تعيين الخليفة أصل متفق عليه : موسّع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنّ مَسألة تَنْصِيصيَّة مقام الخلافة، وأنّه ليس للأُمّة أيُّ خيار ولا أيّ دورٍ في تعيين خليفةٍ لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في ذِهن الصَّحابة أيضاً. نعم كان في نظرهم هو أن ينصَّ الخليفةُ السابقُ على الخليفة اللاحِق بدل نَصّ اللَّهِ ونبيّه، ولهذا نرى - كما هو من مسلّمات التاريخ الإسلاميّ - أنّ الخليفةَ الثاني تمّ تعيينهُ ونصبهُ في منصب الخلافةِ بِنصٍ من الخليفةِ الأوّل.
إنّ تصوّر أن تعيينَ الخَلِيفَة الثاني بواسطة أبي بكر لم يَكنْ قراراً قطعيّاً، بل كان من بابِ «الاقتراح»، يخالف ما ثبت من التاريخ، فإنّ الخليفة الأوّل كان لا يزال على قيد الحياة عندما اعترَض جماعةٌ من الصحابة على هذا التعيين والنصب، وكان «الزبير بن العوام» أحد أُولئك المعترضين على أبي بكر في هذا التعيين والنصب.«1» وإنّ من البديهيّ أنّه لو كانَ تعيينُ أبي بكر لِعُمر بن الخطاب مِن باب مجردَّ الاقتراح والترشيح حسب، لما كان لاعتراض الصحابة عليه أيّ مجالٍ ولا مبرّر.
هذا مضافاً إلى أنّ الخليفة الثالث هو الآخر تمّ تعيينُهُ عن طريق شورى تألَّفَتْ من (6) أشخاص عيَّنهُمُ الخليفةُ الثاني، وكانَ هذا نوعاً مِن تعيين الخليفة الّذي مَنَع الآخرين من مراجعة الرأي العامّ.
على أنّ فكرةَ مراجَعة الرأي العامّ، واختيار الخليفة بواسطة الناس لم يَدُرْ في خَلَدِ أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أساساً، وما ذُكِرَ في هذا الصعيد فيما بعد إنّما هو من تبريرات العُلماء والمفكرين، وأمّا من يشار إليهم من الصحابة فقد كانوا يَعتقدون بأنّ الخليفة يجب أن يُعيَّن ويُنصَب من قِبَل الخليفةِ السابق لا غير.
وللمثال عندما جُرح الخليفةُ الثاني، بَعَثَتْ عائشةُ زوجةُ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) رسالةً شفويّة إلى الخليفة الثاني بواسطة ابنه «عبدِ اللَّه» إذ قالت له: يا بُنيّ أبلغ عمرَ سلامي وقل له: لا تَدَعْ أُمّة محمد بلا راعٍ، إستَخْلِفْ عَلَيْهم، ولا تَدَعْهُمْ بَعدَك هَمَلًا، فإنّي أخشى عَلَيْهمُ الِفتْنَةَ. «2»
فأتى عبد اللَّه أَباه وكان طريحَ الفراش فحثّه على تعيين الخليفة من بَعده قائلاً: إنّي سَمِعْت النّاسَ يقولون مقالةً فآليتُ أن أقولها لك وَزَعَمُوا أنّك غير مُسْتَخْلِفٍ وأنّه لو كان لك راعي إبِل - أو راعي غَنَم - ثم جاءَك وتَرَكَها لرأيَتَ أن قدْ ضَيَّعَ فَرِعايةُ النّاسِ أشدُّ. «3»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الامامة والسياسة: ج1 ص24- 25.
(2) الامامة والسياسة: ج1 ص28.
(3) حلية الاولياء: ج1 ص44.