الرد على ابن حجر في استغرابه من حديث انا المنذر وعلي الهاد
بسم الله الرحمن الرحيم
ان حديث (انا المنذر وعلي الهاد) من الاحاديث المتفق عليها بين الفريقين فلا التفات لمن شكك في صحة سنده فقد ذكر صحته مجموعة من الاعلام منهم:
1-الحاكم النيسابوري ، الذي نص على صحّة ما أخرجه ، وحكى تصحيحه غير واحدٍ من الأعلام كالحافظ السيوطي.
2- والضياء المقدسي ، إذ أخرجه في كتابه المختارة كما في الدرّ المنثور وغيره ، وكتابه المذكور يعتبر من الكتب الصحاح ، لالتزامه فيه بالصحّة كما نصّ عليه العلماء ، كالحافظ السيوطي حيث قال في ذِكر مَن صحح الأحاديث :« ومنهم : الحافظ ضياء الدين محمّد بن عبدالواحد المقدسي ، جمع كتاباً سمّاه المختارة التزم فيه الصحّة ، وذكر فيه أحاديث لم يُسبق إلى تصحيحها » (١). وفي كشف الظنون : « المختارة في الحديث ، للحافظ ضياء الدين محمّد ابن عبدالواحد المقدسي الحنبلي ، المتوفّى سنة ٦٤٣ ، التزم فيه الصحّة ، فصحّح فيه أحاديث لم يُسبق إلى تصحيحها.قال ابن كثير : وهذا الكتاب لم يتمّ ، وكان بعض الحفّاظ من مشايخنا يرجّحه على مستدرك الحاكم. كذا في الشذا الفيّاح » (٢). قلت : وهذه عبارة ابن كثير في حوادث سنة ٦٤٣ ، حيث ذكر وفاة الضياء وترجم له ، فقال : « وألّف كتباً مفيدة حسنة كثيرة الفوائد ، من ذلك : كتاب الأحكام ، ولم يتمه ، وكتاب المختارة وفيه علوم حسنة حديثية ، وهي أجود من مستدرك الحاكم لو كمل ... » (3).
3- وأبو بكر الهيثمي ، إذ روى الحديث عن بعض الأئمّة ، ثمّ نص على أن « رجال المسند ثقات » (4). ابن حجر العسقلاني فقد قال: وَالْمُسْتَغْرَب مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَن مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَضَعَ رَسُول الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: أَنَا الْمُنْذِر، وَأَوْمَأَ إِلَى عَلِيّ وَقَالَ أَنْتَ الْهَادِي بِك يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بَعْدِي " فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَالْمُرَاد بِالْقَوْمِ أَخَصّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ بَنِي هَاشِم مَثَلًا. وكما تلاحضون ان ابن حجر يستغرب من هذا الحديث رغم حكمه بصحته وسبب استغرابه دلالة الحديث على حصر الامامة بعلي (عليه السلام)وحرف دلالة الحديث الواضحة بان المراد منه ان عليا هاديا لبني هاشم فقط وياله من تحريف بارد ووجه استغراب ابن حجر يحتمل انه بسبب الاشكال التالي: ان النبي (صلى الله عليه واله) هو الهادي فكيف يقول لعلي انت الهادي؟ يبتني هذا الوجه على جعل الواو في قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ، عاطفةً ، فيكون ( هادٍ ) عطفاً على ( مُنْذِرٌ ) و ( لِكُلِّ قَوْمٍ ) متعلق بـ ( هادٍ ). أو يكون ( هادٍ ) خبراً لمبتدأ مقدَّر ، أي : وأنتَ هاد. لكنْ يردّ الأوّل : بأنّه يستلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجار والمجرور ، وهو غير جائز عند المحقّقين من النحويّين. ويردّ الثاني : بأنّه مستلزم للتقدير ، ومن الواضح أنّه خلاف الأصل.على أنّ القول بأنّ « الهادي » في الآية هو « رسول الله » نفسه ، إغفالٌ للحديث الصحيح الوارد بتفسيرها ، الصريح في أنّه عليٌّ ، وبه يجاب عن قول مَن فسّر الآية برأيه ، فجعل « الهادي » هو « الله » أو « العمل » أو غير ذلك ، وهي تفاسير باطلة لم يوافق عليها حتى ابن تيميّة والآلوسي.وعلى ما ذكرنا تكون « الواو » استئنافيةً. فيكون معنى الآية : كون النبيّ منذراً ، ولكلّ قوم هادٍ إلى ما جاء به النبيّ ، وهو « عليٌّ » ، الذي حفظ ونشر ما جاء به النبيّ ، ودعا إلى الأخذ والعمل به ، فكان الهادي بقوله وفعله إلى الله والإسلام بعد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام.
_________________
(1) تدريب الراوي ١ / ١٥٥.
(2) كشف الظنون ٢ / ١٦٢٤.
(3) تاريخ ابن كثير ١٣ / ١٧٠.
(4) مجمع الزوائد ٧ / ٤١.
(5) فتح الباري - ابن حجر جزء 8 - صفحة 376