لايمكن تقديم الصحابة على اهل البيت الرسول
بسم الله الرحمن الرحيم
إن من الأمور الخلافية بين مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وبين أهل السنة هي مسألة عدالة الصحابة وتقديم الصحابة على أهل البيت (عليهم السلام). فإن أهل السنة يقدّمون الصحابة على أهل البيت وأما مذهب أهل البيت ورأي شيعة أمير المؤمنين على عكس ذلك تماماً، حيث إننا نرى أنه يجب تقديم أهل البيت على الصحابة.
ولأجل الوقوف على تفاصيل المسألة يجب معرفة الفرق في المنهج بيننا نحن الشيعة وبينكم انتم أهل الفرق في النظرة إلى الصحابة غير أهل البيت (عليهم السلام)، وفي الاعتقاد بهم.
إننا نؤمن بحرية البحث العلمي في الصحابة, وأن المسلم له الحق الشرعي أن يعتقد في أي منهم ما يتوصل إليه اجتهاده أو تقليده بينه وبين ربه, وهو معذور إن عمل بشروط الاجتهاد والتقليد المتفق عليها بين المسلمين. بينما يريد المغالين في الصحابة تحريم البحث العلمي فيهم, وحتى البحث في تقييم بعضهم لبعض, أو تقييم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم, فكل ذلك عندهم حرام ومقفل عليه بأقفال!!
إننا نحترم الصحابة ونحترم آراء المسلمين فيهم, ولكن نقول: إنهم حسب تعريفكم: كل من رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومات مسلماً، يبلغون مائتي ألفاً وأكثر، ويشملون حتى الكفار الذين حاربوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى عجزوا، ثم أسلموا تحت السيف!
وعقيدتنا: أنهم (ما عدا أهل البيت المنصوص عليهم (صلى الله عليه وآله وسلم)) فيهم المخلص المهاجر الصالح المجاهد، وفيهم المتوسط، وفيهم العادي.
فيجب أن نعطي للمسلم حرية البحث والاعتقاد فيهم بما يتوصل إليه بينه وبين ربه، ونلخصه في الفروق التالية:
روى البخاري وغيره: أن المسلمين سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف نصلي عليك؟ يعني في الصلاة وغيرها، فعلمهم أن يقرنوا معه آله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي صيغة توقيفية فلا يجوز لنا أن نقول (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين) لأنه استدراك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!
ومن جهة أخرى ثبت: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر عن ربه بأن العديد من أصحابه يمنعون من الورود على حوض الكوثر يوم القيامة، ويؤمر بهم إلى النار!!
وهو الحديث المعروف بحديث الحوض الصحيح, وفي بعض نصوصه: أنه لا ينجو منهم (إلا مثل همل النعم) (1)!!
وهمل النعم: الأنعام المنفردة عن القطيع! فلا يجوز للمسلم شرعاً أن يقرن برسوله في الصلاة عليه جماعة فيهم من أهل النار!!
نعم يجوز أن يترضى المسلم عن الصالحين من الصحابة عندكم وعندنا لكن بدون أن يقرنهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
يُفضّل غيرُنا الصحابةَ على العترة الطاهرة من أهل البيت (عليهم السلام)، وحجتهم: أنهم صحابة وصاروا خلفاء! فتراهم يعرضون عن أهل بيت نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)، في عقائدهم وفقههم، ويعرضون عن ذكر فضائلهم ومناقبهم، بل تراهم ينفرون أحياناً من ذلك!! مع أن أهل البيت (عليهم السلام) صحابة وأهل بيت وعترة!!
أما نحن فنفضّل أهل البيت (عليهم السلام) على الصحابة، لكن ليس بسبب صحبتهم ولا بسبب نسبهم فقط, بل ولأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرنا بتفضيلهم وإتباعهم من بعده، وذلك في عدة أحاديث متواترة أو صحيحة عندنا وعندكم، مثل حديث الثقلين الصحيح المتواتر عند الجميع، وحديث أن حب علي وبغضه ميزان للإيمان والنفاق، وحديث الكساء الذي حدد فيه من هم أهل بيته وآله وعترته وجعله مصطلحاً إسلامياً، وحديث المباهلة حيث اختارهم بأمر ربه وباهل بهم النصارى، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)... وعشرات الأحاديث المتفق عليها بين الجميع، في مقامهم ووجوب مودتهم وإتباعهم!!
إن الله تعالى كلفنا بولاية أهل البيت النبوي الطاهرين (عليهم السلام) وإتباعهم، ولم يكلفنا بإتباع الصحابة، فالذي يسألنا الله عنه في حشرنا ونشرنا هو الكتاب والعترة كما نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), ولا نسأل عن رأينا في الصحابة وعقيدتنا فيهم إلا بمقدار ما يتعلق بأهل البيت النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلماذا نكلف أنفسنا أمراً لم يكلفنا إياه الله تعالى، ولا يسألنا عنه يوم القيامة؟!!
إن الجميع متفقون على أن صلاة المسلم لا تصح إلا بالصلاة على محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا أعظم دليل على أن الله تعالى يريدنا أن نصلي عليهم مع رسوله في كل صلاة. ولم يفت أحد من فقهاء المسلمين حتى الخوارج بوجوب الصلاة على الصحابة! بل إن إضافة (وصحبه) في الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبطل الصلاة! أما في غير الصلاة فهي حسب أصولكم بدعة، لأنه لا يوجد فيها حتى حديث ضعيف!
وإذا كان هذا حال جواز الصلاة عليهم, فلماذا لا يترك للمسلم حرية الاعتقاد فيهم حسب ما يصل إليه رأيه أو رأي من يقلّده, مع مراعاة مشاعر المحبّين لهم المغالين فيهم!!
على ضوء ما تقدم، كيف يجوز للمسلم أن يجعل الصحابة عصاً يرفعها في وجوه المسلمين، ويسلبهم حريتهم في البحث والاعتقاد، ويجبرهم على أن يقلّدوه فيعتقدوا بعدالتهم جميعاً؟!
كيف يجوز لأحد أن يحاسب المسلمين على نظرتهم إلى مائتي ألف مسلم رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! ويجبرهم على القول برأيه فيهم، ويصادر حريتهم، ويفتش عن قلوبهم، ولا يحملهم على الأحسن ويعذرهم!
لا يصح أن يكون المسلمون ملكيين أكثر من الملك، فيقولون في الصحابة ويعتقدون فيهم ما لم يكونوا يعتقدونه في أنفسهم! فقد كان لبعض الصحابة آراء شديدة في بعضهم، وطعن بعضهم في بعض وشتم بعضهم بعضاً، وكفَّر بعضهم بعضاً، وقاتل بعضهم بعضاً، وقتله!
وقد روى الجميع موقف سعد بن عبادة رحمه الله وهو صحابي جليل وزعيم الأنصار، حيث اعترض عليهم في السقيفة وأدانهم، فأرادوا قتله، ولم يبايع أبا بكر ولا عمر، وكان يتكلم عليهم أغلظ الكلام ويتهمهم بأشد التهم! وقد روى الطبري: 3/210، أن سعداً قال لهم: (لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم، حتى أعرض على ربي! وكان لا يصلي معهم)!
وروى البخاري قصته مخففة: 2/291، عن لسان عمر. ولما صار عمر خليفة قال لسعد: كرهت جوارك، ونفاه إلى سوريا، وبعد مدة يسيرة قتل هناك فاتهموا عمر بقتله!
وكذلك كان موقف علي وفاطمة (عليهما السلام) وكافة أهل البيت (عليهم السلام) وبني هاشم، من السقيفة خلافة أبي بكر، فقد قال علي لأبي بكر كما في تاريخ المسعودي: 1:414: (أفسدت علينا أمورنا، ولم تستشر ولم ترع لنا حقاً)!
وروى ابن قتيبة وهو من كبار علماء السنة، في كتابه الإمامة والسياسة: أن عمر جاء بمسلحين ومعهم حطب وهاجموا بيت علي وفاطمة ليجبروهم على البيعة، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها! فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة! فقال: وإنْ!! فخرجوا فبايعوا إلا علياً، فوقفت فاطمة على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تروا لنا حقاً... فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة!) (2).
ثم روى ابن قتيبة محاولة أبي بكر وعمر أن ترضى فاطمة عنهما، ولكنها بقيت غاضبة تدعو عليهما بعد كل صلاة!
قال ابن قتيبة: (فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام! فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله! والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني متُّ ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلا أني سمعت أباك رسول الله يقول: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة. فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم. فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)! قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه! فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصليها! ثم خرج باكياً فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه! لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي! قالوا: يا خليفة رسول الله، إن هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين. فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعدما سمعت ورأيت من فاطمة! قال: فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنهما، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمساً وسبعين ليلة).
وأخيراً روى مسلم: مناقشة عمر لعلي والعباس في أوقاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه قال لهما: (فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال أبو بكر أنا وليُّ رسول الله فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ما نورث ما تركنا صدقة! فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً! والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق! ثم توفي أبو بكر وأنا وليُّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ووليُّ أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق) (3). انتهى.
فكان طبيعياً إذن، أن يكون لبعضهم رأي سلبي في الآخر، كما رأيت من رأي سعد وعلي وفاطمة (عليهما السلام) والعباس.. ولم تقع السماء على الأرض!
رويتم عن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلى يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء، بعضها أضوأ من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى).
وقد أخرجه الخطيب في الكفاية/66، في باب في تعديل الصحابة، وعبد بن حميد في مسنده/250، بلفظ آخر عن ابن عمر، أن رسول الله قال: مثل أصحابي مثل النجوم يهتدى به، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم).
وأخرجه الديلمي في مسنده: 4/ 447، عن ابن عباس بلفظ: (أصحابي بمنزلة النجوم بأيهم أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة). انتهى.
ومع أن علماء الجرح والتعديل ضعَّفوا هذا الحديث وحكموا بأنه موضوع، لكن علماءكم قبلوه واحتجوا به في الفقه وأصول الفقه وغيرهما. فيصح لنا أن نحتج به فنقول: مادام الصحابة كلهم نجوم هداية، وسعد بن عبادة رحمه الله مثلاً من كبارهم وخيارهم، فيصح أن نقتدي به، ويكون رأينا سلبياً في أبي بكر وعمر مثل رأيه، ونكون مهتدين مقبولين عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومما سبق يتضح أحقية شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في قولهم ورأيهم في الصحابة وأنه لا يجوز تقديم الصحابة على أهل البيت (عليهم السلام).