ما هي وظائف الإمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ : موسّع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أنّ خليفة النبي والإِمام إنّما هو في نظر المسلمين من يقوم بوظائف رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما عدا تلقي الوحي والإِتيان بالشريعة) ونورد هنا أبرز هذه الوظائف لتتبيّن مكانة الإِمامة وأَهميتها بصورة أوضح.
ألف: تَبيين مفاهيمِ القُرآن الكَريم وحلّ مُعضلاته، وبيان مقاصده، وهذا هو من أبرز وظائف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول عنها القرآن الكريم: «وَأَنزَلْنا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ للنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِم» «1».
ب: بيانُ الأحكام الشرعية، فقد كانَ هذا العَمَل من وظائفِ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كان يقوم بذلك عن طريق تلاوة الآيات المتضمنة للأَحكام حيناً وعن طريق السّنة حيناً آخر.
ثمَّ إنّ بَيان الأحكام من جانب النبيّ تم بصورةٍ تدريجيّة، ومتزامناً مع وقوع حوادثَ جديدةٍ، وظهورِ إحتياجات حديثة في حياة الأُمّة، ومثل هذا الأمر يقتضي بطبيعته أن تستمر هذه الوظيفةُ، لعدم انحصار الحاجات بما حدث في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا من جانب. ومن جانب آخر لا يتجاوز عددُ الأحاديث الّتي وَصَلت إلينا عن (رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم) حول الأحكام (500) حديث «2» ولا شك أنّ هذا القدر من الأحاديث الفقهية لا تسدُّ حاجة الأُمّة المتنامِية، ولا توصلُها إلى مرحلة (الإكتفاءِ الذاتيّ) في مجال التقنين.
ج: حيث إنّ (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) كان محوراً للحق، وكان بتعليماته، يمنع من تطرّق أيّ انحرافٍ، وتسرّبِ أيّ إعوجاجٍ في عقائد الأُمّة، لهذا لم يحدث أيُّ تفرّقٍ عقائديّ، وأي تشتُّتٍ مذهبيّ في عَصره أو لم يكن هناك أَرضية لظهور ذلك.
د: الإجابة على الأَسئلةِ الدينيّة والإعتقادية، فقد كان هذا العملُ هو الآخر من وظائف ا(لنبي صلى الله عليه وآله وسلم) الهامَّة.
هـ :إقامةُ القِسطِ والعَدل والأمن العامّ الشامل في المجتمع الإسلاميِّ، وظيفة أُخرى من وظائف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و: حِفظُ الثغور، والحدُود، والثروة الإسلاميّة تجاه الأعداء هو أيضاً من مسؤوليات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووظائفه. إنّ الوظيفتين الأخيرتين وإن أمكن القيام بهما من قِبَل الخليفة الذي تختارهُ الأُمّة، لكن من المُسَلَّم والقطعيّ أنّ القيامَ بالوظائِفِ السّابقة (وهي بيانُ مَفاهيمِ القرآنِ الكريمِ الخفيّة، الغامِضَةِ، وبيانُ أحكامِ الشَّرع و.. و...) يَحتاج إلى قائد واعٍ خبيرٍ، يكون موضعَ عناية اللَّه الخاصّة، كما يكون في عِلمِهِ صنوَ النبيّ ونظيرهُ، أيْ أن يكون حاملًا للعلومِ النَبَوّية ومَصُوناً من كل خطأ وزلل، ومعصوماً من كلّ ذنبٍ وخطلٍ، ليستطيع القيامَ بالوظائف الجسيمة المذكورة، وليملأَ الفراغ الذي أحدثه غيابُ (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) بسبب وفاته، في الظروف الزاخرة بالأحداث الحُلوة والمرَّة، وبالوقائع الحرجة.
إنّ من البديهيّ أنّ تَشخيصَ مثلِ هذا الشخصِ، والمعرفة به لإيكال منصب القيادة إليه، خارجٌ عن حدود عِلمِ الأُمّةِ ونِطاق معرِفتها، ولا يمكن أن يتُمَّ بغير رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالأمر الإِلهيّ وتعيينهما إيّاه.
ومنَ الواضح أيضاً أنّ تَحقُّق الأهداف المذكورةِ رهنُ حماية النّاس، واستجابتهم وإطاعتهم للقائد المعيَّن، بواسطةِ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومجرّدُ التعيين الإلهيّ والنصّ النبويّ علىالخليفة لا يكفي لِتحقّقِ الأهداف والوظائف السالِفة. (إذ لا رَأيَ لِمَنْ لا يُطاع). وهذا جارٍ حتّى في القرآن الكريم والنبيّ (الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم) نفسِه، فإنّهما ما لم يُطاعا لا تتحقّق أهدافهما.
إنّ الحَوادِثَ السَلْبِيَّةَ، وتشتّتَ كلمة المسلمين الذي حَدَثَ بعد وفاة رسولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن بسبب أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقُم بوظيفته الحكيمة (والعياذ باللَّه)، ولا لأجل أنّه لم يُعرِض على المسلمين أُطروحةً موضوعية وحكيمة لإدارة الأُمّة من بعده، أو أنّ أُطروحتَه كانت أُطروحةً ناقصة، بل حدث ما حدث مِنَ المشاكل الألِيمة بِسبب أنّ بعضَ أفراد الأُمّة رجَّحُوا نَظَرَهم على نَظَر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقدّموا مَصالحهم الشخصية على تنصيص اللَّه ورسولهِ وتعيينِهما.
ولم يكنْ هذا هو المورد الوحيد الذي حدثت فيه مثلُ هذه الواقعة في التاريخ بل لذلك نظائرُ عديدة في تاريخ الإسلام. «3».«4»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النحل44.
(2) الوحي المحمدي ص212الطبعة السادسة.
(3) راجع كتاب النص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي.
(4) البحث منقول من كتاب العقيدة الإسلامية للشيخ السبحاني.