رد استدلال عبدالرحمن الرازي على عدالة جميع الصحابة
بسم الله الرحمن الرحيم
استدل البعض على طهارة وعدالة جميع الصحابة فرداً فرداً بهذه الآية الكريمة ومنهم عبدالرحمن الرازي (1).قال تعالى: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تبيَّنَ لهُ الهدى ويتَّبِع غيرَ سبيلِ المؤمنين نولِّه ما تولّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءت مصيراً) (2).ووجه الاستدلال: أنّ الله تعالى جمع بين مشاقة الرسول واتّباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فيكون اتّباع سبيلهم واجباً، ولا يصح الاَمر باتّباع سبيل من يجوز عليهم الانحراف والريبة والفسق.ولا علاقة للآية بمسألة عدالة الصحابة أبداً كما لا يخفى. ومع التنزل فإنّ الاستدلال بهذه الآية على عدالة جميع الصحابة فرداً فرداً لا يصح من عدة وجوه:
الاَول:
ذهب كثير من المفسرِّين والمتكلمين إلى أنَّ المقصود بسبيل المؤمنين هو مجموع الاُمّة، ومنهم القصّار المالكي والسبكي (3).
الثاني:
المراد بسبيل المؤمنين هو الاجتماع على الاِيمان وطاعة الله ورسوله، فإنَّ ذلك هو (الحافظ لوحدة سبيلهم) (4).
الثالث:
أن يكون سبيل المؤمنين خالياً من الاثم والعدوان، كما ورد في الآيات الكريمة، ومنها: قوله تعالى: (وتَعاونُوا على البرِّ والتَّقوى ولا تَعاونُوا على الاِثمِ والعُدوانِ) (5)، وقوله تعالى: (يا أيُّها الذين آمنُوا إذا تناجَيتُم فلا تَتَناجَوا بالاِثمِ والعُدوانِ ومعصِيةِ الرَّسُولِ وتناجَوا بالبّرِ والتَّقوى) (6). فالله تعالى ينهى عن التعاون والمناجاة بالاِثم والعدوان، لاِمكان وقوعه من قبل المسلمين.
الرابع:
اختلف الصحابة فيما بينهم حتى وصل الحال بهم إلى الاقتتال، كما حدث في معركة الجمل وصفين، فيجب على الرأي المتقدم اتّباع الجميع، اتّباع علي بن أبي طالب (عليه السلام) والخارجين عليه، وهذا محال، واتّباع أحدهم دون الآخر يعني عدم اتّباع الجميع بل البعض منهم، وهذا هو الوجه الصحيح، وهو وجوب اتّباع من وافق الحق والشريعة وليس اتّباع كل سبيل.فالسبيل المقصود هو سبيل المؤمنين الموافق للحق وللاَسس الثابتة في الشريعة، وليس هو سبيل كلّ فرد من أفراد المؤمنين.وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى استحالة توزيع سبيل المؤمنين على الاَفراد فقال: (إنّ لفظ الاُمّة ولفظ سبيل المؤمنين لا يمكن توزيعه على أفراد الاُمّة وأفراد المؤمنين) (7).
(1) الجرح والتعديل، لعبدالرحمن الرازي 1: 7.
(2) سورة النساء 4: 115.
(3) المقدمة في الاُصول، للقصّار المالكي: 45. والابهاج في شرح المنهاج، للسبكي 2: 353.
(4) الميزان في تفسير القرآن 5: 82.
(5) سورة المائدة 5: 2.
(6) سورة المجادلة 58: 9.
(7) أعلام الموقعين 4: 127.