وقد انتقلوا من حياتهم الأولى ـ حياة البداوة والبساطة ـ أن تتضاعف حاجتهم إلى الفقه ومعرفة الحلال والحرام وأحاديث الرسول، وتفهم آيات القرآن لتطبيق تصرفاتهم على قواعد الدين وأصوله، لاسيما وان الدين هو قانون الدولة، وفي ضمن حدوده يجب أن تعمل الأمة في جميع نواحي الحياة ومراحل تطورها.
وقد وجد المسلمون، ومن بينهم الفقهاء ومن بينهم الفقهاء والمحدثون، منفساً للخروج من الحجاز، بسبب الفتوحات الإسلامية والغزوات والحروب، فانتشر حملة الفقه والحديث في جميع الأقطار التي غزاها الإسلام والتي لا تزال في بداية عهدها بالدين الجديد، ليعلّموا الناس أصول الدين وفروعه. ووجد المسلمون الجدد أنفسهم مضطرين إلى معرفة أحكام الإسلام، لأنها نظام الدولة، وعلى أساسها يجب أن يسير الناس في كل شؤونهم، فرجعوا إلى من هاجر إليهم من عاصمة الإسلام، فكان من آثار ذلك:  أن كثر المحدثون عن الرسول وانتشر الحديث المنسوب إليه واستغل فريق ممن سكن المدينة ورأى الرسول تقدير الجماهير له وتقديسهم لحديثه، فرووا عنه ما أرادوا، بدافع الكيد للإسلام والتشويه لأصوله وتعاليمه، فكانت الفوضى التي لا بد منها في مثل هذه الظروف، بعد أن كان أمر الحديث موكولاً إلى الحفّاظ وحدهم، وليس عليهم من رقيب سوى دينهم وضمائرهم.
ولم يكن احد من فقهاء الصحابة ورواة السنّة يحسبون ما سيؤول
إليه أمر الحديث، بعد فترة قصيرة على وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى أن الخليفة نفسه الذي منع من تدوينه، لم يكن يحسب أن يصل الأمر بأبي هريرة وزمرته إلى ما وصلوا إليه. وبالأمس القريب ضربه بدرته، لأنه روى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لم يحدث به. وحبس عبد اللّه بن مسعود وأبا الدرداء وأبي بن كعب، لأنهم أكثروا الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع أن هؤلاء الثلاثة من خيرة الصحابة وأعيانهم.
لقد منع عمر بن الخطاب من تدوين الحديث والفقه بعد تفكير طويل دام شهراً  كاملاً، لأنه تخوف الكذب على الرسول.
وبالأمس القريب قال في علي كلماته الخالدات:  (لولا علي لهلك عمر، لا بقيتُ لمعضلة ليس لها أبو الحسن).
وفي مسجد النبي على حشد من فقهاء الصحابة وحملة الحديث:  (لا يفتين أحدكم في المسجد وعلي حاضر).
أن ذلك ليدعو إلى التساؤل، ويترك في نفس الباحث ألواناً من الشكوك حول هذا التصرف. لماذا لم يكلفه بجمع الحديث وتدوينه، وهو يعلم انه اعرفهم بالحديث وأقربهم كان من الرسول. ولم يغب عنه شيء بما حدث به وشرعه، منذ بعثه اللّه حتّى الساعات الأخيرة من حياته؟ ولو كلفه بذلك كما كلف زيد بن ثابت بجمع الرقاع والألواح، التي كتب عليها آيات القرآن، لوفر على المسلمين جهوداً استغرقت العشرات من السنين، وسهل على من بعده الوصول إلى أحكام اللّه وفهم أي القرآن المجيد. ولما ابتليت الأمة بمثل أبي هريرة وكعب الأحبار وعبد اللّه بن وهب، وأمثال هؤلاء المأجورين الذين شوهوا الحديث وادخلوا فيه من البدع، التي تشوه تعاليم الإسلام وتطمس من أضوائه. وأعانهم على ذلك بعض الحكام المنحرفين عن جادة الإسلام، فسهلوا لهم طريق الدس والكذب وسخروا الدين للسياسة، التي انحرفوا بها عن تعاليم القرآن ومبادئ الإسلام.
ومهما بلغ إيمان الباحث بتصرفات الصحابة وقداستها فلن يجد سبيلاً إلى إزاحة ما يعترضه من الشكوك في هذا التصرف.
لقد تخوف الكذب على الرسول، أن هو أباح لهم أن يدونوا حديثه وأحكام الإسلام، مع علمه أن بين حملة الحديث من صحابة الرسول جماعة شهد لهم الرسول بالصدق والورع، كأبي ذر وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وحذيفة اليمان وأبىّ بن كعب و خزيمة بن ثابت وعبد اللّه بن العباس، وأمثال هذه الطبقة الصالحة. وفي المسلمين عترة الرسول، التي أمر المسلمين بالرجوع إليها بعد كتاب اللّه كما نص على ذلك حديث الثقلين الذي رواه أكثر المحدثين من السنة والشيعة.
لقد كان الأجدر بأبي حفص رحمه اللّه، وهو المعروف بحكمته وبعد نظره أن يترك المسلمين وشأنهم، بعد أن أجمعت كلمتهم على ضرورة تدوين آثار الإسلام وأحاديث الرسول ويسّهل لهم تحقيق هذا الأمر بكل الوسائل. ولو وفق لذلك لعصم الأمة والسنة مما وقعت فيه ولأرتج على الكاذبين باب الوضع، ولما لعبت في الحديث أيدي الأمويين، تلك العصابات المجرمة التي حكمت الأمة باسم الدين والإسلام وسهلت لفئة من المأجورين أساليب الدس والكذب على الرسول، بدافع الكيد للإسلام وتثبيت عروشهم. ومهما كان الحال فالقائمون على أمر الأمة قد سهلوا لهؤلاء، بقصد أو بدون قصد، تشويش الحديث وتشويه السنة الكريمة، ولكن الحريصين على كتاب اللّه وسنة نبيه العظيم، وعلى رأسهم علي (عليه السلام) قد بذلوا أقصى ما لديهم من جهد لتثبيت دعائم الدين ونشر تعاليمه، فدّونوا الحديث والفقه وجميع ما جاء به الإسلام، حتى أرش الخدش، كما دلت على ذلك كتب الحديث وأخبار أهل البيت الصحيحة.
قال الأستاذ محمود أبو ريّه : كان من آثار تأخير تدوين الحديث وربط ألفاظه بالكتاب، إلى ما بعد المائة الأولى للهجرة وصدر كبير من المائة الثانية، أن اتسعت أبواب الرواية وفاضت انهار الوضع، بغير ما ضابط ولا قيد، حتّى بلغ ما روي من الأحاديث الموضوعة عشرات الألوف، لا يزال أكثرها مثبتاً في الكتب المنتشرة بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
ووضع الحديث على رسول اللّه، كان أشد خطراً على الدين وأنكى ضرراً بالمسلمين من تعصب أهل المشرقين والمغربين، وان تفرق المسلمين إلى شيعة ورافضة وخوارج ونصيرية، لهو أثر من آثار الوضع في الدين.
ثمّ نقل عن السيد رشيد رضا: أن أهم أسباب الوضع هو ما وضعه الزنادقة، اللابسون لباس الإسلام غشاً ونفاقاً. وقصدهم بذلك إفساد الدين وإيقاع الخلاف والافتراق في الإسلام. قال حميد بن زيد: وضعت الزنادقة أربعة ألاف حديث، وهذا بحسب ما وصل إليه علمه واختباره في كشف كذبها، وإلا فقد نقل المحدثون أن زنديقاً واحداً وضع هذا المقدار قالوا : لما أخذ ابن أبي العوجاء لتضرب عنقه قال: وضعت فيكم أربعة ألاف حديث، أحرم فيها الحلال وأحل الحرام.
وقد ذكر الأستاذ أبو ريّه قسماً كبيراً من الأحاديث الموضوعة بواسطة أبي هريرة وكعب الأحبار وغيرهما في فضل معاوية وبلاد الشام، كما جاء في كتابه الأضواء. ثمّ قال: لم يكن الوضع على رسول اللّه (صلى الله عليه واله) مقصوراً على أعداء الدين وأصحاب الأهواء، وإنما كان الصالحون من المسلمين يضعون كذلك أحاديث على رسول اللّه (صلى الله عليه واله) ويجعلون ذلك حسبة للّه بزعمهم. ويحسبون أنهم بعملهم هذا يحسنون صنعاً. وإذا سألهم سائل، كيف تكذبون على رسول اللّه (صلى الله عليه واله)؟ قالوا: نكذب له لا عليه. وذكر أن عبد اللّه النهاوندي، سأل غلام أحمد، من أين لك هذه الأحاديث، التي تحدث بها في الرقائق؟
قال: وضعناها لنرقق بها قلوب العامة.
وبلغ بهؤلاء الحال أنهم كانوا إذا استحسنوا شيئاً صيروه حديثاً، كما نقل في الأضواء عن ابن عساكر في تاريخه.
وقد وضع أبو هريرة نواة هذا الأسلوب من الوضع في جملة الأحاديث التي رواها المحدثون من السنة عنه. فقد أخرج الطحاوي في المشكل عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه واله) قال: إذا حدثتم حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه، فصدقوا به، قلته أم لم أقله. فإني أقول ما يعرف ولا ينكر.
وأورد عنه ابن حزم في الأحكام انه قال، أن رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قال:
(ما بلغكم عني من قول حسن لم أقله، فأنا قلته).
لم يكتف أبو هريرة بما وضعه من الأحاديث التي نسبها إلى الرسول بدافع الكيد للإسلام وإرضاء لسيده معاوية بن سفيان، بل هيأ لغيره أسباب الوضع ومناسباته، فنسب إلى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) هذا النوع من الحديث، ليكون أساساً لكل من يحاول الدس والكذب والتشويش على الإسلام ومبادئه، بحجة أنهم يكذبون للرسول لا عليه، كما ذكر بعض الرواة.
وبعد أن ذكر الأستاذ أبو ريّة أقسام الوضع في الحديث وأسبابه وكيف شاع وانتشر بعد عصر الصحابة، تعرض لجماعة ممن اشتهروا بالوضع في عصر الصحابة وكانوا المرجع الأول لمن جاء بعدهم من الوضّاعين.
قال تحت عنوان الإسرائيليات في الحديث :
ولما كان أشد الناس عداوة للذين اَّمنوا اليهود، لأنهم بزعمهم شعب اللّه المختار، فلا يعترفون لأحد غيرهم بفضل، ولا يقرون لنبي بعد موسى برسالة، فإن رهبانهم وأحبارهم لم يجدوا بداً، وبخاصة بعد أن غلبوا على أمرهم وأخرجوا من ديارهم، من أن يستعينوا بالمكر ويتوسلوا بالدهاء، لكي يصلوا إلى ما يبتغون، فهداهم المكر اليهودي إلى أن يتظاهروا بالإسلام ويطووا أنفسهم على دينهم، حتّى يخفى كيدهم، ويجوز على المسلمين مكرهم، قد كان أقوى هؤلاء الكهان دهاءً وأشدّهم مكراً، كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد اللّه بن سبأ. ولما وجدوا أن حيلهم قد راجت بما أظهروه من كاذب الورع والتقوى، وان المسلمين قد سكنوا إليهم واغتروا بهم، جعلوا أول همهم أن يضربوا المسلمين في صميم دينهم، وذلك بأن يدسوا إلى أصوله التي قام عليها ما يريدون من أساطير وخرافات وأوهام وترّهات.
ولما عجزوا عن أن ينالوا من القرآن الكريم لأنه قد حفظ بالتدوين واستظهره الآلاف من المسلمين، وانه قد أصبح بذلك في منعة من أن يُزاد فيه كلمة، أو يندس فيه حرف ـ اتجهوا إلى الحديث عن النبي، فافتروا ما شاءوا أن يفتروا عليه من الأحاديث التي لم تصدر عنه. وأعانهم على ذلك أن ما تحدث به النبي في حياته لم يكن محدود المعالم، ولا محفوظ الأصول، لأنه لم يدون في عهده كما دون القرآن، ولا كتبه صحابته من بعده، وان باستطاعة كل ذي هوى أو دخيلة سوء أن يتدسس إليه بالافتراء ويسطو عليه بالكذب. ويسر لهم كيدهم أن وجدوا الصحابة يرجعون إليهم في معرفة ما لا يعلمون من أمور العالم الماضية.
فالكاتب المذكور يرى أن عدم تدوين الأحاديث في حياة الرسول وبعده، قد هيأ لهؤلاء سبيل الكذب على الرسول والكيد للإسلام. وهؤلاء هم الذين يسروا لمن جاء بعدهم أن يروي عن الرسول ما يمليه عليه الهوى، وان يتزلف إلى الحكم بالافتراء على اللّه ورسوله، للتمويه على الناس بشرعية خلافتهم، وتبرير ما يقومون به من إجرام وعدوان وتحكم في الأمة ومقدراتها.
ولو ترك المسلمون، بعد وفاة الرسول وشأنهم، يدونون الحديث والأحكام التي شرعها الإسلام لم يكن شيء مما وقع في عصر الصحابة والتابعين وغيره من العصور. ولو وقع لما كان بتلك الكثرة التي طغت على السنة الصحيحة، وبدّدت أضواءها، ولكان من السهل اليسير على الباحث تصفية المكذوب من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، بعد أن كانت أصول الحديث مدونة في كتاب واحد.
والنتيجة التي لا بدّ للباحث أن ينتهي إليها أن المسؤول الأول عن كل ما صدر من أبي هريرة وغيره من الوضّاعين هو الذي منع من تدوين السنة وأحكام الإسلام. ولولاه لم يكن لهؤلاء ذلك المجال الذي اتسع لهم، بسبب رأي الخليفة عمر بن الخطاب، ولما استطاع ابن أبي العوجاء أن يدس أربعة ألاف حديث يحرم فيها الحلال ويحلل الحرام، كما أخبر عن نفسه حينما أحس بالموت.
وقد ذكر الأستاذ أبو ريّه في كتابه الأضواء، سيلاً من الأحاديث التي دسها كعب الأحبار وأبو هريرة ووهب بن منبه وعبد اللّه بن سلام في السنة النبوية وأصبحت بين الأحاديث المروية في صحاح أهل السنة.
ويبدو أن معاوية بن أبي سفيان كان يقّرب إليه كعباً وأمثاله، ولذا نراهم ينسبون إلى الرسول أحاديث في فضل الشام وحمص ومن يسكنهما من المسلمين. فقد روى لمعاوية أن الرسول قال: أهل الشام سيف من سيوف اللّه ينتقم اللّه بهم من العصاة. ومعلوم أن العصاة بنظر كعب الأحبار وسيده معاوية هم علي (عليه السلام) ومن معه من المسلمين في العراق وغيرها من بلاد الإسلام، لأنهم لا يرون ابن هند أهلاً للخلافة.
ثمّ يعود إلى الحديث عن الشام وغيرها من المدن التي استطاع معاوية أن يبسط نفوذه فيها، فيقول: (الشام صفوة اللّه من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده. فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ومن دخلها فبرحمته. طوبى للشام، إن الرحمن لباسط رحمته عليه، ويبعث اللّه من مدينة بالشام يقال لها حمص سبعين ألفاً يوم القيامة لا حساب عليهم ولا عذاب).
ليس من الغريب أن يبسط الله سبحانه رحمته على الشام، لان بها معاوية وولده يزيد وأتباعهما الطغاة، ويقبضها عن مدينة الرسول (صلى الله عليه واله) وإن ضمت إليها جسده الطاهر وأجساد الصفوة من المسلمين، الذين جاهدوا الكفار والمنافقين، أمثال معاوية وأبي سفيان وغيرهما من مشركي قريش.
ويجب أن يكون لمدينة حمص هذا الشأن العظيم عند اللّه سبحانه، بعد أن سكنها كعب الأحبار وضمت رفاته بعد موته، ورفات أنصار معاوية وأعوانه الذين عاثوا في الأرض فساداً وقتلوا الصلحاء والأبرياء.
وبعد أن تكلم الأستاذ أبو ريّه عن طائفة من الوضّاع، الذين استغلوا عدم تدوين الحديث في الفترة التي تلي وفاة الرسول ـ بتجرد وإخلاص، مستعملاً دينه ومنطقه السليم، في جميع أبحاثه حول هذه المواضيع ـ انتقل إلى شيخ الوضّاع، عميل الأمويين أبي هريرة، الذي دخل في الإسلام قبل وفاة الرسول بثلاث سنين، وترك من الحديث عنه أكثر من ستة ألاف حديث، مع العلم بان جميع صحابة الرسول الذين عاشروه طيلة حياته وفي جميع أوقاته، ومن بينهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) باب مدينة العلم، لم تسجل لهم كتب الحديث، مجتمعين، ما سجلته لأبي هريرة، الذي دخل الإسلام في الأيام الأخيرة من حياة الرسول (صلى الله عليه واله).
لقد تحدث عن المؤلف صغيراً وكبيراً، واستعرض شطراً من حياته، ليضع بين يدي القارئ، أضواء نيرة على كذب أحاديثه التي ملأ بها بطون الكتب وصحاح إخواننا أهل السنة.
واحتلت أحاديثه الصدارة في الكتب المعدة لتدوين الحديث الصحيح عندهم، وفاز هو بإعجابهم وتقديسهم له ولحديثه، على ما في أحاديثه من مشكلات وخرافات وترّهات، اصح ما يقال فيها أنها مطاعن على الدين ومعول هدام لتعاليم الإسلام والقرآن. تلك التعاليم المقدسة، التي تحرر العقول من الأوهام والخرافات، وتحث على العلم، الذي يصقل العقول ويهذب النفوس ويفيد الإنسانية ويحارب الإلحاد والوثنية. لقد تحدث الأستاذ أبو ريّه عن الاسم الصحيح لأبي هريرة، وخرج من بحثه بدون أن يهتدي لأسمه بعد أن نقل عن القطب الحلبي انه اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولاً.
وان النووي استخلص له اسم عبد الرحمن بن صخر من ثلاثين قولاً. ولما لم يجد بين تلك الأقوال التي بلغت أربعة وأربعين على رواية القطب الحلبي، قولا تطمئن إليه النفس، لم ير بداً أن يتحدث عنه بكنيته، التي اشتهر عنها في كتب الحديث والتي كان من أسبابها، كما تحدث هو عن نفسه، انه حينما كان يرعى الغنم لأهله كان يصحب هرة ويلاعبها في أكثر أوقاته، فكني بها، لأنها كانت تصحبه أينما ذهب.
كما وانه هو المصدر الوحيد لكل من تحدث عن نشأته وتاريخه قبل أن يدخل الإسلام ولم يعرف عنه احد شيئاً، إلاّ من خلال حديثه عن نفسه.
لقد اخبر عن نفسه انه نشأ فقيراً معدماً، يخدم الناس بطعام بطنه. وكان منذ صباه أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطنه، يخدمها أينما ذهبت ويجدوا لركبها إذا ركبت. وفي رواية ابن قتيبة: كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وانه اسلم في غزوة خيبر، بعد أن تخطى الثلاثين من عمره، وصحب النبي (صلى الله عليه واله) ليشبع بطنه. كما جاء في حديث رواه احمد والشيخان، عن سفيان، عن الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج. قال، سمعت أبا هريرة يقول: إني كنت أمرءاً مسكيناً، اصحب رسول اللّه على ملء بطني.
وكان يفضل جعفر بن أبي طالب على جميع الصحابة، حتّى على أخيه علي (عليه السلام)، لأنه كان كثير الإحسان إلى الفقراء، والإطعام للمساكين. ومن ألقابه المحببة إلى نفسه (شيخ المضيرة) وهي نوع خاص من الطعام الذي كان يعده له معاوية، ومن أطايب طعامه، وجاء عنه أنه قال : مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل. وقد مضى الأستاذ أبو ريّه في حديثه عن جشع هذا الشيخ وشرهه، وأنه لم يكن يتصور من الدنيا إلاّ أن يشبع بطنه مهما كلفه ذلك من ثمن. وبلغ به الحال أنه قال، كما نقل عنه الثعالبي ما شممت رائحة أطيب من رائحة الخير، وما رأيت فارساً أحسن من زبد على تمر.
قال الأستاذ أبو ريّه: ولكثرة ما رواه من الأحاديث عن الرسول استخف به الناس وبأحاديثه. فعن أبي رافع: أن رجلاً من قريش أتى أبا هريرة في حلة وهو يتبختر فيها فقال: يا أبا هريرة، أنك تكثر الحديث عن رسول اللّه (صلى الله عليه واله)، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً فقال، سمعت أبا القاسم يقول: أن رجلاً ممن كان قبلكم، بينما هو يتبختر في حلة، إذ خسف اللّه به الأرض، فهو يتجلجل فيها حتّى تقوم الساعة، فواللّه، ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك!.
وعلى ما يبدو أن أبا هريرة مستعد لان يروي عن الرسول كل شيء، وأصبح الكذب على رسول اللّه أيسر عليه من أي شيء آخر، ولذلك أدناه معاوية إليه وجعله من أقرب المقربين وأوفرهم عطاء، لأنه وجد عنده مورداً خصباً يمكنه أن يستغله لتدعيم ملكه والطعن على علي (عليه السلام). بشرط أن يهيء له معاوية المضيرة، تلك الأكلة الشهية المحببة إلى نفسه. ومعاوية مستعد لها ولأكثر منها من ألوان الطعام وآلاف الدنانير التي كان يغدقها عليه من أموال المسلمين، حتّى تغير حاله من ضيق إلى سعة، ومن فقر إلى ثراء، وأصبح يلبس الخز والساج المزرور بالديباج، بعد أن كان يستر جسمه بخرقة بالية، يجمعها بيده، ليستر عورته، والقمل يدب عليها. وبعد أن كان يخر مغشياً عليه في مسجد رسول اللّه من الجوع، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عاتقه ويظنه مجنوناً، وما به سوى الجوع كما أخبر عن نفسه.
لقد نشأ أبو هريرة فقيراً معدما، يخدم الناس بطعام بطنه، ولم تتغير حالته حتّى بعد دخوله الإسلام. ولم يجد من الخليفتين، أبي بكر وعمر، ما كان يصبو إليه من النعيم والثراء. ويدل على ذلك أن عمر بن الخطاب، لما عزله عن ولاية البحرين، قال له: هل علمت من حين استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين، وكان ذلك سنة إحدى وعشرين للهجرة.
ومن كانت هذه حالته، ليس من المستغرب عليه، أن يبتعد عن علي، الذي كان أكثر طعامه خبز الشعير والخل، ويميل إلى دولة بني أمية ذات الأطعمة الناعمة والعطاء الجزيل.
إن عليّا أحمى حديدة لأخيه عقيل المكفوف وأعطاه إياها، لما طلب منه أكثر من عطائه، ليسد جوعه وجوع أولاده. فماذا يأمل منه أبو هريرة، وقد رأى منه هذا الصنيع مع أخيه، أقرب الناس إليه؟
وبالأمس القريب أعطاه سليل أمية (عثمان) عشرة آلاف دينار حينما روى له أن الرسول قال: ستلقون بعدي فتنة واختلافاً، فقال له قائل من الناس، فمن لنا يا رسول اللّه (صلى الله عليه واله) أوما تأمرنا؟ فقال: عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان.
وحينما روى عن الرسول أنه قال: أن اشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني، يعملون بما جاء في الورق المعلق، يعني بذلك المصاحف التي كتبها عثمان.
لقد اتجه أبو هريرة إلى الأمويين على عهد عثمان، وكان في ذلك مسيراً لما فطر عليه وبرز في حياته منذ صباه، وكان من أغلى أمانيه، وهو إشباع بطنه.
واتجه إليه الأمويون، فكان يعطيه عثمان ويدنيه، وبعده اعتزل عليّا ومال مع معاوية، ومعاوية كان أحوج له ولأمثاله من عثمان، فأغدق عليه العطاء ووفر له أسباب النعيم، وبني له قصراً في العقيق، واقطعه أرضاً واسعة في العقيق وذي الحليفة، وزوجه بسرة بنت غزوان، أخت الأمير عتبة بن غزوان، التي كان يخدمها ويحدو لركبها، أيام عريه وفقره، بطعام بطنه. وقد اخرج عنه ابن سعد أنه قال: أكريت نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي.. . فكانت تكلفني أن اركب قائما وأورد حافيا، فلما كان بعد ذلك، زوجنيها اللّه، فكلفتها أن تركب قائمة وان تورد حافية.
ولم يروا احد من الرواة أن أبا هريرة حمل السيف مع من حمله من أنصار الأمويين. ويؤيد ذلك ما جاء عن جماعة من المحدثين أن أبا هريرة كان في صفين يصلي أحيانا في جماعة علي (عليه السلام) ويأكل في جماعة معاوية، وإذا حمي الوطيس لحق بالجبل. فإذا سئل، قال: علي أعلم ومعاوية أدسم والجبل اسلم.
ليس بالبعيد أن يكون معاوية هو الذي أشار عليه أن يعتزل الحرب عندما يحمي وطيسها، ويكون على مقربة منها، ليغري من استطاع من أصحاب علي بدسائسه وأحاديثه المكذوبة، لأن المادة التي وجدها عنده، لم يجدها مع أحد من أتباعه، حتّى مع ابن العاص، ساعده الأيمن. ولم يكن في حاجة إلى سيفه، بعد أن وجد من أهل الشام تحمسا واندفاعا لا مثيل له.
إن أنصار معاوية لا يعرفون له منقبة في الإسلام، ولا فضيلة يتحدث بها الرواة عن الرسول، في حين أنهم يعرفون لخصمه آلاف الفضائل والمناقب، لذا فهو يشعر بأنه في أمس الحاجة لأبي هريرة وأمثاله، ممن يخلقون الحديث في فضله والطعن على علي وتخذيل الناس عن حقه. إن هذا النوع من السلاح يغنيه عن جهاد العشرات ممن حملوا السلاح واقتحموا المعركة.
إن معاوية يتمنى أن يكون لديه العشرات من أمثال (شيخ المضيرة)، ليضعوا له من الأحاديث عن الرسول في الثناء عليه والطعن في علي (عليه السلام) ومهما كان الثمن فهو سخي في بذله.
لهذه الأسباب كان الأمويون يقربون إليهم هذا الشيخ وأمثاله، ويجزلون له العطاء. وكان هو يضع لهم من الحديث ما يريدون.
وروى عنه الخطيب أنه قال: ناول رسول اللّه (صلى الله عليه واله) معاوية سهما وقال له: خذ هذا السهم حتّى تلقاني به في الجنة.
وروى عنه ابن عساكر وابن عدي والخطيب والبغدادي أنه قال: سمعت رسول اللّه يقول: إن اللّه ائتمن على وحيه ثلاثة: أنا وجبريل ومعاوية.
ونظر يوماً إلى عائشة بنت طلحة فقال: سبحان اللّه، ما أحسن ما غذّاك أهلك واللّه ما رأيت وجها أحسن منك إلاّ وجه معاوية على منبر رسول اللّه.
وروى الأعمش عنه أن أبا هريرة لما قدم مع معاوية العراق، عام الجماعة، جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس، جثا على ركبتيه، ثمّ ضرب صلعته مراراً وقال: يا أهل العراق، أتزعمون إني اكذب على اللّه ورسوله وأحرق نفسي بالنار؟ واللّه لقد سمعت رسول اللّه يقول: لكل نبي حرماً وان حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيه حدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين. وأشهد باللّه أن عليّاً أحدث فيها. ولما بلغ معاوية قوله، أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة.
وقد ذكر الأستاذ أبو ريّة، بعنوان تشيّع أبي هريرة لبني أميّة أنه لم يصاحب النبي إلاّ على ملء بطنه، كما ذكر هو مراراً عن نفسه. وأنه قد اتخذ الصفة ملاذاً لفقره، يأكل فيها كما يأكل سائر أهلها، ويأكل عند النبي وأصحابه. ومن كان هذا شأنه لا يكون ولا جرم إلاّ مهيناً لا شأن له ولا خطر. وقد ظل على هذه المهانة زمن النبي (صلى الله عليه واله) وأبي بكر وعمر. ثمّ اخذ يظهر في زمن عثمان، بعد انزوائه، ويبدو للناس بعد خفائه.
ولما شبت نار الحرب بين علي ومعاويةـ وان شئت فقل لما انبعث الصراع بين الأموية والهاشمية، بعد أن توارى، فرقا من القوة، في زمن النبي وخليفتيه أبي بكر وعمر، وانقسم المسلمون فرقاً ـ اتجه أبو هريرة إلى الناحية التي يميل إليها طبعه وتتفق مع هوى نفسه، وهي ناحية معاوية، إذ كانت تملك من أسباب السلطان والترف والمال والنعيم ما لم تملك ناحية علي (عليه السلام) التي ليس فيها إلاّ الفقر والجوع والزهد.
وليس بغريب على من نشأ نشأة أبي هريرة وعاش عيشته أن يتنكب الطريق التي تؤدي إلى علي، وان يتخذ سبيله إلى معاوية ليشبع نهمه من ألوان موائده الشهية ويقضي وطره من رفده وصلاته وعطاياه السنية.
واستطرد الأستاذ أبو ريّة في حديثه عن أبي هريرة، مستعرضاً أساليبه في نقل الحديث عن الرسول ليغري بها أهل الشام وغيرهم من الأقطار الإسلامية وفاء منه لموائد معاوية، التي حوت أطايب الطعام، وعطاياه السنية، التي أصبح بواسطتها من الأثرياء.
وبعد أن استعرض أبو ريّة المراحل التي مرّ بها أبو هريرة، وموقفه الأخير من الدولة الأموية وقسماً وافراً من أحاديثه، التي رواها المحدثون من أهل السنة عنه في الأصول والفروع، وفي الأمويين وغيرهم. بعد أن استعرض جميع ذلك، وكشف للقاريء عن واقع أبي هريرة، بكل تجرد وإخلاص، للدين والعلم والحق يـقال: وما بيناه من تاريخ أبي هريرة، لقد سقناه على حقيقته، وأظهرنا شخصيته كما خلقها اللّه. ولم نأت فيها بشيء من عند أنفسنا، بل أتينا بالروايات الصحيحة فيها، ورجعنا إلى مصادر ثابتة، لا يرقى إليها الشك، ولا يدنو منها الريب. على أننا قد طوينا كثيراً مما أثبته التاريخ الصحيح، لأن شيوخ الدين عندنا لا يزالون يخشون سطوة الحق، ولا يحتملون قوة البرهان.
ومع أن جميع ما جاء في حديث الأستاذ محمود أبو ريّة، عن أبي هريرة، يمليه الواقع وتؤيده الأرقام والحوادث، فأكثر الشيوخ ما زالوا يقدسونه، ويثبتون أكثر رواياته عن الرسول، لأنه من الصحابة بزعمهم، وكل صحابي عادل.
وإذا جاءت الرواية عن غيره من رواة الشيعة الأمامية، لا بد من طرحها، لأن راويها يتشيع لأهل البيت. فالتشيع جريمة توجب الفسق، وصحبة الرسول، ولو أياما قليلة، تحول بين الإنسان وجميع المعاصي. فكأنه لم يكن في الصحابة منافقون، ولم يرتكب احدهم صغيرة ولا كبيرة، ولا ارتد احد منهم بعد موت الرسول، ولا غير احد منهم من سنته وسيرته شيئاً، وكأنه لم يكن شيء مما أجمعت عليه كتب التاريخ الصحيحة.
قال الشيخ محمّد الخضري في حديثه عن أبي هريرة، متجاهلا تلك الحقائق، التي حملتها كتب التاريخ والحديث والرجال: أن أبا هريرة، لازم الرسول، حتّى لحق بربه، وكان من أوعية العلم، ومن كبار أئمة الفتوى، مع الجلالة في العبادة والتواضع، وكان من احفظ الصحابة. وان ابن عمر قال له: كنت لألزمنا برسول اللّه وأعملنا بحديثه.
وقال هو عن نفسه: رب كيس عند أبي هريرة من العلم لم يفتحه، وكان يقول: حفظت من رسول اللّه (صلى الله عليه واله) دعاءين، أما احدهما فبثثته، وأما الأخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم، وجاء عنه أنه قال: لو أنبأتكم بكل ما أعلم لرماني الناس بالخرف، وقالوا: أبو هريرة مجنون.
وقال محمّد عجاج الخطيب: ومن هنا يتأكد أن الدعاء الثاني لم يكن فيه ما يتعلق بالأحكام، ولا بالآداب والأخلاق، ويرجح أن يكون بعض ما يتعلق بأشراط الساعة، أو بعض ما يقع للأمة من فتن، ومن يلونها من أمراء السوء، وأضاف إلى ذلك: أن أبا هريرة كان يكني عن بعض ذلك ولا يصرح به خوفا على نفسه ممن يسيئه ما يقوله، كقوله أعوذ باللّه من رأس الستين وأمارة الصبيان.
والذي يبعث على الاستغراب أن هؤلاء بينهم يؤكدون بأن أبا هريرة اسلم قبل وفاة الرسول بثلاثة أعوام، وأنه كان معدما يهمه أكثر من أي شيء أن يملا بطنه يروون بأنه حفظ دعاءين من علم الرسول، ولم يحدث بالدعاء الثاني خوفا على نفسه، فكأن الرسول (صلى الله عليه واله) لم يجد بين المسلمين من يأتمنهم على تلك المغيبات التي اختصه بها اللّه سبحانه مع العلم بأن فيهم من رافقه منذ أن بعثه اللّه إلى أن اختاره إليه وكان اقرب إلى قلبه من جميع الناس.
فأبو هريرة لازم الرسول، حتّى لحق بربه، وكان من كبار أئمة الفتوى كما يزعم الشيخ الخضري، مع أنه اسلم في السنة السابعة من هجرة الرسول، أي قبل وفاة الرسول بثلاث سنين. ومع ذلك عنده دعاءان من العلم بث احدهما وخاف أن تصل الأمّة إن هو بثّ الآخر. ولم ينقل احد من الرواة أن إسلامه سبق هذا التاريخ. ولم يكن له أي شأن، في زمن النبي ولا في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر، ولم يقبل احد حديثه إلاّ في عهد عثمان. وكان كل همه في الأيام التي أدرك فيها الرسول أن يشبع بطنه، كما اخبر عن نفسه. وبعد وفاة الرسول، قال عنه جماعة من أعيان الصحابة انه اكذب الناس، وضربه عمر بدرته وهدده بالنفي إلى الأراضي التي كان يرعى فيها الغنم قبل إسلامه.
لقد أعطاه الخضري هذه الأوصاف والألقاب، ولم يعط مثلها لأحد من صحابة الرسول الذين رافقوه من اليوم الأول لدعوته. حتّى لعلي (عليه السلام) الذي صحبه قبل أن يبلغ الحلم ولم يفارقه في جميع حالاته.
مع العلم بأن الخضري لا يجهل سيرته مع معاوية و تخذيله الناس عن الخليفة الشرعي. وأنه دسّ في أحاديث الرسول آلاف الأحاديث، بقصد الدس على الإسلام، والتشويه لمعالم السنة الكريمة. بالإضافة إلى تلك الطائفة من الأحاديث التي وضعها لمصلحة معاوية، لقاء طعامه الطيب وعطائه الجزيل.
ولا يعنينا أن نتوسع في هذه النواحي أكثر من ذلك. والذي أردناه بما سقناه من الأمثلة والشواهد التاريخية وكلمات المحدثين، عن المصادر الموثوق بها أن المنع من تدوين الحديث، بعد وفاة الرسول، سهل لهؤلاء طريق الدس في الحديث والتلاعب في الأحكام والكذب على الرسول. ولولاه لم يكن لكعب الأحبار وأبي هريرة، وأمثالهما من المرتزقة، مجال لإدخال تلك الأحاديث في السنة الصحيحة، ولما كان هذا الخلاف الواسع بين علماء المسلمين في الحديث والفقه، ولما استطاع ابن أبي العوجاء أن يدس أربعة آلاف حديث يحرم فيه الحلال ويحلل الحرام.
قال الأستاذ أبو ريّه: ولو أن الصحابة كانوا قد عنوا بتدوين الحديث، كما عنوا بتدوين القرآن، لجاءت أحاديث الرسول كلها متواترة، في لفظها ومعناها، ليس شيء فيها اسمه صحيح ولا شيء اسمه حسن، ولا شيء اسمه ضعيف، مما لم يكن معروفاً زمن النبي وصحابته. وبذلك كان يذهب الخلاف في حقيقته، وينحط عن كاهل العلماء أعباء البحث عن صحته، ووضع المؤلفات الكثيرة، التي وضعت في علوم الحديث وبيان أحوال الرواة، من حيث العدالة والضبط والجرح والتعديل، وغير ذلك وكان فقهاء الدين، يسيرون على نهج واحد، لا اختلاف بينهم فيه ولا تباين، إذ تكون أدلتهم كلها متواترة، فلا يأخذون بما سموه الظن الغالب، الذي فتح أبواب الخلاف ومزق حقوق الأمة، وجعلها مذاهب وفرقاً، مما لا يزال أثره إلى اليوم، وسيبقى إلى ما بعد اليوم.
ونعود إلى ما ذكرناه سابقاً أن الخليفة لو ارجع الناس إلى علي (عليه السلام) الذي قال فيه ابن حنبل والنسائي والنيسابوري وغيرهم: لم يرد في حق احد من الصحابة بالأسانيد الجياد، أكثر مما جاء فيه.
وقال فيه الجاحظ، لا يعلم رجل في الأرض متى ذكر السبق في الإسلام والتقدم فيه، ومتى ذكر الفقه في الدين، كان مذكوراً في هذه الخلال كلها إلاّ علي رضي اللّه عنه وأرضاه. والذي قال فيه احمد بن حنبل: ما بلغنا عن أحد من الصحابة: ما بلغنا عن علي (عليه السلام). والذي عاش مع الرسول رشيداً أكثر من ثلث قرن تقريباً لم يفارقه، لا في سفر ولا في حضر، إلاّ في غزوة تبوك. ولما عزّ عليه أن يفوته أجر الجهاد مع الرسول في تلك الغزوة، قال له الرسول: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى،: إلاّ أنه لا نبي بعدي) لو أرجعهم إليه وكلفه بجمع الحديث وتدوينه، لارتج باب الكذب في الحديث ونهج الفقهاء والرواة منهجاً واحداً، لا اختلاف فيه ولا تباين.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/30   ||   القرّاء : 1778



البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 كيف تأخذون دينكم عن الصحابة واغلبهم مرتدون ؟؟؟.

 ردّ شبهة ان الامامة في ولد الحسين لا الحسن اقصاء له ؟

 ردّ شبهة ان علي خان الامانة بعد ستة اشهر من رحيل رسول الله ؟؟؟.

 ردّ شبهة ان الحسن بايع معاوية وتنازل له عن الخلافة ؟؟.

 فضائل مسروقة وحق مغتصب وتناقض واضح

 فضائل مسروقة وحق مغتصب وتناقض واضح

 أعتراف الألباني بصحة حديث الحوأب

 الجزاء الشديد لمن نقض العهد الأكيد ؟؟؟

 حديث الثقلين وبعض الحقائق الكامنة

 حديث الغدير/ وكفر من لا يأخذ بكلام رسول الله بحكم ابن باز؟؟

ملفات عشوائية :



 الشافعي وابن حنبل قبوريان

 حاجة الامة للامام المعصوم ضرورية

 دلالة اية المباهلة على امامة علي بن ابي طالب عليه السلام

 التعرف الى التشيع

 أبو حنيفة لا يرى أن يقيم حداً في زواج المحارم

  هل القرآن مخلوق أم قديم؟

 رأي اهل السنة في البكاء على الميت

 لايمكن تقديم الصحابة على اهل البيت الرسول

 أسئلة وإشكالات حول عمر خاصة

 الخلود في الجحيم خاصّ بالكفّار

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 24

  • الأقسام الفرعية : 90

  • عدد المواضيع : 841

  • التصفحات : 1847865

  • التاريخ : 19/04/2024 - 18:56

Footer