نظام الإرث في القرآن
لقد وضع الإسلام للتوارث مبدءا لا حيف فيه على أحد من أولياء الميت، وعلى أساسه تعددت مراتب الوارث. قال سبحانه: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه) وقال سبحانه: (الأقربون أولى بالمعروف).
والمعروف عند العرب قبل الإسلام اختصاص الإرث بالذكور من أولاد الميت، لأنهم الذين يحملون السيف ويقرّون الضيف، ولما جاء الإسلام ساوى بين الأولاد في أصل الإرث ذكورا أو إناثا.
قال سبحانه: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا). وكما ساوى بينهما في كل ما شرّعه الإسلام سوى ما تقتضيه طبيعة كل من الجنسين ساوى بينهما في أصل الميراث ولم يحرمها مما تركه أبواها، غير أنه جعل لها نصف ما للرجل من مال المورث، ولا حيف عليها في هذا التفاوت، لأن جميع ما يصل إليها من المال موفر عليها، فلها في بيت أبيها عليه النفقة، وإذا تزوجت كان لها على زوجها حق الإنفاق، ومهما كان عندها من مال لا تكلف في الإنفاق منه ولا تتحمل شيئا من تكاليف الحياة وشؤون البيت، أما الرجل فيبقى في رعاية أبويه وعالة على أبيه حتّى إذا ما تزوج تحمل أعباء الزوجة ونفقات بيته وأسرته، وعليه أن يقوم بنفقات أبويه أحيانا عندما تدعوه الحاجة لذلك: فكل ما يدخل على المرأة من إرث وصداق وغيرهما تدخره لنفسها، وليس عليها أن تنفق منه شيئا على أسرتها ما دامت تعيش مع زوجها. فالإسلام في هذا التشريع قد وفر لها أسباب الراحة وأعطاها من المال أكثر مما أعطى الرجل ووفر عليها كل ما فرضه لها من إرث وغيره.
لذلك كان نظام الإسلام في الإرث يحفظ للمرأة حقها ويتفق مع ما يعانيه الرجل من أعباء الأسرة وتكاليفها.
قال سبحانه: (يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) وهذه الآية تعرّضت لنصيب البنت الواحدة وما يزيد عنها، فإن كانت واحدة فلها من مال المورث النصف بالفرض، فإذا لم يكن معها وارث آخر كان لها تمام المال عند الشيعة الأمامية، وعند غيرهم يكون النصف الثاني للعصبة، للإخوة أو الأعمام.
وإن ترك الميت أكثر من بنت واحدة كان لهن الثلثان والثلث الباقي من المال يرد عليهن أيضا. وعند غير الشيعة يكون للإخوة أو الأعمام. وقد فرض القرآن للأبوين الثلث لكل واحد منهما السدس مع الولد للميت ومع عدمه ترث الأم الثلث والباقي للأب، وإذا كان للميت إخوة كان نصيب الأم السدس والباقي للأب. قال سبحانه: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له أخوة فلأمه السدس).
كما فرض القرآن للزوج من زوجته النصف مع عدم الولد والربع مع وجوده والباقي إلى الأقرب إليها، وفرض لها الربع من ماله إذا لم يكن له ولد، فإن كان له ولد فلها الثمن. وما بقي من المال يكون لأقاربها الأقرب فالأقرب. قال سبحانه: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) وفي ميراث الكلالة وهم من يتقربون إلى الميت بالأم كالإخوة والأخوات من الأم فللواحد منهم السدس فإن زادوا عن الواحد فهم شركاء في الثلث بالغا عددهم ما بلغ. قال سبحانه: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)، وفي ميراث الإخوة ترث الأخت الواحدة من أخيها النصف وما زاد على الواحدة فلهن الثلثان وإن كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين. قال سبحانه: (يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين).
لقد اشتملت هذه الآيات وغيرها على الخطوط العامة لقواعد الإرث وأصول التوارث في الإسلام. ومع إنها تستوعب جميع فروعه ومراتب الوارث، ولكن بعد أن تبين إن الاقربية إلى المورث لا بدّ من مراعاتها في توزيع السهام، وبعد بيان سهام الأولاد والإخوة والآباء والأمهات والبنات والأخوات، يصبح من السهل التوصل لمعرفة نصيب الفروع لهذه العناوين، هذا بالإضافة إلى ما تضمنته السنة من الإيضاح والتفصيل لكثير من مسائل الإرث ومقادير السهام بالنسبة إلى جميع مراتب الوارث.