هل يصح استدلال ابن تيمية على صفة العلو بما يعتقده النصارى؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ ابن تيمية:
"وهناك الكرسى والعرش والحجب والملائكة يقول الله تبارك وتعالى وله من فى السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وقال فى الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون قيل لهم شهداء لأنهم يشهدون ملكوت الله وأحدهم شهيد كما يقال عليم وعلماء وكفيل وكفلاءوقال عز وجل لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا أى لا اتخذنا ذلك عندنا لا عندكم لأن زوجة الرجل وولده يكونان عنده بحضرته لا عند غيره والأمم كلها عجمها وعربها تقول ان الله عز وجل فى السماء ما تركت على فطرتها ولم تنقل عن ذلك بالتعليم وفى الحديث أن رجلا أتى الى النبى بأمة أعجمية للعتق فقال لها رسول الله أين الله قالت فى السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله فقال هى مؤمنة وأمره بعتقها وقال أمية بن أبى الصلت... مجدوا الله فهو للمجد أهل .. ربنا فى السماء أمسى كبيرا ... بالبناء الأعلى الذى سبق الناس ... وسوى فوق السماء سريرا ... شرجعا ما يناله بصر العين ... ترى دونه الملائك صورا وصورا جمع اصور وهو المائل العنق وهكذا قيل فى حملة العرش صور وكل من حمل شيئا ثقيلا على كأهله أو على منكبه لم يجد بدا من أن يميل عنقه وفى الانجيل أن المسيح (عليه السلام) قال لا تحلفوا بالسماء فانها كرسى الله وقال للحواريين ان أنتم غفرتم للناس فان اباكم الذى فى السماء يغفر لكم كلكم أنظروا الى طير السماء فانهن لا يزرعن ولا يحصدن ولا يجمعن فى الاهواء وابوكم الذى فى السماء هو الذى يرزقهم افلستم افضل منهن ومثل هذا من الشواهد كثير يطول به الكتاب
قال ابن قتيبة وأما قوله تعالى وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله فليس فى ذلك ما يدل على الحلول بهما وانما أراد أنه إله السماء ومن فيها وإله الارض ومن فيها ومثل هذا من الكلام قولك هو بخراسان أمير وبمصر أمير فالامارة تجتمع له فيهما وهو حال بأحدهما أو بغيرهما هذا واضح لا يخفى
فإن قال لنا كيف النزول منه جل وعز قلنا لا نحكم على النزول منه بشىء ولكنا نبين كيف النزول منا وما تحتمله اللغة من هذا اللفظ والله أعلم بما أراد".انتهى كلام ابن تيمية.(1) ومن الواضح انه يستدل على صحة عقيدته بان الله تعالى في السماء بما اعتقد به النصارى في انجيلهم وكانه لايعترف بانه محرف الا اننا لانريد ان نناقش صحة او خطأ هذا الاعتقاد بل الموضوع المطروح هو هل يجوز موافقة اهل الكتاب؟ فقد أخبرَ النبيُّ صلَّى الله عليه واله وسلَّم عن وقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة ؟ فعن أبي هريرة عن النبيِّ (صلَّى الله عليه واله وسلَّم) قال : ( لا تقومُ الساعةُ حتَّى تأخذَ أُمَّتي بأخذِ القرون قبلَها شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ , فقيلَ يا رسولَ الله : كفارس والروم , فقال : وَمَنِ الناسُ إلاَّ أولئك ) ([2]) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه واله وسلَّم قال : ( لَتتَّبعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قبلكم شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ , حتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تبعتموهُم , قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى , قال : فَمَنْ ) ([3]) .قال النووي : ( والمرادُ بالشبر والذراع وجُحر الضبِّ : التمثيلُ بشدَّةِ الموافقة لَهُمْ في المعاصي والمخالفات ) ([4]) بل ان ابن تيمية نفسه يقول : ( وهذا كلُّه خَرَجَ منه مَخْرجَ الْخَبَر عن وقوع ذلك , والذَّمُّ لِمَنْ يفعله , كما كانَ يُخبرُ عمَّا يفعله الناسُ بين يَدَيِّ الساعة من الأشراط والأمور المحرَّمات , فَعُلِمَ أنَّ مشابهتها اليهود والنصارى , وفارس والروم , مِمَّا ذمَّهُ الله ورسولُه , وهو المطلوب ) ([5]) . وقال ايضا: ( فَعُلِمَ بخبره الصِّدْقِ (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه في أمته قومٌ متمسِّكونَ بهديه , الذي هو دينُ الإسلام محضاً , وقومٌ منحرفونَ إلى شعبة من شُعَبِ اليهود , أو إلى شُعْبَةٍ مِنْ شُعَبِ النصارى , وإنْ كان الرجلُ لا يكفرُ بكلِّ انحراف , بل وقدْ لا يفسقُ أيضاً , بل قد يكون الانحرافُ كفراً , وقد يكونُ فسقاً , وقد يكون معصيةً , وقد يكونُ خطأً , وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويُزيِّنه الشيطان , فلذلك أُمِرَ العبدُ بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهوديةَ فيها ولا نصرانيةَ أصلاً ) ([6]) . وبعدو هذا هل يجوز الاستدلال بما يفعله اليهود والنصارى!!!
(1) مجموع الفتاوى [ جزء 5 - صفحة 405 ]
(2) رواه البخاري ح6888 باب قول النبي (صلَّى الله عليه واله وسلَّم) : لتتبعن سنن من كان قبلكم .
(3) رواه البخاري في الباب السابق ح6889 , ومسلم ح2669 باب اتباع سنن اليهود والنصارى .
(4) شرح صحيح مسلم للنووي ج16/219-220 .
(5) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ج1/147-149 .
(6) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/70 , ويُشيرُ إلى دعاء المسلم ربَّه تعالى في كلِّ يوم وليلة في صلاة الفريضة سبع عشرة مرة : (( اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ )) لآيتان 6-7 من سورة الفاتحة .