الإيمان مشروط بالالتزام بالعمل الصالح : موسّع
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ حقيقةَ الإيمان وان كانت هي الإعتقاد القلبي (المشروط بالإظهار أو عدم الإنكار على الأقلّ) ولكن يجب ان لا يُظَنَّ أنّ هذا القَدَر من الإيمان كافٍ في فلاحِ الإنسانِ، بل يجب على الشَخْصِ أن يَلتَزِمَ بلوازم الإيمان وآثاره العَمَليّة أيضاً.
ولهذا فقد وُصِف المؤمنُ الواقعي وعُرّف في كثير من الآيات والرّوايات بأنه الملتزم بآثار الإيمان، والمؤدّي للفرائض الإلهيّة.
فقد اعتبر القرآنُ الكريمُ في سورة «العصر» كلّ الناس في خسر إلّا من اتّصف بالصّفات التالية حيث قال: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالحَقّ وَتَواصَوْا بِالصَّبرِ»«1».
وقد روى الإمامُ الباقر (عليه السلام) عن الإمام علي (عليه السلام) أن رجلًا قال له: من شهد أن لا إله إلّا اللهُ وأنّ محمّداً رسولُ الله (صلى الله عليه و آله و سلم) كانَ مؤمناً؟
قال: «فأينَ فرائضُ اللَّه؟»«2».
وَقال (عليه السلام) أيضاً: «لو كانَ الإيمان كلاماً، لم ينزلْ فيه صومٌ، ولا صلاةٌ، ولا حلالٌ، ولا حرام»«3». فيُستنتَج من البَيان السابق أنّ الإيمان ذو مراتب ودَرَجات، وأنّ لكلِ مرتبة أثراً خاصّاً بها، وأن الاعتقاد إذا اقترن بالإظهار أو عدم الإنكار على الأقل، كان أضعف مراتب الإيمان وأدونها، وتترتّب عليه سلسلةٌ من الآثار الدِينيّة، والدنيويّة، في حين أن المرتبة الأُخرى للإيمان التي توجب فلاحَ الإنسان في الدنيا والآخرة رهنٌ للإلتزام بآثاره العمليّة.
والنقطة الجديرةُ بالِذّكر هي أنّ بعضَ الروايات اعتبرت العَمَلَ بالفرائض الدينيّة ركناً من أركان الإيمان، فقد روى الإمامُ الرضا (عليه السلام) عن رسولِ اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه قال: «الإيمان معرفة بالقلب وإقرارٌ باللسان وعملٌ بالأركان»«4».
وفي بعضِ الرّوايات جُعِلَت أُمور، مثل إقامة الفرائض، وأداء الزكاة والحج، وصومِ شهرِ رمَضَان، إلى جانب الشهادتين أيضاً«5».
إنّ هذه الروايات إمّا هي ناظرةٌ إلى أنّه يمكن تمييز المسلم عن غير المسلم بواسطة هذهِ الأَعمال، أو أنّ ذكرَ الشهادتين إنّما يكونُ سبباً للنجاة وموجباً للفلاح إذا اقترنَت وانضمّت إلى أعمالٍ شرعيةٍ أهمُّها وأبرزُها: الصلاةُ، والزكاةُ، والحجُ، والصوم.
بالنَظَر إلى هذين الأصلين يجب أن لا تُكَفِّرَ أيَّةُ فِرقة من فِرَقِ المسلمين الفرقةَ الإسلامية الأُخرى التي تخالفُها في بعض الفرُوع، لأنّ ملاكَ «الكُفر» هو أنْ ينكرَ الشخصُ أحدَ الأُصول الثلاثة، أو إنكار ما يلزَمُ من إنكاره إنكار أحَدِ الأُصول الثلاثة المذكورَة، وهذه الملازمة إنّما تتحقَّق إذا كان حكمُ ذلك الشيء بديهيّاً من وجهة نظرِ الشَرع، وواضحاً جِدّاً إلى درجة أنّه لا يستطيع أنْ يجمعَ بين إنكاره والاعترافِ بالأُصول الثلاثة. وعلى هذا الأساس ينبغي للمسلمين أن يحفظوا في جميع المراحل أُخوَّتَهم الإسلاميَّة، ولا يَسْمَحُوا بأنْ يَصيرَ الاختلافُ في الأُمور المتعلّقة بالاصولِ سبباً للنزاع، وربّما لتفسيقِ أو تكفير فرقةٍ لأُخرى، وأن يكتفوا في الاختلافات الفكريّة والعقيديّة بالحوار العلميّ والمناقشة الموضوعيّة، ويتجنَّبوا إقحام التعصُّب غير المنطقيّ، والإتهام والتحريف في هذا المجال ابقاءً على الصّفاء والمودّة بين المسلمين.
لا يجوز تكفير المسلم المعتقد بالأُصول الثلاثة
إنّ المسلمين في عالمنا الراهن يتّفقون في الأُصُول الأساسية الثلاثة«6»، فيلزمُ أنْ لا يكفِّرَ فريقٌ فريقاً آخر بسبب الاختلاف في بعض الأُصولِ، أو الفروع الأُخرى، وذلك لأَنَّ الكثيرَ من الأُصول المختَلف فيها، هي في الحقيقة من القضايا الكلاميّة التي طرِحَت على بساط البحثِ والمناقشة بين المسلمين فيما بعد، ولكَلِّ فريقٍ منهم أدلّتهُ وبراهينهُ فيها.
وعلى هذا لا يُمكن أن يُتّخَذَ الاختلافُ في هذه المسائل وسيلةً لتكفير هذه الفرقة، أو تلك أو ذريعة لتفسيق هذه الطائفة، أو تلك، ولا سبباً لِتفتيت وحدةِ المسلمين.
إنّ أفضلَ الطُرق لحلّ هذا الإختلاف هو الحوارُ العلميُّ بمنأى عن العَصَبيّات الجافّة، وَالمواقف المتزمّتة وغير الموضوعية. يقول القرآنُ الكريمُ في هذا الصَّدَد:
«يا أيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلّا تَقُولُوا لِمَنْ أَلقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً»«7». ولقد صرّح النبيُ الأكرمُ (صلى الله عليه و آله و سلم) بعد ذكرهِ لأهَمّ أُسُس الإسلامِ وأُصُوله، بأنَّه لا يحقُّ لمسلمٍ أنْ يُكفّرَ مُسلماً آخر لارتكابه معصية، أو يرميَه بالشرك، إذ قال: «لا تُكَفّروُهُمْ بِذَنبٍ ولا تَشْهَدُوا عليهِم بِشِرْكٍ»«8».
(1) العصر/3
(2) الكافي: 2/ 33
(3) الكافي: 2/ 33، الحديث 2
(4) عيون أخبار الرضا: 1/ 226
(5) صحيح البخاري: 1/ 16، كتاب الإيمان شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسولُ الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ، وصوم رمضان
(6) وهي الأُصُول التي يرتبط تحقّق« الإيمانُ» و« الكفرُ» بقبولها أو رفضِها. وهي: الشهادة بوحدانية الله، والإيمان بنبوة خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) والمعاد في يوم القيامة
(7) البقرة/ 117
(8) بحار الأنوار: 2/ 263، مسند أحمد: 4/ 126، 12