إمامة بقية الأئمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّنا نسأل أهل السنّة ونراجع كتبهم، ونفحص في رواياتهم، عمّا إذا كان عندهم شيء عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) في الإمامة، وعدد الأئمة بعد رسول اللَّه، هل هناك دليل على حصر الأئمّة بعد رسول اللَّه في عدد معيّن أو لا يوجد دليل؟ وإذا كان يوجد دليل فما هو ذلك العدد؟ ومن هم أُولئك الأئمّة الذين دلّت عليهم وعلى إمامتهم تلك الأدلّة؟
الجواب واضح تماماً، فحديث الأئمّة إثنا عشر أو الخلفاء من بعدي إثنا عشر، هذا الحديث مقطوع الصدور، اتفق عليه الشيخان وغيرهما من أئمّة الحديث، وأخرجوه بطرق وأسانيد معتبرة، ورووه عن عدة من الصحابة، أقرأ لكم نصوصاً من هذا الحديث، وأرجو الدقّة في ألفاظ هذه النصوص، والتأمّل فيما تختلف فيه هذه الألفاظ، والتوصل إلى نتيجة قطعية على ضوء الدقّة في هذه النصوص.
نصوص من حديث الأئمّة اثنا عشر:أخرج أحمد في [المسند] عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) يقول: «يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر خليفة» «1».أخرج أحمد أيضاً عن مسروق قال: كنّا جلوساً عند عبداللَّه ابن مسعود وهو يقرؤنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، هل سألتم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) كم تملك هذه الأُمّة من خليفة؟ فقال: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثمّ قال: نعم، ولقد سألنا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) فقال: «إثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل» «2».في هذا اللفظ توجد هذه الإضافة: «كعدّة نقباء بني إسرائيل».وأخرج أحمد عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي: أخبرني بشيء سمعته من رسول اللَّه، قال: فكتب إليّ: سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي- يعطي علامة أنّه في ذلك اليوم المعين الذي رجم فيه فلان- سمعته يقول: «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش» «3».لاحظوا الإضافات في هذا اللفظ عن نفس جابر الراوي لهذا الحديث.وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة، نفس هذا الشخص قال:دخلت مع أبي على النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) فسمعته يقول: «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، ثمّ تكلّم بكلام خفي عَلَيّ، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال: «كلّهم من قريش» «4».في هذا اللفظ إضافة، والتفتوا إلى هذه الفوارق.وأمّا البخاري فيروي في [صحيحه] عن جابر نفسه: سمعت النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) يقول: «إثنا عشر أميراً» فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه يقول:«كلّهم من قريش» «5».وأخرج [الترمذي] عن جابر نفسه قال: قال رسول اللَّه: «يكون من بعدي اثنا عشر أميراً»، ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه فسألت الذي يليني فقال: قال «كلّهم من قريش»، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة، وفي الباب عن ابن مسعود وعبداللَّه بن عمرو «6».وأمّا في [صحيح أبي داود] يقول جابر،- الرواية عن جابر نفسه-: سمعت رسول اللَّه يقول: «لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة»، قال: فكبّر الناس وضجّوا، ثمّ قال كلمة خفيت، قلت لأبي: يا أبه، ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» «7».يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: أصل هذا الحديث في [صحيح مسلم] بدون كلمة: فكبّر الناس وضجّوا «8».وقد قرأنا عبارته، لم تكن فيه هذه الجملة: فكبّر الناس وضجّوا، لكنّها موجودة في [صحيح أبي داود].وللطبراني لفظ آخر، يقول الطبراني عن جابر بن سمرة: «يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً»- لم يقل خليفة، ولم يقل أميراً- «لا يضرّهم من خذلهم، كلّهم من قريش» «9».قال ابن حجر في [فتح الباري في شرح البخاري]: ووقع عند الطبراني من وجه آخر هذا الحديث في آخره يقول جابر هذا الراوي يقول: فالتفتُ فإذا أنا بعمر بن الخطّاب وأبي في أُناس، فأثبتوا إليّ الحديث «10».هذه هي الألفاظ التي انتخبتها، واكتفيت بها.ولاحظوا أوّلًا ألفاظ الحديث إلى الآن، ففي بعض الألفاظ: «إثنا عشر خليفة»، وفي بعض الألفاظ: «إثنا عشر أميراً»، وفي بعض الألفاظ: «إثنا عشر قيّماً»، وبين الكلمات فرق كبير.ثمّ، في بعض الألفاظ: «لا يزال هذا الدين عزيزاً»، وفي بعض الألفاظ توجد جملة: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ...»، وفي بعض الألفاظ: «لا يضرّهم من خذلهم».فلماذا نقل بعض الرواة هذه الألفاظ دون البعض الآخر؟ لماذا لم تكن جملة «فكبّر الناس وضجّوا» في صحيح مسلم، والحال أنّ الحديث نفس الحديث كما ينصّ الحافظ ابن حجر؟ فلماذا غير مسلم يأتي بهذه الجملة دون مسلم؟! أمّا البخاري فلم ينقل من هذه النقاط الإضافيّة المهمة شيئاً!تارة: المتكلم يتكلّم ثمّ يخفض صوته فلا يسمع كلامه، وتارة: المتكلم لا يخفض صوته، وإنّما الصياح في أطرافه والضجّة من حوله تمنع من وصول كلامه وبلوغ لفظه، وفي أكثر الألفاظ يقول جابر: إنّه قال كلمة لم أسمعها، قال كلمة لم أفهمها، قال كلمة خفيت عَلَيّ.ولسائل أن يسأل: ما هو السبب في خفاء هذه الكلمة أو غيرها من الكلمات على جابر؟ جابر الذي ينقل الحديث من رسول اللَّه ويقول: سمعته .. فلمّا وصل إلى هنا خفّض رسول اللَّه صوته أو كانت هناك أسباب وعوامل خارجية؟ فهذه العوامل الخارجية مَن الذي أحدثها وأوجدها؟ لماذا قال رسول اللَّه بعض الحديث وسُمع كلامه وبعض الحديث خفي ولم يُسمَع؟ وماذا قال؟ وهل كان لعمر بن الخطّاب وأصحابه دور في خفاء صوته وعدم بلوغ لفظه إلى الحاضرين؟ أو لم يكن؟لسائل أن يسأل عن هذه الأُمور، والمحقق لا يترك مثل هذه القضايا على حالها، المحقق لا يتجاوز هذه الأشياء بلا حساب، تارةً يراد منّا أنْ نقرأ ونسكت، وتارة يراد منّا أن نسمع ونسلّم، وتارة يراد منّا أن نحقق ونفهم.لقد وجدنا أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) لمّا أمر بالإتيان بدواةٍ وقرطاس إليه، كثر اللغطُ من حوله، وجعل الحاضرون يتصايحون، لئلّا يسمع كلامه، ولئلّا يلبّ طلبه! وحينئذ قال عمر كلمته المشهورة في تلك القضية!! أتستبعدون أن يكون رسول اللَّه قد قال هنا كلمات ومنعوا الحاضرين من سماع تلك الكلمات لئلّا ينقلوها إلى من بعدهم، عن طريق إحداث الضجّة من حوله والتكبير؟ وماذا قال رسول اللَّه حتّى يكبّروا كما جاء في الحديث: فكبّر الناس وضجّوا؟ لماذا؟ وأيّ مناسبة بين قوله (صلّى اللَّه عليه وآله): «يكون بعدي خلفاء ...» وبين التكبير، وبين الضجّة؟ ولماذا؟وعندما بحثت عن ألفاظ الحديث، وجدت في عمدة المصادر لا يلتفتون إلى هذه الحقيقة، أوْ لا ينبّهون على هذه النقطة، حتّى عثرت على اسم عمر بن الخطّاب في أحد ألفاظه، هذا المقدار الذي بحثت عنه، وقارنت بين القضيّة هذه وبين قضية الدواة والقرطاس.وإن أردتم مزيداً من التأكيد والتوضيح، فراجعوا بعض مؤلفات أهل السنّة من المتأخرين، حتى تجدوا الحديث عن نفس جابر وبنفس السند الذي في صحيح البخاري، كانت تلك الكلمة التي خفيت على جابر: «كلّهم من بني هاشم» «11» وليس «كلّهم من قريش» فماذا حدث؟ وماذا فعل القوم؟ وكيف انقلبت ألفاظ رسول اللَّه، تغيّرت من لفظ إلى لفظ على أثر الضجّة؟ منعوا من سماع الكلمة وحالوا دون وصول كلامه، فإذا سُئِلوا ماذا قال؟ أجابوا بغير ما قال رسول اللَّه؟ قال: «كلّهم من قريش».لكن عبدالملك بن عمير، يروي الخبر عن جابر نفسه أنّه قال: «كلّهم من بني هاشم»، وعبدالملك بن عمير نفس الراوي عن جابر في [صحيح البخاري] «12»، فراجعوا.نحن وإنْ كنّا لا نوافق على وثاقة عبدالملك بن عمير، هذا الرجل عندنا مطعون ومجروح، لأنّه كان قاضي الكوفة، وعندما أرسل الحسين عليه السّلام إلى الكوفة رسولًا من قبله، وقبض عليه في الطريق وأمر عبيداللَّه بن زياد بأن يأخذوه إلى سطح قصر دار الأمارة وإلقائه من أعلى القصر إلى الأرض، فسقط على الأرض وبه رمق، جاء عبدالملك بن عمير، وذبح هذا الرجل في الشارع، فلمّا اعتُرض عليه قال: أردت أنْ أُريحه.هذا الشخص- عبدالملك- ليس عندنا بثقة، لكنّه من رجال الصحاح الستّة.عبدالملك بن عمير يروي الحديث عن جابر وفيه بدل «كلّهم من قريش» جملة «كلّهم من بني هاشم».وأيضاً، فقد وافق عبدالملك بن عمير في رواية الحديث عن جابر بلفظ «كلّهم من بني هاشم»: سماك بن حرب، وسماك بن حرب من رجال مسلم، ومن رجال البخاري في تعليقاته، ومن رجال الصحاح الأربعة الأُخرى.فعبدالملك وسماك كلاهما يرويان عن جابر هذا الحديث نفسه بلفظ «كلّهم من بني هاشم».وإذا ما رجعتم إلى كتب أصحابنا وجدتموهم يروون هذا الحديث بأسانيدهم إلى جابر نفسه، وتجدون الحديث مشتملًا على ألفاظ وخصوصيات أُخرى، وسأقرأ لكم تلك الخصوصيات عندما أُريد أنْ أستدلّ بهذا الحديث على إمامة الأئمّة عليهم السّلام.وإلى الآن عرفنا من هذه الأحاديث:
أوّلًا: عدد الأئمّة على وجه التحديد، عدد الخلفاء، أو القوّام على هذا الدين على وجه التحديد: اثنا عشر.
ثانياً: يقول رسول اللَّه بأنّ هؤلاء باقون إلى قيام الساعة.
ثالثاً: يقول رسول اللَّه بأنّ عزّ الإسلام منوط بوجود هؤلاء، بإمامة هؤلاء، بخلافة هؤلاء.
رابعاً: هؤلاء أئمّة قوّام للدين، وإن خُذِلوا وإن خولفوا.
يقول أصحابنا: بأنّ المراد من هذا العدد وهؤلاء الذين ذكرهم رسول اللَّه أو أشار إليهم، هم أئمّتنا الاثنا عشر (سلام اللَّه عليهم).ومن العجيب: أنّ إمامة أئمّتنا بنفس العدد والنص موجود في الكتب السماوية السابقة، وثابت عند أهل الكتاب وأهل الأديان السالفة، ولذا لو أنّ أحداً من أهل الكتاب أسلم، صار شيعيّاً، وهذا ما ينصّ عليه ابن تيميّة أيضاً، كما في كتابه المسمّى [منهاج السنّة] «13».
المراد من الاثني عشر عند أهل السنة: إذا كان المراد بنظر أصحابنا من هذا الحديث أئمّتنا الأطهار الإثنا عشر، فلنرجع إلى أئمّة أهل السنّة ومحدّثيهم الحفّاظ الكبار، لنلاحظ ماذا يقولون في معنى هذا الحديث، ومَن المراد من هؤلاء الأئمّة في هذا الحديث الثابت؟ فهنا أُمور:
الأمر الأوّل: هذا الحديث لا يمكنهم ردّه، لصحّته ووجوده في الصحيحين وغيرهما من الكتب.
الأمر الثاني: إنّهم لا يريدون أن يعترفوا بما تقوله الشيعة الإمامية.
الأمر الثالث: إنّ الذين تولّوا الأمر بعد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) عددهم أكثر من هذا العدد بكثير.
ومع الإلتفات إلى هذه الأُمور الثلاثة، لاحظوا ما يقولون في شرح هذا، وانظروا كيف يضطربون وتتضارب أفكارهم وآراؤهم وأقوالهم في شرحه وبيان معناه، ولو أردتُ أنْ أذكر لكم كلّ ما حصلت عليه من كلماتهم لطال بنا الكلام. أقول: لقد اضطربوا في معنى هذا الحديث اضطراباً كبيراً، فابن حجر العسقلاني في [فتح الباري] يذكر آراء ابن الجوزي والقاضي عياض، ويباحثهم فيما قالا، وابن كثير الدمشقي يذكر في كتابه [البداية والنهاية]- حيث يعنون هذا الحديث- آراء البيهقي وغيره ويناقشهم، ولا بأس أنْ أقرأ لكم رأي ابن كثير فقط، وبه أكتفي لئلّا يطول بنا البحث. يقول ابن كثير بعد أنْ يذكر رأي البيهقي وغيره: وفيه نظر، وبيان ذلك إنّ الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد أكثر من اثني عشر على كلّ تقدير، وبرهانه إنّ الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، خلافتهم محققة بنص حديث سفينة: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة»، ثمّ بعدهم الحسن بن علي كما وقع- لأنّ عليّاً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام- ثمّ معاوية، ثمّ ابنه يزيد بن معاوية، ثمّ ابنه معاوية بن يزيد، ثمّ مروان بن الحكم، ثمّ عبدالملك بن مروان، ثمّ ابنه الوليد بن عبدالملك، ثمّ سليمان بن عبدالملك، فهؤلاء اثناعشر، وعلى كلّ تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبدالعزيز، فهذا الذي سلكه أي البيهقي على هذا التقدير يدخل في الإثني عشر يزيد بن معاوية، ويخرج منهم عمر بن عبدالعزيز، الذي أطبق الأئمّة على شكره وعلى مدحه، وعدّوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبة على عدله، وأنّ أيّامه كانت من أعدل الأيّام، حتّى الرافضة يعترفون بذلك «14». فإن قال:- يعني البيهقي- أنا لا أعتبر إلّامن اجتمعت الأُمّة عليه، لزمه على هذا القول أنْ لا يعدّ علي بن أبي طالب ولا ابنه، لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما، وذلك لأنّ أهل الشام بكاملهم لم يبايعوهما، وعدّ حينئذ معاوية وابنه يزيد و ابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يعتد بأيّام مروان ولا ابن الزبير، لأنّ الأُمّة لم تجتمع على واحد منهما، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك، لأنّه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الإثني عشر، وهو خلاف ما نصّ عليه أئمّة السنّة بل الشيعة «15».
فهذا قول من أقوالهم، وهو من البيهقي، ثمّ هذا قول ابن كثير باعتراضه على البيهقي حيث يقول بأنّ لازم كلامكم إخراج علي والحسن من الاثني عشر.
ولو أردتم التفصيل، فراجعوا: [شرح النووي] على صحيح مسلم، وراجعوا [فتح الباري في شرح صحيح البخاري]، وراجعوا تفصيل كلام ابن كثير في [تاريخه]، فقد ذكروا في هذه الكتب أن بعضهم أخرج الإمام عليّاً (عليه السّلام) والحسن من الأئمّة الاثني عشر، وأدخلوا في مقابلهما ومكانهما معاوية ويزيد بن معاوية وأمثالهما «16». لكن ممّا يهوّن الخطب، أنّهم بعد أنْ شرّقوا وغرّبوا، اضطرّوا إلى الإعتراف بعدم فهمهم للحديث، وكما ذكرنا في الأُمور الثلاثة، فإنّ الحقيقة هي أنّهم لايريدون أن يعترفوا بما تقوله الشيعة، ورغم جميع محاولاتهم، وعلى مختلف آرائهم، فإنّ الحديث لا ينطبق على شيء منها.
يقول الحافظ ابن العربي المالكي كما في [شرح الترمذي] «17»: لم أعلم للحديث معنى.
وفي [فتح الباري] عن ابن البطال إنّه حكي عن المهلب قوله- وهي عبارة مهمة-: لم ألق أحداً في هذا الحديث بشيء معيّن «18».
وعن ابن الجوزي: قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلّبت مظانّه وسألت عنه، فلم أقع على المقصود «19».
أقول: إنّ المقصود معلوم والنبيّ (صلّى اللَّه عليه وآله) ما أبهم الكلام، لكنّ المقصود يقع عليه من كان عنده إنصاف ولم يكن عنده تعصّب.
والملاحظ أنّهم يحاولون قدر الإمكان تطبيق الحديث على زمن حكومة بني أُميّة، مع أنّهم يروون عن النبي أن الخلافة بعده ثلاثون سنة، ثم يكون الملك، وقلّ ما رأيت منهم من يشارك حكّام بني العباس في معنى هذا الحديث، نعم، وجدته في كلام الفضل ابن روزبهان، فلاحظوا من يرى ابن روزبهان أنّهم الأئمّة الإثنا عشر، يقول: إنّ عدد صلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر [و كأنّ الرسول (صلّى اللَّه عليه وآله) قيّد هذا الحديث بالصلحاء، والحال أنّه لا يوجد في لفظ الحديث كلمة: الصلحاء، أو ما يؤدّي معنى كلمة الصلحاء] وهم: الخلفاء الراشدون، وهم خمسة- يعني منهم الحسن (عليه السّلام)- ثمّ عبداللَّه بن الزبير وعمر بن عبدالعزيز، فهؤلاء سبعة، وخمسة من بني العباس «20».أمّا مَن هؤلاء الخمسة من بني العباس؟ لا يذكرهم، فمن يصلح لأنْ يذكر؟يذكر هارون؟ يذكر المتوكل؟ يذكر المنصور الدوانيقي؟ أيّهم يستحقّ أن يطلق عليه اسم خليفة رسول اللَّه والإمام من بعده؟ فهو لا يذكر أحداً، وإنّما يقول خمسة، وكأن تقسيم هذا الأمر قد فُوّض إلى الفضل ابن روزبهان، فجعل من هؤلاء سبعة ومن هؤلاء خمسة.وعلى كلّ حال، ليس لهم رأي يستقرّون عليه، ثمّ يعترفون بعدم فهمهم للحديث، وفي الحقيقة ليس بعدم فهم، وإنّما عدم اعتراف بالواقع والحقيقة.
حقيقة الاثني عشر
إذن، ما هي الحقيقة؟
النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) أراد أن يعرّف الأئمّة من بعده ويعيّن عددهم على وجه التحديد، وقد فعل هذا، لكن اللغط والصياح والضجّة من حوله، كلّ ذلك منع من سماع الحاضرين صوته ونقلهم ما سمعوا من رسول اللَّه، فكان السبب في خفاء صوته في الحقيقة هذه الضجّة من حوله، لا أنّ صوته ضعف، أو حصل مثلًا انخفاض في صوته، ورسول اللَّه- كما جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث- قد قال: «كلّهم من بني هاشم». يقول جابر بن سمرة: كنت مع أبي عند النبي، فسمعته يقول: «بعدي اثنا عشر خليفة»، ثمّ أُخفي صوته، [لاحظوا: ثمّ أُخفي صوته] فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: «كلّهم من بني هاشم»، وعن سماك بن حرب أيضاً مثل ذلك. ثمّ نلاحظ القرائن الموجودة في لفظ الحديث، والقرائن ذكرتها في خلال البحث، أُكرّرها مرّةً أُخرى بسرعة: «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة». «يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً لا يضرّهم من خذلهم»، يظهر: إنّ هناك من الأمّة خذلاناً للخلفاء والأئمة الاثني عشر، فمن الذي خذل معاوية؟ ومتى خذل يزيد؟ ومتى خذل مروان وغير أُولئك؟ أهل البيت هم الذين خُذلوا، وهم الذين خولفوا. ويظهر من كلمة «القيّم» أنّ المراد هو الإمامة بالمعنى الحقيقي، أي الإمامة الشرعية، وليس المراد هو الحكومة وبسط اليد ونفوذ الكلمة والسيطرة على السلطة الإجرائية. وإذا رجعنا إلى أحاديثنا وأسانيدنا المتصلة إلى جابر بن سمرة وغيره، وجدنا أشياء أُخرى، فلاحظوا الرواية: عن سلمان: «الأئمّة بعدي اثنا عشر»، ثمّ قال: «كلّهم من قريش، ثمّ يخرج المهدي- عجّل اللَّه تعالى فرجه- فيشفي صدور قوم مؤمنين، ألا إنّهم أعلم منكم فلا تعلّموهم، ألا إنّهم عترتي ولحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنالهم اللَّه شفاعتي» «21». فهذا لفظ من ألفاظ الحديث. ومن ألفاظ الحديث عن أبي هريرة: «أهل بيتي، الأئمّة بعدي اثنا عشر، أهل بيتي عترتي من لحمي ودمي، هم الأئمّة بعدي، عدد نقباء بني إسرائيل» «22».عن حذيفة بن أسيد: «الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، ومنّا مهدي هذه الأُمّة، ألا إنّهم مع الحق والحق معهم، فانظروا كيف تخلفوني فيهم» «23». وهذه من ألفاظ حديث الأئمّة إثنا عشر، والألفاظ هذه موجودة في كتاب [كفاية الأثر في النص على الأئمّة الإثني عشر]. وإذا كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) قد أخبر بعدد الأئمّة من بعده وعيّنهم بهذه الأوصاف، وأنّهم من العترة، وأنّهم أعلم، وأنّهم كذا، وأنّهم كذا، ثمّ قال: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما»، فيكون قد أشار (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) إلى حديث الثقلين، والحديث يفسّر بعضه بعضاً، فقد كان هذا من مداليل حديث الثقلين.
حديث الثقلين يفسّر الاثني عشر:
وحينئذ، ننتقل إلى مفاد حديث الثقلين، لنفهم معنى حديث الثقلين بما يتعلّق ببحثنا وليكون حديث الثقلين مفسّراً لحديث الأئمّة الإثني عشر: لاحظوا، رسول اللَّه عندما يقول: «إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض»، معنى ذلك: إنّ الأئمّة من العترة باقون ما بقي القرآن، لا يفترقان ولا يتفرّقان، والحديث- كما قرأنا في تلك الليلة التي خصّصناها للبحث عن هذا الحديث- حديث صحيح مقطوع صدوره ومقبول عند الطرفين، فعندما يقول رسول اللَّه: «إنّي تارك فيكم الثَقَلين أو الثقْلين»، فقد قرن رسول اللَّه الأئمّة من العترة بالقرآن فمادام موجوداً فالعترة موجودة، إيإلى آخر الدنيا، فالعترة موجودة إلى آخر الدنيا، لذا قال في حديث الإثني عشر: «حتّى تقوم السّاعة». وإن كنتم في شك ممّا قلته في معنى حديث الثقلين، فلاحظوا نصوص عبارات القوم في شرح حديث الثقلين من هذه الناحية: يقول المنّاوي في [فيض القدير] في شرح حديث الثقلين: تنبيه: قال الشريف- يعني السمهودي الحافظ الكبير- هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلًا للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمان إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه الحث المذكور إلى التمسّك به، كما أنّ الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناًلأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض «24». ومثلها عبارة ابن حجر المكي في [الصواعق]: وفي حديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك «25». وقال الزرقاني المالكي في [شرح المواهب اللّدنيّة]: قال القرطبي: وهذه الوصيّة وهذا التأكيد العظيم، يقتضي وجوب احترام آله وبرّهم وتوقيرهم ومحبّتهم، ووجوب الفرائض التي لا عذر لأحدٍ في التخلّف عنها، هذا مع ما علم من خصوصيّتهم به (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم)، وبأنّهم جزء منه، كما قال: «فاطمة بضعة منّي»، ومع ذلك فقابل بنو أُميّة عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، وسبوا نساءهم، وأسروا صغارهم، وخرّبوا ديارهم، وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا سبّهم ولعنهم، فخالفوا وصيّته وقابلوه بنقيض قصده، فواخجلتهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه، فالوصيّة بالبرّ بآل البيت على الإطلاق، وأمّا الاقتداء فإنّما يكون بالعلماء العاملين منهم، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن. قال الشريف السمهودي: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلًا للتمسّك به من عترته في كلّ زمان إلى قيام الساعة «26».فيكون حديث «إنّي تارك فيكم الثقلين» دليلًا على إمامة أئمّتنا، وعددهم في حديث الأئمّة بعدي إثنا عشر، وفي ذلك الحديث أيضاً تصريح بأنّهم موجودون إلى قيام الساعة.هذا بنحو الاختصار.فكان دليلنا على إمامة الأئمّة الإثني عشر من النصوص: حديث الأئمّة بعدي إثنا عشر، وحديث الثقلين.
العصمة والأفضلية
وأمّا العصمة:فحديث «إنّي تارك فيكم الثقلين» يدلّ على عصمة الأئمّة من العترة النبويّة بكلّ وضوح ؛وأمّا الأفضليّة:أي: أفضليّة أئمّتنا (سلام اللَّه عليهم)، فإنّه يدلّ على أفضليّتهم حديث الثقلين من جهات عديدة، لأنّ حديث الثقلين دلّ على تقدّمهم في العلم وغير العلم، وهذه جهات تقتضي الأفضليّة بلا شك، وإن كنتم في شك فأقرأ لكم بعض العبارات: قال التفتازاني في [شرح المقاصد]- وأرجو الملاحظة بدقة-: وفضّل العترة الطاهرة، لكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة، على ما يشير إليه ضمّهم- أي ضمّ العترة إلى كتاب اللَّه- في إنقاذ المتمسّك بهما عن الضلالة «27». ولو راجعتم شرّاح حديث الثقلين، وحتى اللغويين- لو تراجعونهم في معنى ثِقْل أو ثَقَل حيث يتعرضون لحديث الثقلين- يقولون: إنّما سمّاهما- أي الكتاب والعترة- بالثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما. وقد نصّ شرّاح الحديث، كالمنّاوي في [فيض القدير]، والقاري في [المرقاة في شرح المشكاة]، والزرقاني المالكي في [شرح المواهب اللدنية]، وغير هؤلاء: على أنّ حديث الثقلين يدلّ على أفضليّة العترة. ولاحظوا كلام نظام الدين النيشابوري في [تفسيره] المعروف، يقول بتفسير قوله تعالى: «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفيكُمْ رَسُولُهُ» «28»: «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ» استفهام بطريق الإنكار والتعجب، والمعنى من أين يتطرّق إليكم الكفر والحال أنّ آيات اللَّه تتلى عليكم على لسان الرسول غضّة، في كلّ واقعة، وبين أظهركم رسول اللَّه يبيّن لكم كلّ شبهة، ويزيح عنكم كلّ علّة [فرسول اللَّه إنّما يكون بين الأُمّة ويبعثه اللَّه إلى الناس لهذه الغاية وهي: يبيّن لكم كلّ شبهة ويزيح عنكم كلّ علّة] قلت: أمّا الكتاب فإنّه باق على وجه الدهر، وأمّا النبي، فإنّه وإن كان قد مضى إلى رحمة اللَّه في الظاهر، ولكن نور سرّه باق بين المؤمنين، فكأنّه باق، على أنّ عترته ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، فيكونون- أي العترة- يبيّنون كلّ شبهة ويزيحون كلّ علّة، ولهذا قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين» «29». فمسألة الأفضليّة أيضاً واضحة على ضوء أحاديث القوم وكلمات علمائهم.وأمّا حديث السفينة، فذاك دليل آخر على أفضليّتهم وعلى عصمتهم أيضاً.
أفضلية الأئمة واحداً واحداً:وأمّا أفضليّتهم واحداً واحداً، أي من الحسن والحسين إلى آخرهم عليهم السّلام، فأذكر لكم حول كلّ إمامٍ بعض الكلمات :
الحسنان سلام اللَّه عليهما: ثبتت أفضليّتهما بآية المباهلة وآية التطهير وغيرهما، وبالأحاديث المتّفق عليها الواردة في حقّهما، كقوله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم): «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»، رواه أحمد في [المسند]، والترمذي والنسائي في [صحيحيهما] والحاكم في [المستدرك]، وهو أيضاً في [الإصابة] وغير هذه الكتب «30»، وحتّى أنّ المناوي يقول عن السيوطي: إنّ هذا الحديث متواتر «31».
الإمام السجّاد (عليه السّلام)(: وصفه النبي (صلّى اللَّه عليه وآله) بزين العابدين، والحديث متّفق عليه، ومن رواته صاحب [الصّواعق] «32»، وعن يحيى بن سعيد إنّه قال: هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة «33» وقصيدة الفرزدق في حقّه معروفة ومشهورة «34».
الإمام الباقر (عليه السّلام): أعلم الناس وأفضلهم في عهده، ولذا لقّبه النبي بالباقر «35»، لأنّه بقر العلم، وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريج والأوزاعي والزهري وغيرهم، وهؤلاء أئمّة أهل السنّة في ذلك العصر.
الإمام الصادق (عليه السّلام): قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد «36»، وقد حضر عنده هو ومالك بن أنس وغيرهما من أئمّة أهل السنّة، وفي [مختصر التحفة الإثنا عشرية] عن أبي حنيفة إنّه قال: لولا السنتان لهلك النعمان «3»، يعني السنتين اللتين حضر فيهما عند الإمام الصادق (عليه السّلام)، وقال ابن حبّان: من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلًا.
الإمام الكاظم (عليه السّلام): لقّبوه بالعبد الصالح كما في [تهذيب الكمال] وغيره من المصادر «37»، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: مناقبه كثيره «38»، وقال ابن حجر المكي في [الصواعق]: كان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم «39»، قالوا: وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند اللَّه «40»- أي في حياته وبعد حياته- وقد ذكروا له كرامات عجيبة، كقضيّته مع شقيق البلخي التي ذكرها ابن الجوزي في [صفة الصفوة] «41».
الإمام الرضا (عليه السّلام): ذكروا: إنّه كان يجلس في المسجد النبوي ويفتي الناس وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، لاحظوا هذه الكلمة في [تهذيب التهذيب] وفي [المنتظم] لابن الجوزي وغيرهما من الكتب «42»، وقد رووا أنّ من تلامذته: أحمد بن حنبل كما في [سير أعلام النبلاء] «43»، وقال الذهبي عن الإمام الرضا (عليه السّلام): كان سيّد بني هاشم في زمانه وأجلّهم وأنبلهم وكان المأمون يعظّمه ويخضع له «44»، وقال ابن حجر: قال الحاكم: سمعت أبا بكر بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافرون، خرجنا إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس، فرأيت من تعظيمه- أي تعظيم ابن خزيمة- لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا «45». فليسمع من يحرّم زيارة القبور والتضرّع عند القبور في المشاهد المشرفة.
الإمام الجواد (عليه السّلام): قال الذهبي بترجمته: من سادات أهل بيت النبوّة، وكذا قال الصفدي «46»، وفي [تاريخ الخطيب] ما يفيد أنّه كان يرجع إليه- أي إلى الإمام الجواد- في معاني الأخبار وحقائق الأحكام «47».
الإمام الهادي (عليه السّلام): قال الخطيب: أشخصه جعفر المتوكل من مدينة رسول اللَّه إلى بغداد، ثمّ إلى سرّ من رأى، فقدِمها وأقام فيها عشرين سنة وتسعة أشهر، ولذا عرف بالعسكري «48»، وقال الذهبي: كان المتوكل فيه نصب وانحراف «49». وقد شهد أعلام أهل السنّة بفقه الإمام الهادي وعبادته وزهده، قال اليافعي: كان الإمام علي الهادي متعبّداً فقيهاً إماماً «50»، وقال ابن كثير: كان عابداً زاهداً «51». وكان (سلام اللَّه عليه) أعلم علماء عصره، وقد ظهرت منزلته العلميّة في قضيّة اتّفقت للمتوكل عجز العلماء عن إعطاء الرأي الصحيح فيها، وكان الرأي في تلك القضية للإمام (عليه السّلام)، ذكر القضيّة الخطيب البغدادي في [تاريخ بغداد] «52».
الإمام العسكري (عليه السّلام): كان أكثر عمره تحت النظر، وكان الناس ممنوعين من الالتقاء به، والاستفادة منه، وحال الحكام دون أن تظهر علوم هذا الإمام (عليه السّلام) للأُمّة، ومع ذلك، فقد ظهرت منه فوائد، وظهرت منه كرامات، ونقلت عنه روايات كثيرة، وبإمكانكم المراجعة إلى كتاب [حلية الأولياء] وإلى [لسان الميزان] «53»، وإلى [الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة] «54» وإلى [الصواعق المحرقة] «55»، وإلى [نور الأبصار] «56» وإلى [روض الرياحين لليافعي] «57» وإلى [جامع كرامات الأولياء] للنبهاني «58»، وغير هذه الكتب. وإن أردتم أن تعرفوا ابن تيميّة ورأيه في هؤلاء الأئمّة وحقده وتعصّبه ونصبه، فراجعوا كتاب [منهاج السنّة]، ولربّما نخصص ليلة للتحقيق عمّا جاء في منهاج السنّة في حقّ الأئمّة والشيعة والتشيّع. ونسأل اللَّه التوفيق لنا ولكم .
وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.
ــــــــــــــــــــ
( 1) مسند أحمد 5/ 16.
( 2) مسند أحمد 1/ 398.
( 3) المصدر 5/ 86.
( 4) صحيح مسلم 6/ 3- 4.
( 5) صحيح البخاري 9/ 101.
( 6) سنن الترمذي 4/ 80 رقم 2223.
( 7) سنن أبي داود 2/ 3094 رقم 4280.
( 8) فتح الباري 13/ 180.
( 9) المعجم الكبير 2/ 196 رقم 1794.
( 10) فتح الباري 13/ 180.
( 11) ينابيع المودّة 2/ 315 رقم 908، 3/ 290 رقم 4.
( 12) صحيح البخاري 9/ 101.
( 13) منهاج السنّة 4/ 326- 327.
( 14) إذن، يظهر: إنّ الملاك في الأئمّة أن يكونوا عدولًا، حتّى يُعَدوا في الإثني عشر الذين أرادهم رسول اللَّه، فيعترض على القوم لماذا أدخلتم يزيد بن معاوية وأخرجتم عمر بن عبدالعزيز والحال أنّ عمر بن عبدالعزيز معروف بالعدل؟
( 15) البداية والنهاية 6/ 249- 250.
( 16) لنا بحث طويلٌ حول هذا الحديث، يقع في جهتين:
الأولى: في تحقيق الوجوه التي ذكرها القوم في معناه، ونقدها واحداً واحداً.
والثانية: في بيان معناه على ضوء الأدلّة المتقنة من الكتاب والسنّة، لا سيّما سائر الأحاديث الصحيحة الواردة في الموضوع، لأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً.
وبعبارة أُخرى: يتكوّن البحث في معنى هذا الحديث من فصلين:
أحدهما: في الموانع عن انطباق الحديث على الأشخاص الذين ذكرهم القوم.
والثاني: في مصاديقه الذين قصدهم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم).
وكلّ ذلك بالنظر إلى الأحاديث الصحيحة وأخبار أولئك الأشخاص المدوّنة في كتب السير والتواريخ.
هذا، وقد توافق القوم على ذكر جملةٍ من ملوك بني أُميّة في عداد الخلفاء الإثني عشر، وذلك باطلٌ بالنظر إلى أن الحديث في« الخلفاء» لا« الملوك» وبالنظر إلى ما ورد في كتب الفريقين في ذمّ بني أُميّة، لا سيّما الحديث المعتبر بتفسير قوله تعالى:« ... وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ»[ سورة الاسراء( 17): 60] من أنّ المراد بنو أُميّة.
( 17) عارضة الأحوذي في شرح الترمذي 9/ 69.
( 18) فتح الباري 13/ 180.
( 19) المصدر 13/ 181.
( 20) أنظر: شرح احقاق الحق 7/ 478.
( 21) كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: 44.
( 22) المصدر: 89.
( 23) المصدر: 130.
( 24) فيض القدير 3/ 15.
( 25) الصواعق المحرقة: 232.
( 26) شرح المواهب اللدنّيّة 7/ 7- 8.
( 27) شرح المقاصد 5/ 303.
( 28) سورة آل عمران( 3): 101.
( 29) تفسير النيسابوري( غرائب القرآن ورغائب الفرقان) 2/ 221.
( 30) مسند أحمد 3/ 3، 62، 64، 82، سنن الترمذي 6/ 313 رقم 3767 و 3768، سنن النسائي 5/ 50 رقم 8169، و 81 رقم 8298، و 95 رقم 8365، و 145 رقم 8514 ... وغيرها، المستدرك على الصحيحين 3/ 167، الإصابة 1/ 330، صحيح ابن حبّان 15/ 411، المصنّف لابن أبي شيبة 7/ 512 رقم 2 و 3 و 5.
( 31) فيض القدير 3/ 415.
( 32) الصواعق المحرقة: 305.
( 33) الجرح والتعديل 6/ 179، التاريخ الكبير 6/ 267.
( 34) ديوان الفرزدق 2/ 178.
( 35) تاريخ اليعقوبي 2/ 320.
( 36) سير أعلام النبلاء 6/ 257.
( 37) مختصر التحفة الإثنا عشرية: 8.
( 38) تهذيب الكمال 29/ 44، تاريخ بغداد 13/ 27.
( 39) تهذيب التهذيب 10/ 303.
( 40) الصواعق المحرقة: 307.
( 41) الصواعق المحرقة: 307.
( 42) صفة الصفوة 2/ 185.
( 43) تهذيب التهذيب 7/ 339، المنتظم فى تاريخ الأم والملوك 10/ 119- 120 رقم 1114.
( 44) سير أعلام النبلاء 9/ 388.
( 45) تاريخ الإسلام( 201- 210): 270.
( 46) تهذيب التهذيب 7/ 339.
( 47) تاريخ الإسلام( 211- 220): 385، وفيه« كان من سَرَوات آل بيت النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم).
( 48) تاريخ بغداد 3/ 54.
( 49) المصدر 12/ 56.
( 50) سير أعلام النبلاء 12/ 35، الكامل في التاريخ 7/ 55.
( 51) مرآة الجنان 2/ 119.
( 52) البداية والنهاية 11/ 15.
( 53) تاريخ بغداد 12/ 56- 57.
( 54) لسان الميزان 1/ 209.
( 55) الفصول المهمّة في معرفة الأئمة: 284- 290.
( 56) الصواعق المحرقة: 313- 314.
( 57) نور الأبصار: 183- 185.
( 58) روض الرياحين، وعنه جواهر العقدين ق 2 ج 2/ 431.
( 59) جامع كرامات الأولياء 2/ 18.