الامام علي اولى بالمؤمنين من انفسهم كما فهم الصحابة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن كون أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس مجرد رأي تطرحه الشيعة أو تدّعيه بل حتى السنة تقرّ وتعترف بذلك. وإليك بعض الروايات التي ينقلها علماؤهم بهذا الشأن. من فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : " عن يحيى بن آدم (ثقة) عن رياح الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا. فقال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سـمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فهذا مولاه. قال رياح: فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري ". (1) ذكره الألباني وعلق عليه: (قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات)، وكذا علق عليه محقق كتاب فضائل الصحابة وصي الله بن محمد عباس بقوله: (إسناده صحيح). (2) وقال الطبراني في المعجم الكبير : بطريقين: " حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي (الحافظ الثقة) حدثنا علي بن حكيم الأودي (ثقة) حدثنا شريك (صدوق سيء الحفظ لكنه توبع من ابن فضيل ويحيى بن آدم) عن حنش بن الحارث وعن الحسن بن الحكم عن رياح بن الحارث وحدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا يحيى الحماني حدثنا شريك عن الحسن بن الحكم عن رياح بن الحارث النخعي قال: ثم كنا قعودا مع علي (رضي الله عنه) فجاء ركب من الأنصاري عليهم العمائم، فقالوا: السلام عليك يا مولانا! فقال علي (رضي الله عنه): أنا مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: نعم! سمعنا النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) وهذا أبو أيوب فينا. فحسر أبو أيوب قناع عن وجهه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) ". (3) وفي كتاب وقعة صفين للحافظ الثقة إبراهيم بن ديزيل : " حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ( 4)، قال: حدثنا ابن فضيل (5)، قال: حدثنا الحسن بن الحكم النخعي (ثقة)، عن رباح بن الحارث النخعي (ثقة)، قال: كنت جالسا عند علي (عليه السلام)، إذ قدم عليه قوم متلثمون، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال لهم : أو لستم قوما عربا! قالوا: بلى، ولكنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
قال: فلقد رأيت عليا (عليه السلام) ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: اشهدوا.
ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم فتبعتهم، فقلت لرجل منهم: من القوم؟ قالوا: نحن رهط من الانصار، وذاك - يعنون رجلا منهم - أبو أيوب صاحب منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فأتيته فصافحته". (6)
نقول: أما متنه فلا يحتاج إلى بيان. أما سنده، فالإنصاف أن الألباني وإن وثق (يحيى بن سليمان) إلا أن ابن حجر في التقريب قال عنه (صدوق يخطئ)، ولا منافاة بين الأمرين، فنترك تقييم هذه الكلمة (صدوق يخطئ) لأستاذ هذا الفن وهو نفس ناصر الدين الألباني حيث قال : " قوله (صدوق يخطئ) ليس نصا في تضعيفه للراوي به، فإننا نعرف بالممارسة والتتبع أنه - ابن حجر - كثيراً ما يحسّن حديث من قال فيه مثل هذه الكلمة ". (7) فاتضح إلى هنا أن الحديث حسن الإسناد محتج به بلا ريب، وهو حكم الألباني على حديث آخر ذكره في الصحيحة ورقمه وكل رجاله ثقات ما عدا (يحيى بن سليمان) فحسّن الألباني الحديث وقال: " قلت : وهذا إسناد حسن. رجاله ثقات رجال البخاري، إلا أنهم تكلموا في حفظ ابن سليمان ". (8)
فالحديث حجة بلا ريب. أما دلالة الحديث فواضحة، هذا أبو أيوب الأنصاري وبعض الأنصار من الصحابة سلموا على أمير المؤمنين (عليه السلام) بولايته عليهم، وعندما سمع الإمام (عليه السلام) قولهم الذي تناساه كثير من الناس ضحك روحي فداه، فانتهزها فرصة ليذكر ويؤكد لمن حوله مقامه من المؤمنين، فاستدرج الإمام علي (عليه السلام) هؤلاء النفر من الأنصار بسؤاله ضاحكا عن علة إطلاق هذا النعت (مولانا) الذي تضمن إقرارهم على أنفسهم بأنـهم موالي وعبيد له مع أن هذا النعت لا يصدر إلا من عبد حبشي غير عربي فكيف يصدر منكم وأنتم من العرب. فقالوا إن هذا المولوية ثبتت لك في غدير خم عندما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) فهذه الكلمة (مولانا) وإن كانت لا تصدر إلا من العبد لسيده الأولى به من نفسه، ولكنها لك في الحقيقة لأنا صرنا لك في غدير خم كما كنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة العبيد والموالى، أي أنت أولى بنا من أنفسنا كما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بنا من أنفسنا بمفاد قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(9) وبعد أن استدرجهم الإمام (عليه السلام) بسؤاله وذكروا له السبب، توصل الإمام علي (عليه السلام) لبغيته من استدراجهم فقال لمن حوله إشهدوا على اعتراف هؤلاء الصحابة بأني أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك، بمفاد حديث الغدير. فيتضح أن الشيعة عندما فهموا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) بأن الإمام علي (عليه السلام) أصبح أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كان هو المعنى الصحيح والمستفاد من الروايات الصحيحة عند أهل السنة، وهو بعينه الذي فهمه الصحابة من هذا الحديث الشريف، والفهم والعلم شيء والتطبيق والإيمان شيء آخر.
(1) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج2 ص707 ح967
(2) سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الرابع ص340
(3) المعجم الكبير ج4 ص173 ح4053
(4) وهو ثقة من رجال البخاري كما قال الألباني في الإرواء ج4ص194
(5) ثقة محتج به في الصحيحين كما قال للألباني في الصحيحة ج2ص89
(6) وقعة صفين للحافظ الثقة إبراهيم بن ديزيل ص 165-166
(7) تمام المنة ص203
(8)سلسلة الاحاديث الصحيحة حديث رقم 1878
(9) الأحزاب اية6