ذكر ايات التوراة الدالة على نبوة النبي محمد (صلى الله عليه واله)
بسم الله الرحمن الرحيم
إنهم لا يقدرون على أن يجحدوا هذه الآية من الجزء الثاني من السفر الخامس من التوراه: ( نابي أقيم لاهيم مقارب اجئهيم كاموخا ايلا ويشماعون ) تفسيره: نبيا أقيم لهم من وسط أخوتهم مثلك به فليؤمنوا. وإنما أشار بهذا إلى أنهم يؤمنون بمحمد فإن قالوا إنه قال: من وسط إخوتهم وليس في عادة كتابنا أن يعني بقوله إخوتكم إلا بني إسرائيل قلنا بلى فقد جاء في التوراة إخوتكم بنو العيص وذلك في الجزء الأول من السفر الخامس قوله: ( أتيم عوبريم بقبول احيحم بنى عيسى وهيو شئيم بسيعير ) وتفسيره: أنتم عابرون في تخم إخوتكم بني العيص المقيمين في سعير إياكم أن تطمعوا في شيء من أرضهم. فإذا كان بنو العيص إخوة لبني إسرائيل لأن العيص وإسرائيل ولدا إسحاق فكذلك بنو إسماعيل إخوة لجميع ولد إبرهيم. وإن قالوا إن هذا القول إنما أشير به إلى شموائيل النبي (عليه السلام) لأنه قال من وسط إخوتهم مثلك. وشموائيل كان مثل موسى لأنه من أولاد ليوى يعنون من السبط الذي كان منه موسى قلنا لهم فإن كنتم صادقين فأي حاجة بكم إلى أن يوصيكم بالإيمان بشموائيل وأنتم تقولون إن شموائيل لم يأت بزيادة ولا بنسخ أأشفق من أن لا تقبلوه إنه إنما أرسل ليقوى أيديكم على أهل فلسطين وليردكم إلى شرع التوراة ومن هذه صفته فأنتم أسبق الناس إلى الإيمان به لأنه إنما يخاف تكذيبكم لمن ينسخ مذهبكم ويغير أوضاع ديانتكم فالوصية بالإيمان به مما لا يستغني مثلكم عنه ولذلك لم يكن لموسى حاجة أن يوصيكم بالإيمان بنبوة أرميا وأشعيا وغيرهما من الأنبياء وهذا دليل على أن التوراة أمرتهم في هذا الفصل بالإيمان بالمصطفى واتباعه. الإشارة إلى اسمه في التوراة قال الله تعالى في الجزء الثالث من السفر الأول من التوراة مخاطبا إبراهيم الخليل (عليه السلام) وأما في إسماعيل فقد قبلت دعاءك ها أنا قد باركت فيه وأثمره وأكثره جدا جدا ذلك قوله: ( وليشماعيل شمعيتخا هني يبرختي أونوا وهفريثي أوثو وهز بيثي أوثو بمادماد ) فهذه الكلمة بمادماد إذا عددنا حساب حروفها بالجمل كان اثنين وتسعين وذلك عدد حساب حروف اسم محمد فإنه أيضا اثنان وتسعون وإنما جعل ذلك في هذا الموضوع ملغزا لأنه لو صرح به لبدلته اليهود أو أسقطته من التوراة كما عملوا في غير ذلك فإن قالوا: إنه قد يوجد في التوراة عدد كلمات مما يكون عدد حساب حروفه مساويا لعدد حساب حروف اسم زيد وعمرو وخالد وبكر فلا يلزم من ذلك أن يكون زيد وعمرو وخالد وبكر أنبياء. فالجواب إن الأمر كما يقولون لو كان لهذه الآية أسوة بغيرها من كلمات التوراة لكنا نحن نقيم البراهين والأدلة على أنه لا أسوة لهذه الكلمة بغيرها من سائر التوراة وذلك أنه ليس في التوراة من الآيات ما حاز به إسماعيل الشرف كهذه الآية لأنها وعد من الله إبراهيم بما يكون من شرف إسماعيل وليس في التوراة آية أخرى مشتملة على شرف لقبيلة زيد وعمرو وخالد وبكر ثم إنا نبين أنه ليس في هذه الآية كلمة تساوى بمادماد التي معناها جدا جدا وذلك أنها كلمة المبالغة من الله سبحانه فلا أسوة لها بشيء من كلمات الآية المذكورة وإذا كانت هذه الآية أعظم الآيات مبالغة في حق إسماعيل وأولاده وكانت تلك الكلمة أعظم مبالغة من باقي كلمات تلك الآية فلا عجب أن تتضمن الإشارة إلى أجل أولاد إسماعيل شرفا وأعظمهم قدرا (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذ قد بينا أنه ليس لهذه الكلمة أسوة بغيرها من كلمات هذه الآية ولا لهذه الآية أسوة بغيرها من آيات التوراة فقد بطل اعتراضهم.