لُزُوم عِصمَةِ الإمام : موسّع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنّ الامام والخليفة ليس قائداً عاديّاً، يقدر على إدارة دفّة البلاد اقتصادياً، وسياسيّاً، وحفظ ثغور البلاد الإسلامية تجاه الأعداء فقط، بل ثمّت وظائف أُخرى يجب أن يقومَ بها مضافاً إلى الوظائف المذكُورة. إنّ القيام بِهذه الوَظائف الخطيرة مثل تفسير القرآن الكَريم، وبَيان الأحكام الشرعيّة، والإجابة على أسئلة الناس الإعتقادية، والحيلولة دون تسرّب الانحراف إلى العقيدة، والتحريف إلى الشريعة، رهنُ علمٍ واسعٍ، لا يخطئ ولا يتطرّق إليه الاشتباهُ، والأشخاص العاديّون إذا تَوَلَّوا هذه الأُمور لن يكونوا في مأمنٍ عن الخطأ والزللِ. على أنّه يجب أن نَعلمَ بأنّ العصمة لا تساوي النبوّة، ولا تلازمُها ولا تستلزمها، لأنّه ربما يكونُ الشخص معصوماً عن الخطأ ولكن لا يتمتع بمقام النبوة أي لا يكون نبياً. وأوضحُ نموذجٍ لذلك السيدةُ مريم العذراء «1» ثم إنّ هناك - مضافاً إلى التحليل والاستدلال العقلي السابق - أُموراً تدلُّ على عصمةِ الإمام نذكر هنا بعضها:
1. تعلّق إرادةِ الله القطعيّة والحتمية بطهارة أهل البيت عن «الرجس» كما قال تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً» «2». إنّ دَلالَة هذه الآية على عِصمة أهل البيت (عليهم السلام) تكونُ على النحو التالي: إنّ تعلّق إرادة اللَّه الخاصّة بطهارة أهل البيت من أي نوعٍ من أنواع الرّجس يلازمُ عصمَتهم مِن الذُنوب والمعاصي، لأنّ المقصودَ مِن تطهيرهم من «الرّجس» في الآية هو تطهيرهم من أيّ نوعٍ مِن أنواع القذارة الفِكرية والرُّوحِيَّة، والعَمَليّة التي من أبرزها المعاصي والذُنوب. وحيث إنّ هذه الإرادة تعلّقَتْ بأفراد مخصوصين لا بجميع الأفراد، فإنّها تَختَلِف عن إرادة التطهير التي تعَلّقت بالجميع بدونِ إستثناءٍ. إن إرادةَ التَّطهير التي تَشملُ عامّة المسلمين إرادةٌ تشريعيةٌ «3» وما أكثر الموارد الّتي تتخلّف فيها هذه الإرادةُ، ولا تتحقق بسبب تمرّد الأشخاص، وعدم إطاعتهم للأوامر والنواهي الشرعية في حين أنّ هذه الإرادة إرادةٌ تكوينيّةٌ لا يتخلّف فيها المرادُ والمتعلَّقُ (وهو العصمة عن الذَّنب والمعصية) عنها أبداً. والجدير بالذكر أن تعلّق الإرادة التكوينيّة الإلهيّة بعصمة أهل البيت (عليهم السلام) لا توجبُ سَلب الإختيار والحريّة عنهم تماماً كما لا يوجب تعلّق الإرادة التكوينية الإلهيّة بعصمة الأنبياء سلبَ الإختيار والحرية عن الأنبياء أيضاً كما يذكر في محله.
2. إنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يمثِّلون بحكم حديث الثقلين الذي قال فيه رسولُ اللَّه: «إني تاركٌ فيكمُ الثَّقَلَين كتابَ اللَّه وعترتي» عِدلَ القرآن الكريم، يعني أنّه كما يكون القرآنُ الكريمُ مصوناً من أيّ لونٍ من ألوانِ الخطأ والإشتباه، كذلك يكون أئمة أهلِ البَيت مصونين من أيّ لونٍ من ألوانِ الخطأ الفكري، والعملي، ومعصومين من أيّ نوعٍ من أنواعِ الزَلَل والخَطَل. وهذا المطلب واضحٌ تمامَ الوضوح، إذا أمعنّا في العبارات التي جاءت في ذيلِ الحَديث المذكور.
ألف: «ما إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً».
ب: «إنَّهما لَنْ يَفْتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ»، لأنّ ما يكون التمسُّكُ به موجباً للهداية وأنه لا يفترق عن القرآن (المصون والمعصوم) مَصُونٌ ومعصومٌ هو كذلك.
3. لقد شَبَّهَ رسولُ اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أهلَ بيته بسفينةِ نوح التي ينجو من الغرق من رَكِبها ويغرق في الأمواج من تخلّف عنها، إذ قال: «إنّما مَثَلُ أهل بَيْتي كَسَفينَةِ نُوْحٍ مَن رَكِبَها نَجا وَمَنْ تخلَّفَ عَنها غَرِقَ» «4». بالنَظَر إلى هذه الأدلّة الّتي بينّاها بصورةٍ موجزةٍ تكونُ عصمة أهل البيت واضحةً، وحقيقةً مبرهَناً عليها. ومن الجدير بالذّكر أنّ الأدلّة النَقليّة على عِصمة أهل البَيت (عليهم السلام) لا تنحصر في ما ذكرناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الالهيات للشيخ السبحاني: ج2 ص146-198.
(2) سورة الاحزاب: 33.
(3) (ولكن يريد ليطهركم) سورة المائدة: 6.
(4) مستدرك الحاكم: ج2 ص151، والخصائص الكبرى، للسيوطي: ج2 ص 266.