Header


  • الصفحة الرئيسية

من نحن في التاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • معنى الشيعة (13)
  • نشأة الشيعة (24)
  • الشيعة من الصحابة (10)
  • الشيعة في العهد الاموي (10)
  • الشيعة في العهد العباسي (4)
  • الشيعة في عهد المماليك (1)
  • الشيعة في العهد العثماني (2)
  • الشيعة في العصر الحديث (1)

من نحن في السيرة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الشيعة في أحاديث النبي(ص) (1)
  • الشيعة في احاديث الائمة (ع) (0)
  • غدير خم (0)
  • فدك (3)
  • واقعة الطف ( كربلاء) (0)

سيرة اهل البيت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

عقائدنا (الشيعة الامامية) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في اصول الدين (0)
  • في توحيد الله (8)
  • في صفات الله (32)
  • في النبوة (9)
  • في الانبياء (4)
  • في الامامة الالهية (11)
  • في الائمة المعصومين (14)
  • في المعاد يوم القيامة (16)
  • معالم الايمان والكفر (30)
  • حول القرآن الكريم (22)

صفاتنا :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الخلقية (2)
  • العبادية (5)
  • الاجتماعية (1)

أهدافنا :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في تنشئة الفرد (0)
  • في تنشئة المجتمع (0)
  • في تطبيق احكام الله (1)

إشكالاتنا العقائدية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في توحيد الله (41)
  • في صفات الله (17)
  • في التجسيم (34)
  • في النبوة (1)
  • في عصمة الانبياء (7)
  • في عصمة النبي محمد (ص) (9)
  • في الامامة (68)
  • في السقيفة (7)
  • في شورى الخليفة الثاني (1)
  • طاعة الحكام الظلمة (6)
  • المعاد يوم القيامة (22)
  • التقمص (3)

إشكالاتنا التاريخية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عهد النبي (ص) (14)
  • في عهد الخلفاء (20)
  • في العهد الاموي (14)
  • في العهد العباسي (3)
  • في عهد المماليك (5)
  • في العهود المتأخرة (18)

إشكالاتنا الفقهية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • كيفية الوضوء (4)
  • كيفية الصلاة (5)
  • اوقات الصلاة (0)
  • مفطرات الصوم (0)
  • احكام الزكاة (0)
  • في الخمس (0)
  • في الحج (2)
  • في القضاء (0)
  • في النكاح (7)
  • مواضيع مختلفة (64)

إشكالاتنا على أهل الكتاب (النصارى) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عقيدة التثليث (32)
  • على التناقض بين الاناجيل (41)
  • صلب المسيح (17)

إشكالاتنا على أهل الكتاب (اليهود) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • عدم تصديقهم الانبياء (6)
  • تشويههم صورة الانبياء (8)
  • نظرية شعب الله المختار (1)
  • تحريف التوراة (0)

إشكالاتنا على الماديين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التفسير المادي للكون (1)
  • نظرية الصدفة وبناء الكون (0)
  • النشوء والارتقاء (0)
  • اصل الانسان (0)

ردودنا التاريخية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • في عهد الرسول(ص) (9)
  • في عهد الخلفاء (12)

ردودنا العقائدية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • حول توحيد الله (2)
  • حول صفات الله (7)
  • حول عصمة الانبياء (3)
  • حول الامامة (34)
  • حول اهل البيت (ع) (45)
  • حول المعاد (1)

ردودنا الفقهية على فرق المسلمين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • حول النكاح (2)
  • حول الطهارة (0)
  • حول الصلاة (3)
  • حول الصوم (0)
  • حول الزكاة (0)
  • حول الخمس (0)
  • حول القضاء (0)
  • مواضيع مختلفة (6)

ردودنا على أهل الكتاب (النصارى) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

ردودنا على أهل الكتاب (اليهود) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

ردودنا على الماديين :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • اثبات وجود الله (0)
  • العلم يؤيد الدين (2)

كتابات القراء في التاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في السيرة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في العقائد :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في الفقه :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء في التربية والأخلاق :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

كتابات القراء العامة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا

  • القسم الرئيسي : إشكالاتنا على أهل الكتاب (النصارى) .

        • القسم الفرعي : صلب المسيح .

              • الموضوع : إبطال الصلب بنبوءات التوراة .

إبطال الصلب بنبوءات التوراة

بسم الله الرحمن الرحيم


تحتل النبوءات في الفكر المسيحي مكانة سامقة، جعلت بعض النصارى يشترطون لصحة النبوة أن يسبقها نبوءة. وحادثة صلب المسيح - كما يعتبرها النصارى - أحد أهم أحداث المعمورة، فكان لابد وأن يتحدث عنها الأنبياء في أسفارهم، وأن يذكرها المسيح لتلاميذه. فهل أخبرت الأنبياء بصلب المسيح وقيامته؟ وهل أخبر المسيح تلاميذه بذلك؟ والإجابة النصرانية عن هذا التساؤل كانت بالإيجاب، وأن ذلك في مواضع كثيرة من الأناجيل والرسائل والأسفار التوراتية. ولعل من نافلة القول أن نذكر بأن النصارى يعتبرون أسفار التوراة جزءً مقدساً كتابهم المقدس، كيف لا والأناجيل ما فتئت تحيل إلى هذه الأسفار، تستمد منها تنبؤاتها المستقبلية، التي تحققت في شخص المسيح في حياته أو حين صلبه؟ وللأسفار التوراتية دور عظيم في مسألة صلب المسيح، فقد أكثرت الأناجيل في هذه القصة من الإحالة إلى أسفار التوراة؛ التي يرونها تتنبأ بالمسيح المصلوب، وكانت نصف هذه الإحالات إلى المزامير المنسوبة لداود وغيره وقد ذكر عيسى (عليه السلام) لتلاميذه ضرورة أن تتحقق فيه النبوءات التوراتية بقوله: " لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" ( لوقا 26/44 ) ويقول: " فتشوا الكتب …. وهي التي تشهد لي " ( يوحنا 5/39 ). والنبوءات التي أحالت إليها الأناجيل بخصوص حادثة الصلب أربع عشرة نبوءة، ذكر متى منها ستاً، ومرقس أربعاً، ولوقا اثنتين، بينما ذكر منها يوحنا سبع نبوءات. ونخلص من هذا إلى أهمية النبوءات التوراتية المتعلقة بصلب المسيح. ويبالغ النصارى في التركيز على أهمية النبوءات التوراتية المتحدثة والمشيرة للمسيح وكثرتها، فيقول القمص سرجيوس في كتابه " هل تنبأت التوراة عن المسيح": " فالمسيح ساطع في كل الكتاب المقدس في إشراق دائم، وليس كالشمس التي تغيب عن نصف الأرض ليلاً، إذ ليس في التوراة أو كتب الأنبياء جزء تغرب عنه شمس المسيح، بل يشع اسمه، وشخصه، وصفاته، وأعماله، وظروفه، وأحواله في التوراة، وكتب الأنبياء، وفي ثنايا سطورها نجد المسيح في كل جملة، وفي كل إصحاح، وفي كل سفر من أسفارها. وما حروفها وكلماتها إلا خطوطاً أو ظلالاً لصورة المسيح المجيدة.... فنحن المسيح يين لا نهتم أين نفتح التوراة وكتب الأنبياء لنجد الكلام عن المسيحي .... "، ورغم ما في الكلام من مبالغة، فإننا - كما يقول منصور حسين - نستشف منه أهمية النصوص التوارتية في الدلالة على المسيح. ولسفر المزامير وموضوع الصلب شاُن خاص يصفه سرجيوس فيقول " أما سفر المزامير فكان الهالة، التي أحاطت بكوكب يسوع، فتكلم حتى عن إحساساته العميقة، وآلامه المبرحة ناهيك عن صفاته وألقابه، أكثر من أي نبي آخر، ويمكننا القول، أن سفر المزامير هو سفر "مسيا" الخاص، بدليل أن الاقتباسات التي اقتبسها كتبة العهد القديم من سفر المزامير هذا بلغت نصف الاقتباسات المأخوذة من العهد القديم كله". ويؤكد عبد الفادي القاهراني أهمية المزامير في كتابه " رب المجد " بقوله: " لم يوجد كتاب مليء بالإشارات والرموز والنبوءات عن المسيح أكثر من كتاب المزامير هذا، وعليه فأهميته في نظر اللاهوتيين تفوق الوصف ". لذلك فإن العلماء المسلمين ارتضوا محاكمة النصارى في هذه المسألة إلى أسفار التوراة، ذلك بأنه ليس من المقبول أن يتصور أحد أن اليهود يغيرون كتبهم لتتمشى مع معتقدات النصارى، لذا فهم يرتضون هذه الكتب معياراً للكشف عن الحقيقة. وقبل أن نشرع، فإنه يحسن التنبيه إلى نقاط الاختلاف والاتفاق بين المسلمين والنصارى في مسألة الصلب. النصارى يقولون بصلب المسيح، بينما يقول المسلمون بأنه لم يصلب، وأنه قد شُبه غيرُ المسيح به، ولا ينفون وقوع صلب لغيره، كما لا ينفون جملة ما ترويه الأناجيل من أحداث صاحبت الصلب أو سبقته، كحديث الأناجيل عن الدعاء الطويل للمسيح في البستان طالباً من الله أن ينجيه من الموت، وأن الجموع حضرت للقبض عليه، وأن ثمة من أخذ من ساحة البستان، وأن المأخوذ حوكم، وصلب، ثم دفن. فالخلاف إنما هو في حقيقة المأخوذ والمصلوب، فيرى المسلمون أنه يهوذا، وأن لحظة الخلاص هي تلك التي أراد الجند أن يلقوا القبض فيها على المسيح، فسقطوا على الأرض، وتدافعت الجند ووقعت المشاعل من أيديهم، ثم نهضوا ليجدوا دليلهم يهوذا الأسخريوطي وحيداً في الساحة، فأخذوه وقد ألقى الله عليه شبه المسيح لينال جزاء خيانته لسيده. وأما المسيح فقد نزلت ملائكة الله وصعدت به إلى السماء، لينجو من المؤامرة بحماية الله العظيم، وأعطي بذلك حياة طويلة تمتد إلى قبيل قيام الساعة حيث ينزل إلى الأرض (عليه السلام) لعيش عليها ويموت في سلام.. [ والسّلام عليّ يوم ولدتّ ويوم أموت ويوم أبعث حيّاً ](مريم: 32). ولسوف نستعرض منها في هذه العجالة ستة مزامير فقط، من نبوءات المزامير، نختصرها من دراسة منصور حسين الرائعة في كتابه الماتع " دعوة الحق بين المسيحيية والإسلام"، والتي شملت ستة وثلاثين مزموراً، والمزامير الستة التي اختارها، يجمعها أنها مما يعتبره النصارى نبوءات تحدثت عن المسيح المصلوب.
أولاً: المزمور الثاني : وفيه: " لماذا ارتجت الأمم، وتفكر الشعوب في الباطل، قام ملوك الأرض، وتآمر الرؤساء معا على الرب، وعلى مسيحه، قائلين: لنقطع قيودها ولنطرح عنا رُبُطهما. الساكن في السماوات يضحك، الرب يستهزئ بهم، حينئذ يتكلم عليهم بغضبه، ويرجفهم بغيظه " ( المزمور 2/1 - 5 ). والمزمور: يراه النصارى نبوءة بالمسيح الموعود. يقول د.هاني رزق في كتابه " يسوع المسيح ناسوته وألوهيته "عن هذا المزمور: " وقد تحققت هذه النبوءة في أحداث العهد الجديد، إن هذه النبوءة تشير إلى تآمر وقيام ملوك ورؤساء الشعب على يسوع المسيح لقتله وقطعه من الشعب، وهذا ما تحقق في أحداث العهد الجديد في فترتين، في زمان وجود يسوع المسيح له المجد في العالم " ويقصد تآمر هيرودس في طفولة المسيح، ثم تأمر رؤساء الكهنة لصلب المسيح. ووافقه " فخري عطية" في كتابه " دراسات في سفر المزامير" و"حبيب سعيد" في "من وحي القيثارة " وويفل ل كوبر في كتابه "مسيا عمله الفدائي" وياسين منصور في "الصليب في جميع الأديان "، فيرى هؤلاء جميعاً أن المزمور نبوءة بالمسيح المصلوب. وقولهم بأن النص نبوءة بالمسيح ورد في سفر أعمال الرسل: " فلما سمعوا رفعوا بنفس واحدة صوتاً إلى الله وقالوا: أيها السيد، أنت هو الإله صانع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. القائل بفم داود فتاك: لماذا ارتجّت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل. قامت ملوك الأرض واجتمع الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه. لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل، ليفعلوا كل ما سبقت فعيّنت يدك ومشورتك أن يكون‏" (أعمال 4/24-31). ولا نرى مانعاً في موافقتهم بأن المزمور نبوءة عن المسيح، فالمزمور يتحدث عن مؤامرات اليهود عليه، وهذا لا خلاف عليه بين المسلمين والنصارى، وإنما الخلاف: هل نجحوا أم لا ؟ فبماذا يجيب النص ؟ يجيب بأن الله ضحك منهم واستهزأ بهم، وأنه حينئذ أي في تلك اللحظة أرجف المتآمرين بغيظه وغضبه. هل يكون ذلك لنجاحهم في صلب المسيح، أم لنجاته من بين أيديهم، ووقوعهم في شر أعمالهم؟
ثانياً: المزمور السابع : وفيه: " يا رب، إلهي عليك توكلت، خلصني من كل الذين يطردونني، ونجني لئلا يفترس كأسد نفسي، هاشماً إياها، ولا منقذ. يا رب، إلهي، إن كنت قد فعلت هذا، إن وجد ظلم في يدي، إن كافأت مسالمي شراً، وسلبت مضايقي بلا سبب، فليطارد عدو نفسي، وليدركها، وليدس إلى الأرض حياتي، وليحط إلى التراب مجدي، سلاه. قم يا رب بغضبك، ارتفع على سخط مضايقي، وانتبه لي. بالحق أوحيت، ومجمع القبائل يحيط بك، فعد فوقها إلى العلا، الرب يدين الشعوب، اقض لي يا رب كحقي، ومثل كحالي الذي في، لينته شر الأشرار، وثبت الصديق، فإن فاحص القلوب والكلى: الله البار، ترسي عند الله مخلص مستقيمي القلوب.
الله قاض عادل، وإله يسخط كل يوم، إن لم يرجع يحدد سيفه: مد قوسه وهيأها، وسدد نحوه آلة الموت، يجعل سهامه ملتهبة. هو ذا يمخض بالإثم، حمل تعباً، وولد كذباً، كرى جُبّاً حفره، فسقط في الهوة التي صنع، يرجع تعبه على رأسه، وعلى هامته يهبط ظلمه. أحمد الرب حسب بره، وأرنم لاسم الرب العلي". (مزمور 7/1-17 ) جاء في كتاب " دراسات في المزامير " لفخري عطية: " واضح أنه من مزامير البقية، إذ يشير إلى زمن ضد المسيح، وفيه نسمع صوت البقية، ومرة أخرى نجد روح المسيح ينطق على فم داود بالأقوال التي تعبر عن مشاعر تلك البقية المتألمة، في أيام الضيق العظيمة ". والربط واضح وبيّن بين دعاء المزمور المستقبلي " يا رب، إلهي، عليك توكلت، خلصني من كل الذين يطردونني ونجني.... " وبين دعاء المسيح ليلة أن جاءوا للقبض عليه. ثم يطلب الداعي من الله عوناً؛ أن يرفعه إلى فوق، في لحظة ضيقه " فعد فوقها إلى العلا "، ويشير إلى حصول ذلك في لحظة الإحاطة به " ومجمع القبائل - يحيط بك، فعد فوقها إلى العلا ". ثم يذكر المزمور بأن الله " قاض عادل " فهل من العدل أن يصلب المسيح أم يهوذا؟ ثم يدعو أن يثبت الصديق، وأن ينتهي شر الأشرار، ويؤكد لجوءه إلى الله، مخلص القلوب المستقيمة. ثم يتحدث المزمور عن خيانة يهوذا. وقد جاء " مد قوسه وهيأها وسدد نحوه آلة الموت " (القُبلة) " ويجعل سهامه ملتهبة ". ولكن حصل أمر عظيم، لقد انقلب السحر على الساحر، " هو ذا يمخض بالإثم، حمل تعباً، وولد كذباً، كَرَى جُبّاً، حفره فسقط في الهوة التي صنع، يرجع تعبه على رأسه وعلى هامته يهبط ظلمه " لقد ذاق يهوذا ما كان حفره لسيده المسيح، ونجا المسيح في مجمع القبائل إلى العلا. ثم ينتهي المزمور بحمد الله على هذه العاقبة " أحمد الرب حسب بره، وأرنم لاسم الرب العلي " وهكذا نرى في هذا المزمور صورة واضحة لما حصل في ذلك اليوم، حيث نجى الله عز وجل نبيه، وأهلك يهوذا. ولا مخرج للنصارى إزاء هذا النص إلا إنكاره، أو التسليم له، والقول بأن المسيح له ظلم، وله إثم، وأنه ذاق ما كان يستحقه، وأن الله عادل؛ بقضائه قتل المسيح، وأن ذلك أعدل وأفضل من القول بنجاته؛ وصلب يهوذا الظالم الآثم، جزاءً لفعله وخيانته، وإلا فعليهم الرجوع إلى معتقد المسلمين؛ بأن النص نبوءة عن يهوذا الخائن، ولا رابع لهذه الخيارات الثلاثة.
ثالثاً: المزمور العشرون: وفيه: " ليستجب لك الرب في يوم الضيق. ليرفعك اسم إله يعقوب، ليرسل لك عوناً من قدسه، ومن صهيون ليعضدك، ليذكر كل تقدماتك، وليستسمن محرقاتك، سلاه، ليعطك حسب قلبك، ويتمم كل رأيك، نترنم بخلاصك، وباسم إلهنا نرفع رايتنا، ليكمل الرب كل سؤلك. الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه، بجبروت خلاص يمينه، هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن: فاسم الرب إلهنا نذكره. هم جثوا وسقطوا، أما نحن: فقمنا وانتصبنا، يا رب: خلص، ليستجيب لنا الملك في يوم دعائنا" ( المزمور 20/1 - 9 ). يقول هاني رزق في كتابه " يسوع المسيح في ناسوته ولاهوته ": " تنبأ داود النبي (1056 ق. م)، و(حبقوق النبي 726 ق. م)، بأن الرب هو المسيحي المخلص، نبوءة داود النبي، مزمور 20/9 " الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه.... " وفي كتاب " دراسات في سفر المزامير" "يؤكد فخري عطية" هذا، ويقول عن الفقرة التاسعة من هذا المزمور " في هذا العدد تعبير يشير في الكتب النبوية إلى ربنا يسوع المسيح نفسه، تعبير يستخدمه الشعب الأرضي عن المخلص العتيد ". ولكن القراءة المتأنية لهذا المزمور ترينا أنه ناطق بنجاة المسيح، حيث يبتهل صاحب المزمور طالباً النجاة له في يوم الضيق، وليس من يوم مر على المسيح أضيق من ذلك اليوم الذي دعا فيه طويلاً، طالباً من الله أن يصرف عنه هذا الكأس " وإذ كان في جهاد؛ كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " ( لوقا 22/44 ). ويذكر النص إجابة دعائه وإعطاءه ملتمس شفتيه وسؤله وكل مراده " ليعطك حسب قلبك، ويتمم كل رأيك... ليكمل الرب كل سؤلك". وهذ العون والنجاء لما سبق وتقدم به المسيح من أعمال صالحة. " ليذكر كل تقدماتك، وليستسمن محرقاتك". وينص المزمور على اسم المسيح وأنه يخلصه من الموت في فقرة ظاهرة لا تخفى حتى على الأعمى" الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص " فالنص يذكر المسيح بالاسم، ويتحدث عن خلاصه، أن الله رفعه، وأنه أرسل له ملائكة يحفظونه " ليرفعك اسم إله يعقوب، ليرسل لك عوناً من قدسه". ويبتهج المزمور لهذه النهاية السعيدة "نترنم بخلاصك، وباسم إلهنا نرفع رايتنا". ويتحدث المزمور أيضاً عن تلك اللحظة العظيمة، لحظة الخلاص التي نجا فيها المسيح " هم جثوا وسقطوا، أما نحن فقمنا وانتصبنا " فهو يتحدث عن لحظة وقوع الجند كما في يوحنا " فلما قال لهم: إني أنا هو ؛ رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض " ( يوحنا 18/6 ). فدلالة هذا المزمور على نجاة المسيح أوضح من الشمس في رابعة النهار.
رابعاً: المزمور الحادي والعشرون : وفيه: " يا رب، بقوتك يفرح الملك، وبخلاصك، كيف لا يبتهج جدا ً؟ شهوة قلبه أعطيته، وملتمس شفتيه لم تمنعه، سلاه. لأنك تتقدمه ببركات خير، وضعت على رأسه تاجاً من إبريز حياة، سألك فأعطيته، طول الأيام إلى الدهر والأبد عظيم، مجده بخلاصك، جلالاً وبهاء تضع عليه، لأنك جعلته بركات إلى الأبد، تفرحه ابتهاجاً أمامك، لأن الملك يتوكل على الرب، وبنعمة العلي لا يتزعزع. تصيب يدك جميع أعدائك، يمينك تصيب كل مبغضيك، تجعلهم مثل تنور نار في زمان حضورك، الرب بسخطه يبتلعهم، وتأكلهم النار، تبيد ثمرهم من الأرض، وذريتهم من بين بني آدم، لأنهم نصبوا عليك شراً، تفكروا بمكيدة لم يستطيعوها، لأنك تجعلهم يقولون: تفوق السهم على أوتارك تلقاء وجوههم، ارتفع يا رب بقوتك، نُرنم وتُنغّم بجبروتك " ( المزمور 21/1 - 3 ). يقول فخري عطية في كتابه "دراسات في سفر المزامير": " إن المسيح هو المقصود بهذا المزمور" ووافقه كتاب " تأملات في المزامير " لآباء الكنيسة الصادر عن كنيسة مار جرجس باسبورتنج. وقولهم صحيح، فقد حكى المزمور العشرون عن دعاء المسيح وعن استجابة الله له، ويحكي هذا المزمور ( 21 ) عن فرحه بهذه الاستجابة " يا رب بقوتك يفرح الملِك، وبخلاصك كيف لا يبتهج جداً... نُرنم وننغّم بجبروتك ". وينص المزمور أن الله أعطاه ما سأله وتمناه " شهوة قلبه أعطيته، وملتمس شفتيه لم تمنعه،.. سألك فأعطيته "، وقد كان المسيحي يطلب من الله النجاة من المؤامرة " إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس " ( متى 26/39 ). ويذكر المزمور أن الله أعطاه حياة جديدة طويلة إلى قبيل قيام الساعة " حياةً سألَكَ فأعطيتَه، طول الأيام، إلى الدهر، والأبد"، كما وضع عليه إكليل حياة، وهو غير إكليل الشوك الذي وضع على المصلوب، يقول المزمور: "وضعت على رأسه تاجاً من إبريز حياة". ويحكي المزمور عن أعداء المسيح الذين تآمروا عليه وفكروا في " مكيدة لم يستطيعوها " فهم لم يلحقوا الأذى به، فقد فشلت المؤامرة، لأنه رُفع " ارتفع يا رب بقوتك ". وأما هؤلاء الأعداء: فترجع مكيدتهم عليهم " تصيب يدك جميع أعدائك، يمينك تصيب كل مبغضيك.. الرب بسخطه يبتلعهم، وتأكلهم النار، تبيد ثمرهم من الأرض، وذريتهم من بين بني آدم.. تفوق السهام على أوتارك تلقاء وجوههم ".
خامساً: المزمور الثاني والعشرون: وفيه: " إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي؟ عن كلام زفيري؟ إلهي في النهار أدعو فلا تستجيب، في الليل أدعو فلا هدوّ لي. وأنتَ القدوس الجالس بين تسبيحات إسرائيل، عليك اتكل آباؤنا. اتكلوا فنجيتهم. إليك صرخوا فنجوا. عليك اتكلوا فلم يَخزَوْا. أما أنا فدودة لا إنسان. عارُ عند البشر، ومحتقرُ الشعب. كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه، ويُنغضون الرأس قائلين: اتكل على الرب فلينجه. لينقذه، لأنه سُرّ به، لأنك أنت جذبتني من البطن. جعلتني مطمئناً على ثديي أمي. عليك ألقيت من الرحم. من بطن أمي، أنت إلهي. لا تتباعد عني لأن الضيق قريب. لأنه لا معين. أحاطت بي ثيران كثيرة، أقوياء باشان اكتنفتني. فغروا علىّ أفواههم، كأسد مفترس مزمجر. كالماء انسكبتُ. انفصلتْ كل عظامي. صار قلبي كالشمع. قد ذاب في وسط أمعائي. يبستْ مثل شَقفَة قوتي. ولصق لساني بحنكي، وإلى تراب الموت تضعني. لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يدي ورجلي. أُحصى كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون فّي. يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون". (المزمور 22/1-18). ويُجمع النصارى على أن هذا المزمور بنوءة عن المسيح، فقد أحالت عليه الأناجيل يقول متى: " ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتم ما قيل بالنبي: اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة " ( متى 27/35 ) ومثله في ( يوحنا 19/24 )، والإحالة إلى هذا المزمور في قوله " يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون " كما أن الرواية التي في المزمور توافق رواية الصلب في صراخ المصلوب: " إلهي إلهي لماذا تركتني " ( متى 27/46 ) ( مرقس 15/34 ). ويوافق نص المزمور ما جاء في الأناجيل في بيان حال المصلوب " كان المجتازون يجدفون عليه، وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام، خلص نفسك، إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب، قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده " ( متى 27/39 - 43 ) فهذا يشبه ما جاء في هذا المزمور " محتقر الشعب، كل الذين يرونني يستهزئون بي .. وينغضون الرأس قائلين: اتكل على الرب، فلينجه". كما يوافق النص الأناجيل كرة أخرى في قوله " جماعة من الأشرار اكتنفتني، ثقبوا يدي ورجلي، أحصي على عظامي " فهي تدل على أخذ المصلوب يوم سُمرت يداه ورجلاه على الصليب. لهذا كله كان إجماع النصارى على أن هذا المزمور نبوءة عن حادثة الصلب، خاصة أن داود لم يمت مصلوباً، فهو إذن يتحدث عن غيره. والحق أن المزمور نبوءة عن المصلوب، لكنه ليس عيسى، بل الخائن يهوذا الأسخريوطي، فنراه وهو جزع، يائس، يصرخ: " إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟"، المزمور نبوءة عن المصلوب اليائس الذي يدعو فلا يستجاب له "إلهي، في النهار أدعو فلا تستجيب، في الليل أدعو فلا هُدوّ لي.. عليَك اتكل آباؤنا فنجيتَهم، عليك صرخوا فنجوا، عليك اتكلوا فلم يخزوا. أما أنا فدودة لا إنسان... " ويصف المزمور المصلوب بأنه " دودة لا إنسان، عارُ عند البشر، محتقَرُ الشعب " فمَن هو هذا اليائس الموصوف بأنه دودة، وأنه عار عند البشر، وأنه محتقر، وأنه لا يستجاب له؟ إنه يهوذا، حيث جعلتْه خستهُ وخيانتهُ كالدودة، وأصبح عاراً على البشر، كلَّ البشر، المسلمين واليهود والنصارى، بل وحتى البوذيين وغيرهم، لأنه خائن، والخيانة خسة وعار عند كل أحد، يحتقره الشعب، ولا يستجيب الله دعاءه. ولا يقبل بحال أن يوصف المسيح بأنه دودة، والعجب من أولئك الذين يدعون ألوهيته كيف يستسيغون تسميته بدودة، بل الدودة هو الخائن يهوذا. ثم كيف يوصف المسيح بالعار، وهو مجد وفخر للبشر؛ بل العار هو يهوذا، ونلحظ أن النص يصفه بالعار ليس فقط عند جلاديه وأعدائه، بل عند البشر جميعاً، ولا يمكن أن يكون المسيح كذلك، بل تفخر البشرية أن فيها مثل هذا الرجل العظيم الذي اصطفاه الله برسالته ووحيه. كما نلحظ أن كلمة "عار" تلحق بالشخص نفسه، لا بالصلب الواقع عليه، فهو العار، وهو الدودة.وكيف يكون المسيح عاراً وهو الذي يفخر به بولس في قوله " وأما من جهتي فحاشا أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع " ( غلاطية 6/14 ) فلم الفخر به إن كان عاراً ؟ وأما وصف المصلوب بأنه " محتقر الشعب" فهو وصف ينطبق على المصلوب وكلمة " الشعب " تشير إلى اليهود وأولئك الذين حضروا الصلب، وكانوا يحتقرون المصلوب.
سادساً: المزمور المائة والتاسع:

وفيه: " يا إله تسبيحي، لا تسكت ؛ لأنه قد انفتح علّى فم الشرير، وفم الغش. تكلموا معي بلسان كذب. بكلام بغض، أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب. بدل محبتي يخاصمونني. أما أنا فصلوة. وضعوا علّى شراً بدل خير، وبُغضاً بدل حبي. فأقم أنت عليه شريراً، وليقف شيطان عن يمينه. إذا حوكم فليخرج مذنباً، وصلاته فلتكن خطية. لتكن أيامه قليلة، ووظيفته ليأخذها آخر. ليكن بنوه أيتاماً، وامرأته أرملة. لِيَتِهْ بنَوُه تَيَهَاناً ويستعطوا. ويلتمسوا خبزاً من خِربهم. ليصطد المرابي كل ما له، ولينهب الغرباء تعبه. لا يكن له باسط رحمة، ولا يكن مُتَرَأّفُ على يتاماه. لتنقرض ذريته. في الجيل القادم ليمح اسمهم. ليذكر إثم آبائه لدى الرب ولا تمح خطية أمه. لتكن أمام الرب دائماً. وليقرض من الأرض ذِكرهم. من أجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة، بل طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً، والمنسحق القلب ليميته. وأحب اللعنة، فأتته، ولم يسر بالبركة، فتباعدت عنه. ولبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت، كمياه في حشاه، وكزيت في عظامه. لتكن له كثوب يتعطف به، وكمنطقة يتمنطق بها دائماً. هذه أجرة مبغضي من عند الرب، وأجرة المتكلمين شراً على نفسي. أما أنت يا رب السيد فاصنع معي من أجل اسمك. لأن رحمتك طيبة نجني. فإني فقير، ومسكين أنا، وقلبي مجروح في داخلي. كظل عند ميله ذهبت. انتفضت كجرادة. ركبتاي ارتعشتا من الصوم، ولحمي هزل عن سمن. وأنا صرت عاراً عندهم. ينظرون إليّ وينغضون رؤوسهم.أعني يا رب، إلهي. خلصني حسب رحمتك. وليعلموا أن هذه هي يدك، أنت يا رب فعلت هذا. أما هم فيلعنون. وأما أنت فتبارك. قاموا وخزوا. أما عبدك فيفرح. ليلبس خصمائي خجلاً وليتعطفوا بخزيهم كالرداء.أحمد الرب جداً بفمي، وفي وسط كثيرين أسبحه. لأنه يقوم عن يمين المسكين، ليخلصه من القاضين على نفسه. ( مزمور 109/1 - 31 )وهذا المزمور أيضاً يراه النصارى على علاقة بقصة الصلب، وأن المقصود في بعضه يهوذا، وهو قوله: " ووظيفته ليأخذها آخر، ليكن بنوه أيتاماً، وامرأته أرملة.. ويلتمسوا خبزاً من خربهم " وقد أحال عليه كاتب "أعمال الرسل" وهو يتحدث على لسان بطرس حين قال متحدثاً عن يهوذا:" لأنه مكتوب في سفر المزامير: لتصر داره خراباً، ولا يكن فيها ساكن، وليأخذ وظيفته آخر " ( أعمال 1/15 - 26 ).وقد انتخب الحواريون بدلاً من يهوذا تنفيذاً لهذا الأمر يوسف ومتياس، وأقرعوا بينهما، فوقت القرعة علي متياس، فحسبوه مكملاً للأحد عشر رسولاً ( انظر أعمال 1/23 - 26 ).إذن فالنص في هذا المزمور متحدث عن يهوذا ولا ريب، وهذا صحيح، فهو يتحدث عن محاكمته " وإذا حوكم فليخرج مذنباً " فمتى حوكم يهوذا إذا لم يكن هو المصلوب ؟ والنص يتحدث عن محاكمته، وعن نتيجة محاكمته " لتكن أيامه قليلة، ووظيفته ليأخذها آخر "، كما يتحدث المزمور عن وقوفه على الصليب، وعن يمينه شيطان، ذاك الذي كان يستهزأ به، فمتى وقف شيطان عن يمين يهوذا، ومتى حوكم إن لم يكن ذلك في تلك الواقعة التي تجلى فيها غضب الله عليه.النص كما رأينا يتحدث في شطرين على لسان المسيح.ففي الشطر الأول : يتحدث عن الأشرار الذين قاتلوه بلا سبب، ووضعوا عليه الشر بدل الخير.وفي الشطر الثاني : يستمطر القائل نفسه اللعنات على هذا الشرير، ويسأل الله الخلاص حسب رحمته " أعِني يا رب، إلهي، خلصني حسب رحمتك.. " ويفرح المسيح لخلاصه " لأنه يقوم عن يمين المسكين، ليخلصه من القاضين على نفسه".
قراءة سريعة في المزامير:
وخلال ستة وثلاثين مزموراً درسها الأستاذ منصور حسين تكاملت الصورة، وتكررت مراراً من غير أي تناقض أو تخالف، لقد كانت نصوص المزامير الستة والثلاثين تتمحور حول ثلاثة موضوعات :

الأول: الآيات التي تشير إلى دعاء المسيح أن يخلصه الله من الصلب

ومنها: " عند دعائي استجبت لي يا إله بري، في الضيق رحبت لي، تراءفْ علّى واسمع صلاتي " (المزمور 4/1).

"عد يا رب، نج نفسي، خلصني من أجل رحمتك، لأنه ليس في الموت ذكرك " ( المزمور 6/4 - 5).

" إليك يا رب أصرخ، وإلى السيد أتضرع، ما الفائدة من دمي إذا نزلت إلى الحفرة ؛ هل يحمدك التراب ؟ هل يخبر بحقك؟، استمع يا رب، وارحمني يا رب، كن معيناً لي " ( المزمور 30/8 - 10 ).

" عليك يا رب توكلت، لا تدعني أخزى مدى الدهر، بِعَدْلِكَ نجني، أمِلْ إلي أذنك، وسريعاً أنقذني، كن لي صخرة حصن، بيت ملجأ لتخليصي، لأن صخرتي ومعقلي أنت، من أجل اسمك تهديني وتقودني، أخرجني من الشبكة التي خبئوها لي، لأنك أنت حصني ( المزمور 31/1-4 ).

" الرحمن يا الله لأنه بك احتمت نفسي، وبظل جناحيك أحتمي، إلى أن تعبر المصائب، أصرخ إلى الله العلي، الله المحامي عني " ( المزمور 57/1 2 ).
الثاني: الفقرات التي أشارت إلى رفع المسيح، وتخليصه من الصلب منها: " ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم، لأن الرب قد سمع صوت بكائي، سمع الرب تضرعي، الرب يقبل صلاتي " ( المزمور 6/8 - 9 ). " الرب صخرتي وحصني ومنقذي.... خلَّصَني لأنه سُربي " ( المزمور 18/2 - 19 ). " حي هو الرب، ومبارك صخرتي.... إلى الأبد " ( المزمور 18/46 - 50 ). " إلهي فاتكل عليه، لأنه ينجيك من فخ الصياد، ومن الوباء الخطر، بخوافيه يظللك، وتحت أجنحته تحتمي، ترس ومجن حقه، لا تخشى من خوف الليل، ولا من سهم يطير... لأنك قلت: يا رب، أنت ملجأي، جعلت العلا مسكنك، لا يلاقيك شر، ولا تدنو ضربة من خيمتك، لأنه يوصي ملائكته بك ليحفظوك في كل طرقك، على الأيدي يحملونك، لئلا تصدم بحجر رجلك، على الأسد والصل تطأ، الشبل والثعبان تدوس، لأنه تعلق بي أنجيه، أرفعه لأنه عرف اسمي، يدعوني فأستجيب له، معه أنا في الضيق، أنقذه وأمجده، من طول الأيام أشبعه، وأريه خلاصي " (المزمور 91/2 - 16).
ثالثاً: الفقرات التي تشير إلى القبض على يهوذا ومحاكمته وصلبه بدلاً من المسيح  منها: " لأنك أقمت حقي ودعواي، جلست على الكرسي قاضياً عادلاً، انتهرت الأمم، أهلكت الشرير،.. تورطت الأمم في الحفرة التي عملوها، في الشبكة التي أخفوها انتشبت أرجلهم، معروف هو الرب قضاءً أمضى: الشرير يعلق بعمل يده " ( المزمور 9/4 - 16)، فهل تحقق قضاء الله الماضي في يهوذا أم تخلف ؟

" الشرير يتفكر ضد الصديق، ويحرّق عليه أسنانه، الرب يضحك به، لأنه رأى أن يومه آت، الأشرار قد سلوا السيوف، ومدوا قوسهم لرمي المسكين والفقير، لقتل المستقيم طريقهم، سَيْفُهُم يدخل في قلبهم وقسيهم تنكسر " ( المزمور 37/12 - 15 )، من ذا الذي ارتدت المؤامرة عليه، فدخل سيفه في قلبه، وانكسرت قسيه بفشل مؤامرته كما في مزمور آخر " يؤخذون بالمؤامرة التي فكروا بها " ( المزمور 10/3 ).

" يا الله أنت عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخف، غطى الخجل وجهي، صرت أجنبياً عند إخوتي، وغريباً عند بني أمي،.... أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي، قدامك جميع مضايقي، العار قد كسر قلبي فمرضت، انتظرت رقة فلم تكن، ومعزين فلم أجد، ويجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خَلاًّ" ( المزمور 69/5 - 21 )، فمن هو صاحب الحماقة والذنوب والعار والخزي والخجل، من هو ذاك الذي كسر العار قلبه، ذاك الذي سقوه الخل وهو على الصليب، هل يعقل أن نقول : إنه المسيح؟ لا، إنه يهوذا الخائن.

" خاصِمْ يا رب مخاصِمي، قاتِلْ مقاتلي،.. ليخر وليخجل الذين يطلبون نفسي، ليرتد إلى الوراء، ويخجل المتفكرون بإساءتي.. لأنهم بلا سبب أخفوا لي هوة شبكتهم، بلا سبب حفروا لنفسي، لتأته التهلكة وهو لا يعلم، ولتنشب به الشبكة التي أخفاها، وفي التهلكة نفسها ليقع " (المزمور 35/1 -8 ).

ويخلص الأستاذ العلامة منصور حسين إلى نتيجة وهي: " مِن جماع ما تقدم لا نخلص إلا بأن المزامير تنبأت بحق بأن الله مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه، يرفعه من أبواب الموت، يرفعه فوق القائمين عليه، يرسل من العُلا فيأخذه. أما يهوذا الإسخريوطي الذي حفر له هذه الحفرة، وأتى على رأس الجمع من جنود وخدام ليقبضوا عليه، على المسيح سيده، فإنه في الحفرة نفسها يقع، وبعمل يديه يعلق، رجع تعبه على رأسه، وعلى هامته هبط ظُلمه، صار عاراً عند البشر، فقبض عليه هو بدلاً من المسيح، وحوكم هو، وصلب بدلاً منه.

وهكذا تستقيم النبوءة في المزامير، وهكذا تتجلى النبوءة في المزامير، في أسطع وأروع وأسمى ما تكون النبوءة، ليست آية نحرفها، أو كلمة نُحوّر معناها، بل صورة كاملة، عشرات الآيات، عشرات المزامير، كلها تنطق بصورة واحدة متكاملة، تتكرر كثيراً، ولكن أبداً لا تتغير. هذه الحقيقة هي تلك التي نطق بها القرآن، واعتقدها المسلمون... ولمن يريد أن يزيد يقيناً، فها هي المزامير كلها في الكتاب المقدس، الذي يؤمن به المسيحييون، ويتداولونه، وإليها فليرجع، ولن يزيده هذا إلا يقيناً وتقديراً لهذه الحقيقة التي انتهينا إليها.. ". والاحتجاج بالمزامير على نجاة المسيحي قديم، بل يرجع للمسيح إن صح ما في إنجيل برنابا. فقد جاء فيه أن المسيح قال: " إن واحداً منكم سيسلمني فأباع كالخروف، ولكن ويل له، لأنه سيتم ما قاله داود أبونا عنه، أنه سيسقط في الهوة التي أعدها للآخرين" ( برنابا 213/24 - 26 ). وإذا قلنا إن المزامير بشرت بنجاته، فللنصارى أن يقولوا: كيف لم يعرف المسيح ذلك من العهد القديم؛ لم قال عن نفسه بأنه سيصلب كما في الأناجيل؟
والإجابة عن هذا التساؤل لا تلزمنا نحن المسلمين الذين لا نعتد بما جاء في هذه الكتب، إلا ما قام عليه دليل من ديننا. ثم القصة هي امتحان للمسيح عليه السلام، كما كان الأمر بالذبح امتحاناً لإبراهيم وابنه الوحيد، ولو عرف المسيح نتيجة الامتحان مقدماً لما كان له أي معنى، كما لو عرفها إبراهيم، فلذلك خفيت عليه، وليس لقصور فهمه أو إدراكه، حاشاه، ولكن لتتحقق إرادة الله بامتحانه، ونجاته في الامتحان.ثم لا يمكن القطع بأن المسيح لم يعرف المعنى الصحيح الذي تدل عليه النبوءات، بل قد يكون المسيح عرف ذلك فلجأ إلى الله يتضرع إليه ويسأله صرف هذه الكأس، لأنه عرف أن الله يستجيب دعاءه وتضرعه، بينما لو وافقنا الرواية الإنجيلية بأن المسيح علم أنه سيصلب ثم صلب، فما فائدة تضرعه ودعائه، ولم كان جزعه يأسه وصراخه على الصليب "لماذا تركتني"؟كما ثمة أمر آخر وهو أن فهم النبوءات لا يعني يقيناً معرفة الساعة، وتحديد اليوم الذي سيسعى أعداؤه فيه للقبض عليه. كما ثمة نبوءاتُ أو نصوص. تمنع أن يكون المسيح قد صلب فداء عن البشرية منها ما جاء في سفر الأمثال: " الأشرار يكونون كفارة لخطايا الأبرار " ( أمثال 21/18 ).ويورد المحققون نصاً توراتياً آخر يدل على نجاة المسيح وصلب غيره، فقد جاء في سفر الأمثال " بر الكامل يقوم طريقه، أما الشرير فيسقط بشره بر المستقيمين، ينجيهم، وأما الغادرون فيؤخذون بفسادهم، الصديق ينجو من الضيق، ويأتي الشرير مكانه " ( الأمثال 11/5 - 8 ).
هل ما جاء في إشعيا نبوءة عن صلب المسيح؟
لكن النصارى يرون أن ثمة نبوءة في غير المزامير قد وردت في صلب المسيح، ألا وهي ما جاء في إشعيا 52 و 53 وفيه: " هو ذا عبدي يعقل، ويتعالى، ويرتقي ويتسامى جداً، كما اندهش منه كثيرون، كان منظره كذا مفسدة أكثر من الرجل، وصورته أكثر من بني آدم، هكذا ينضح أمماً كثيرين، من أجله يسد ملوكُ أفواههم، لأنهم قد أبصروا ما لم يخبروا به، وما لم يسمعوه فهموه. من صدق خبرنا، ولمن استعلنت ذراع الرب، نبت قدامه كفرخ، وكعرق من أرض يابسة، لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه، محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع، ومختبر الحزن، وكمستر عنه وجو هنا، محتقر فلم نعتد به. لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصلوباً، مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبجبره شفينا، كلنا كغنم ضللنا، مِلْنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا، ظلم أما هو فتذلل، ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها، فلم يفتح فاه. من الضغطة ومن الدينونة أخذ، وفي جيله من كان يظن أنه قطع من أرض الأحياء، أنه ضرب من أجل ذنب شعبي، وجعل مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته على أنه لم يعمل ظلماً، ولم يكن في فمه غش.

أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن، ان جعل نفسه ذبيحة إثم، يرى نسلاً تطول أيامه، ومسرة الرب بيده تنحج، من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين، وآثامهم هو يحملها، لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء، يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه، وأحصي مع أثمةٍ، وهو حمل خطية كثيرين، وشفع في المذنبين " ( إشعيا 52/13 - 53/12 ).

ويربط النصارى بينه وبين ما جاء في مرقس " فتم الكتاب القائل: وأحصي مع أثمة " ( مرقس 15/28) ومقصوده كما لا يخفى ما جاء في إشعيا " سكب للموت نفسه، وأحصى مع أثمة " ومثله في أعمال الرسل ( أعمال 8/22 - 23 ).

والنص ولا ريب قد تعرض للكثير من التلاعب والتحوير، وتجزم بهذا التلاعب عندما تلحظ غموض عباراته، وحين تقارن نص إشعيا مع ما جاء في أعمال الرسل، وهو ينقل عنه، وفيه " وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه، فكان هذا: مثل شاة سيق إلى الذبح، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزه، هكذا لم يفتح فاه، في تواضعه انتزع قضاؤه، وجيله من يخبر به، لأن حياته تنتزع من الأرض " ( أعمال 8/ 32- 33 ).

لذا حق للمحققين أن يروه نصاً حور لينطبق على المسيح، ودليل ذلك أن فيلبس الحواري قرأ النص ولم يفهم منه أنه نبوءة عن المسيح ، حتى أطلعه عليه خصي حبشي كان وزيراً لملك كنداكة ملك الحبشة، وبعد هذه القصة تنصر الرجل، وعمّده فيلبس، يقول لوقا: " فبادر إليه فيلبس وسمعه يقرأ النبي إشعياء فقال: ألعلك تفهم ما أنت تقرأ؟ فقال: كيف يمكنني إن لم يرشدني أحد.وطلب إلى فيلبس أن يصعد ويجلس معه.

وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا: مثل شاة سيق إلى الذبح ومثل خروف صامت أمام الذي يجزه هكذا لم يفتح فاه. في تواضعه انتزع قضاؤه، وجيله من يخبر به، لأن حياته تنتزع من الأرض. فأجاب الخصي فيلبس: وقال أطلب إليك: عن من يقول النبي هذا؟ عن نفسه أم عن واحد آخر؟ ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع...فعمده، ولما صعدا في الماء خطف روح الرب فيلبس، فلم يبصره الخصي أيضاً، وذهب في طريقه فرحاً، وأما فيلبس فوجد في أشدود" ( أعمال 8/26 -40 )، فالخصي هو الذي أوحى إلى فليبس ثم النصارى فكرة تنبؤ نص إشعيا بالمسي . والمسلمون لا يرون في هذا النص أي نبوءة عن المسيح، ويستغرب المسلمون ويستنكرون من الربط بين نص إشعيا وقصة الصلب في الأناجيل، فنص إشعيا يتحدث عبد، فيما يقول النصارى بألوهية المسيح، فكيف يجمعون بين عبوديته لله وألوهيته في وقت واحد.  وهذا العبد قبيح في منظره مخذول محتقر لا يعتد به، فهو ليس المسيح على أي حال " هو ذا عبدي... كان منظره كذا مفسدة أكثر من الرجل، وصورته أكثر من بني آدم.. لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه، محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع، ومختبر الحزن، وكمستر عنه وجو هنا، محتقر فلم نعتد به". والنص يتحدث عن الذي " لم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها، فلم يفتح فاه ". بينما المسيحي تكلم مراراً وتكراراً، فلقد قال لبيلاطس أثناء محاكمته: " أنت تقول: إني ملك، لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم، لأشهد للحق، كل من هو في الحق يسمع صوتي " (يوحنا 18/37 ) وكان قد قال له قبل: " مملكتي ليست في هذا العالم، لو كانت مملكتي في هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هذا " ( يوحنا 18/36 ). كما تكلم في المحاكمة لما لطمه أحد الخدم فأجابه المسيح: " إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردي، وإن حسناً فلماذا تضربني ؟ " ( يوحنا 18/22 ) كما تكلم قبلها طويلاً في البستان، وهو يناجي، طالباً من الله أن يعبر عنه هذه الكأس... فإن أصر النصارى بعد ذلك على أن النبوءة تنطبق على المسيح، فقد قالوا إذن بأن المسيح تكلم وهو مغلق الفم!! كما يذكر النص شجاعة وتماسكاً لا تتناسب وصراخ المصلوب، وجزعه، وقنوطه، فالمسيح كشاة أمام جازيها صامتة، " وهكذا لم يفتح فاه " ثم إنه " أخذ من السجن والمحاكمة، ومن الذي يعلن إلى جيله أنه قد بتر في أرض الأحياء، بسبب تعديات شعبي كان مبتلاً ". ويرى منصور حسين في الترجمة المتداولة لإشعيا ما يؤكد فكرته بأن المصلوب هو يهوذا، ويقارن هذه الترجمة مع النص الإنجليزي، للخروج من غموض النص العربي. وفيه: " لأنهم قد أبصروا ما لم يخبروا به، وما لم يسمعوه فهموه "، وفي النص الإنجليزي ما ترجمته: "ما لم يسمعوه اعتبروه "، والفرق بين " فهموه " و " اعتبروه " واضح. فكلمة " فهموه " تفيد علمهم ومعرفتهم وإدراكهم، بينما كلمة " اعتبروه " لا تفيد إلا تقرير الحكم، فكما أخبرت المزامير بنجاة المسيحي قبل إشعيا بثلاثمائة سنة يخبر إشعيا بنجاته، لكنهم يرون صلبه كما يتبادر لذهنهم، فيروون ما لم يخبروا به، بل عكسه، ولذلك فهم اعتبروا: أن المصلوب هو المسيح. وأما قوله " من صدق خبرنا، ولمن استعلنت ذراع الرب "، فهو سؤال يفهم منه أن الخبر المقصود هو نجاة المسيح الذي لم يصدقه أحد، ويجيب النصُ - كما يرى الأستاذ منصور حسين - بأن الذي صدق بنجاة المسيح شخص " محتقر مخذول من الناس، رجل أوجاع، ومختبر الحزن، وكمستر عنه وجوهنا، محتقر فلم نعتد به " إنه الذي تحمل الأوجاع، والذي احتقر، وباء بإثمه وإثم المتآمرين معه، إنه يهوذا الخائن، الذي رأى عناية الله تحيط بالمسيح وهو يصعد وينجو فهو " مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا " فلقد تحمل يهوذا وزر المؤامرة "وضع عليه إثم جميعنا "، لأنه التلميذ الخائن، وكان هؤلاء اليهود كالغنم الضالة " فكلهم كغنم ضلوا ". وقوله: " من أجل ذنب شعبي " يدل على أنه ليس المراد غفران الخطية، إذ لو أرادها لقال غفران ذنب جميع العالم. وقد ظن الناس أنه قطع في أرض الأحياء، وأنه ضرب من أجل ذنبي، " وفي جيله من كان يظن أنه قطع من أرض الأحياء، أنه ضرب من أجل ذنبي "، لكن الحقيقة غير ذلك، وفي النص الإنجليزي " من سيعلن لجيله ؟ " أي هذه الحقيقة الخافية ؛ إنه محمد (صلى الله عليه وسلم). ويكمل النص واصفاً يهوذا في لحظة محاكمته " على أنه لم يعمل ظلماً، ولم يكن في فمه غش " ولقد يعجب القارئ أن يقال مثل هذا في حق يهوذا، ولا عجب، فلقد كان يهوذا لحظة المحاكمة صادقاً حين قال: " من الآن فإنهم يرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة "، وهو لم يعمل ظلماً بحق محاكميه الذين لو علموا حقيقة شخصيته لأفرجوا عنه. لكن الرب جل وعلا سر بما صنع به " وأما الرب فسر بأن يسحجه بالحزن "، وهل يسر لما فعل بالمصلوب لو كان هو المسيح؟ إنما سر بعاقبة مكر يهوذا، فتكامل نص إشعيا مع نبوءات المزامير. ويرد إشكال في حديث النص عن فادي الخطيئة الغير والشافع فيهم " هو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين "، ولكن أيا كان، فإن دلالة النص وهو في هذا الوضع يورد من الأسئلة والإشكالات على من قال بصلب المسيح أكثر مما يورد على من قال بنجاته وصلب يهوذا. ويرى الأستاذ محمد الأفندي أن لا علاقة بين هذا الإصحاح في إشعيا، وبين حادثة الصلب، فالإصحاح يتحدث عن قصة بني إسرائيل، وذلهم في بابل بسبب معاصيهم ومعاصي سلفهم، فحاق بهم عقوبة الله التي عمّت صالحيهم وفجارهم، ويوضح ذلك في أن قوله " هو ذا عبدي.. كما اندهش منك كثيرون كان منظره كذا مفسدًا أكثر من الرجل، وصورته أكثر من بني آدم " فالمقصود بالعبد شعب إسرائيل، فقد عُهد في التوراة إطلاق الفرد والمراد الشعب كما في إشعيا: " يقول الرب، خالقك يا يعقوب، وجابلك يا إسرائيل..... وإذا اجتزت في المياه فأنا معك، وفي الأنهار فلا تغمرك، لأني أنا الرب إلهك، قدوس إسرائيل، مخلصك، جعلت مصر فديتك " ( إشعيا 43/1 - 3 ) ومثله في ( إشعيا 41/8 ). فيصف إشعيا 52 و 53 غربة بني إسرائيل وذلتهم، ثم يتحدث عن عودة أبنائهم من أرض السبي " نبت قدامه كفرخ، وكعرق في أرض يابسة " فقد عادوا للأرض المقدسة، ونبتوا فيها، كما وصفهم إرميا النبي في مراثيه. ولا يصح حمله على المسيح، لقوله: " لا صورة ولا جمال " بل الحديث عنهم، وقد تغيرت صورتهم بسبب الذل فكان الشعب " محتقر مخذول.. الرب وضع عليه إثم جميعنا " ويفسره قول إرميا وقد شاهد الأسر البابلي: " آباؤنا أخطؤوا، وليسوا بموجودين، ونحن نحمل آثامهم، عبيد حكموا علينا، ليس من يخلص من أيديهم، جلودنا اسودت من جري نيران الجوع " ( مراثي 5/7 - 10 ). وقوله: " ظلم " كقوله " ثم ظلمه آشور بلا سبب " ( إشعيا 52/4 )، وكقوله: " إن بني إسرائيل وبني يهوذا معاً مظلومون " ( ارميا 50/33 )
وأما قوله: " كشاة تساق إلى الذبح.... " فهو حديث عن ملك بابل، وقد ساق بني إسرائيل، كما تساق الشياه إلى الذبح، كما في ( إرميا 51/40 )" أنزلهم كخراف للذبح، وككباش مع أعتدة " فمات أكثرهم جوعاً. وقوله: " وجعل مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته " أي أن دفنهم في بابل كان مع الوثنيين، ولا يمكن حمله على المسيح المدفون وحده في بستان، في قبر جديد، لم يدفن فيه معه لا شرير ولاغني." فسَّر أن يسحقه بالحزن" وفي نسخة كاثوليكية: " رضي أن يسحقه بالعاهات، أن جعل نفسه ذبيحة إثم. " وفي الأصل العبري: " أراد الرب أن يضربه بالحزن، لأنه جعل نفسه آثماً. " ومثله في قول إشعيا لأورشليم: " اثنان هما ملاقياك، من يرثي لك الخراب، والانسحاق، والجوع، والسيف، بمن أعزيك، بنوك قد أعيوا، واضطجعوا في رأس كل زقاق " (إشعيا 51/19)وقوله:" يرى نسلاً تطول أيامه " فهو إشارة لرجوعهم إلى وطنهم، بينا المسيح ليس له نسل.وأما قوله: " عبدي البار بمعرفته يبرر كثيرون، وآثامهم هو يحملها " يتحدث كيف شمل البؤس بررة بني إسرائيل وعصاتهم، كما قال الله: [ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ] (الأنفال : 125) وإكراماً للبررة من بني إسرائيل، طهرهم الله من ذنبهم، ورفع عنهم هذه العقوبة، كما في ارميا: " في تلك الأيام يطلب إثم إسرائيل فلا يكون، وخطية يهوذا فلا توجد، لأني أغفر لمن أبقيه " (إرميا 50/20) فأسرهم وقد حملوا خطيئة آبائهم، ثم غفرت ذنوبهم.وقوله: " هو حمل خطية كثيرين، وشفع في المذنبين "، والترجمة الصحيحة يراها الأفندي: "وللعصاة يدعو " بالتوبة والهداية.وينوه بتحريفهم في قولهم: " ضرب من أجل ذنب شعبي "، وهي في الأصل العبري " ضربوا " فحرفوها لتنطبق على المسيح.وقوله " أحصي مع أثمة " يحكى عن وجود بني إسرائيل مع الوثنيين في بابل، ولا يصح أن تصرف للمسيح، وأن الأثمة هما اللصان، إذ قد وعد أحدهما الفردوس، فكيف يوصف بعد ذلك بالآثم ؟!وأقرب هذه الأقوال وأصحها، ما ذهب إليه الأفندي في أن الإصحاح يتحدث عن شعب إسرائيل، وسبيه، وذلته، ثم نجاته. ويدل عليه أن هذا هو فهم النص عند اليهود وهم أصحاب الكتاب.

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/22   ||   القرّاء : 1760



البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 كيف تأخذون دينكم عن الصحابة واغلبهم مرتدون ؟؟؟.

 ردّ شبهة ان الامامة في ولد الحسين لا الحسن اقصاء له ؟

 ردّ شبهة ان علي خان الامانة بعد ستة اشهر من رحيل رسول الله ؟؟؟.

 ردّ شبهة ان الحسن بايع معاوية وتنازل له عن الخلافة ؟؟.

 فضائل مسروقة وحق مغتصب وتناقض واضح

 فضائل مسروقة وحق مغتصب وتناقض واضح

 أعتراف الألباني بصحة حديث الحوأب

 الجزاء الشديد لمن نقض العهد الأكيد ؟؟؟

 حديث الثقلين وبعض الحقائق الكامنة

 حديث الغدير/ وكفر من لا يأخذ بكلام رسول الله بحكم ابن باز؟؟

ملفات عشوائية :



 تفسير المعاد بالتناسخ وردّه

 المهدوية في الإِسلام ومستقبل العالم

 الإمامة بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) لا تكون في أخوين

 أبو حنيفة لا يرى أن يقيم حداً في زواج المحارم

 تأويل الآيات والروايات الدالة على الاعضاء

 ظلامة علي (عليه السلام) أصل ظلامات أهل البيت (عليهم السلام)

 الأنبياء في التوراة

 ابن الجوزي: من يحمل الصفات على مقتضى الحس شانوا المذهب

 افتراؤهم على النبي صلى الله عليه وآله أنه شهد بشفاعة الأصنام وسجد لها!

 الرد على شبهة قول الامام علي( لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري)

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 24

  • الأقسام الفرعية : 90

  • عدد المواضيع : 841

  • التصفحات : 1817349

  • التاريخ : 29/03/2024 - 07:39

Footer