خلاصة نظرية ابن تيمية في التجسيم
بسم الله الرحمن الرحيم
تتلخص نظرية بن تيمية في التجسيم فيما يلي:
النقطة الاولى: يعتقد ابن تيمية أن كل موجود إذا كان قائماً بنفسه فهو جسم، وإن لم يكن جسماً فإنه يكون معدوماً، يعني بعبارة واضحة كل موجود فهو جسم، وما لم يكن جسماً فهو ليس بموجود. هذا الكلام يقوله بشكل واضح وصريح في (بيان تلبيس الجهمية، ج1، ص359) حققه يحيى بن محمد الهنيدي، المملكة العربية السعودية، وزارة الشؤون والأوقاف، 1426هـ، حيث يقول: (ومعلوم أن كون الباري ليس جسماً ليس هو مما تعرفه الفطرة بالبديهة ولا بمقدمات قريبة من الفطرة، بل بمقدمات فيها خفاء وطول، وليست مقدمات بيّنة ولا متفق على قبولها بين العقلاء، وإن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا جسماً، وما لا يكون جسماً لا يكون إلا معدوماً. ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من الأول). يعني إذا سألنا الفطرة والعقل: أيهما أقرب إليك هذا أو ذاك؟ يقول: نفي الجسمية لا هو فطري ولا هو عقلي، وإثبات الجسيمة لله فطري وعقلي. ولذا نجد قول في (ص251) من الكتاب: (وإن أردت أنهم وصفوه - يعني الله - بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد. وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض، أو أنهم وصفوه بما يقتضي أن يكون جسماً) يعني أنتم وصفتم الله بأمور تستلزم الجسمية. فيقال له لا اختصاص للحنابلة بذلك بل مذهب جماهير أهل الإسلام، بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها) يقول كل المسلمين يقولون بالتجسيم. وفي (ص373) يقول بشكل واضح وصريح، وبلا مؤاربة: وقالوا أن اليد والوجه لا تكون إلا جسماً هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية: إن قال قائل للشيخ ابن تيمية: ماذا أنت قائل، أليس قد ثبت: أن كل جسم فهو حادث، فإذا ثبت أن الله جسم يلزم أن يكون حادثاً، وإذا كان حادثاً لا يكون قديماً، وإذا بطل قدمه ثبت حدوثه وبطلت أزليته ودوامه. فكيف تحل هذه المشكلة؟ وممن التفت لهذا اللازم: الإمام البيهقي في كتاب (أسماء الله وصفاته، ج3، ص1044) المتوفى 458هـ، حيث يقول: (وما تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد والحد يوجب الحدث لحاجة الحد الى حادث خصه به).
وكذلك في كتاب الأمالي، المجلس الثلاثون للشيخ المفيد المتوفى 413هـ، قال: (لشهادة العقول: أن كل محدود مخلوق، وشهادة كل مخلوق: أن له خالقاً ليس بمخلوق). التفتوا جيداً إلى جواب الشيخ ابن تيمية، يقول: نحن لا نقبل نظرية (أن كل جسم حادث) بل الأجسام تنقسم إلى قسمين: أجسام حادثة: وهي السماوات والأرض وغيرها. وجسم قديم: وهو الله سبحانه وتعالى. وهذا تأكيد آخر للجسمية. ذكر هذا المعنى بشكل واضح وصريح في كتاب (بيان تلبيس الجهمية، ج1، ص399) فقال: (وإنما دلّت إن دلّت على قدم ما هو جسم أو مستلزم لجسم. وهذا مما يمكننا التزامه، فإن من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين لا يقولون بحدوث كل جسم، فإن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم). إلى أن يأتي في (ص401) يقول: (فأقول ..) إذن هذا كلام ابن تيمية، فهو ليس نقلاً عن الآخرين وإنما هو كلامه، (فأقول إذا كانت هذه الحجة التي عارضتمونا بها مستلزمة لكون بعض الأجسام قديمة من غير أن تعين جسماً، أمكن أن يكون ذلك الذي يعنونه بأنه الجسم القديم هو الله سبحانه).يقول: إذا ألزمنا أحد أنه يوجد جسم قديم. نقول: نعم هناك جسم قديم هو الله سبحانه وتعالى (كما يقوله المثبتون) للجسمية، لا النافون للجسمية. هذه هي النقطة الثانية.
النقطة الثالثة: وهي نقطة أساسية، فإن قلتم: أليس أن الشيخ ابن تيمية صرح في مواضع متعددة وقال: نحن نرى أن نفي الجسمية بدعة، وإثبات الجسمية أيضاً بدعة، إذن لماذا هنا خرج عن طوره وأثبت الجسمية. هذه بدعة، لأنه لم ترد الجسمية لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلمات السلف كما ادعى، إذن لماذا أوقع نفسه في مثل هذه البدعة؟ فيقول ـ في (بيان تلبيس الجهمية، ج1، ص372) ـ: (إن لفظ الجسم والعرض ونحو ذلك ألفاظ اصطلاحية، وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك في حق الله لا بنفي ولا إثبات بل بدعوا أهل الكلام بذلك وذموهم غاية الذم) يعني لا ينبغي أن نتكلم لا في إثبات الجسمية ولا في نفي الجسمية. وهذا خلاف ما أثبته، لانه أثبت أن الله له جسم وأنه جسم قديم، إذن وقع في البدعة؟
الجواب:
إن الشيخ ابن تيمية التفت إلى هذه الإشكالية فحاول في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) أن يجيب عن هذه الإشكالية، قال: ليست كل بدعة ضلالة فإن البدعة على قسمين على صنفين ونحوين: بدعة ضلالة. وبدعة حسنة. وإثبات الجسمية ليست من بدعة الضلالة بل من البدعة الحسنة. يقول في كتابه (درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، ج1، ص249) الطبعة الأولى، سنة 1429هـ، دار الفضيلة، تحقيق محمد رشاد سالم. وفي طبعة أخرى في (ج1، ص150) يقول: (قال الشافعي البدعة بدعتان بدعة خالفت كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهذه بدعة ضلالة، وبدعة لم تخالف شيئاً من ذلك فهذه قد تكون حسنة، لقول عمر: نعمة البدعت هذه، هذا الكلام أو نحوه رواه البيهقي بإسناده الصحيح في المدخل. ومن المعلوم أن قول نفاة الرؤية والصفات والعلو على العرش والقائلين بأن الله ... لأن إثبات ذلك تجسيم هو إلى مخالفة الكتاب والسنة والإجماع والآثار اقرب من قول من أثبت ذلك). إذن هذه تدخل في الحسنة ونفي الجسمية تدخل في الضلالة. (فهم معترفون أن قولهم) يعني نفاة الجسمية (معترفون بأن قولهم هو البدعة وقول منازعيهم) يعني مثبتي الجسمية (أقرب إلى السنة). فتكون داخلة في البدعة الحسنة. أقول: هذه خلاصة نظرية الشيخ بن تيمية في التجسيم. والمصيبة العظمى ان هذه العقيدة مما يلتزم بها اتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول صاحب كتاب كتاب (السبائك الذهبية بشرح العقيدة الواسطية، ص39) لعبد الله بن محمد الغنيمان، دار ابن الجوزي، يقول: (والواقع أن دعوة الشيخ محمد امتداد لدعوة الشيخ ابن تيمية وأثره من آثارها ... لا نزال نميز بين أهل التوحيد والسنة في محبة ابن تيمية، فمن كان يبغضه عرفنا أنه ليس من أهل التوحيد ولا من أهل السنة ومن كان يحبه عرفنا أنه من أهل التوحيد والسنة) يعني من اعتقد التجسيم فهو من أهل السنة ومن نفى التجسيم فهو ليس من أهل السنة. هذا هو منطق الوهابية. فيا أيها المسلمون في العالم تعتقدون بالتجسيم أو لا؟ هذا تساؤل أساسي مرتبط بأصل الدين، ليس مرتبط بالامور الثانوية والجانبية والفرعية، أصل الدين، أصل كل المعارف قائم عند هذه النقطة، أجيبونا جزاكم الله خيراً.