الخلاف في جواز التسمية بعبد المطلب
بسم الله الرحمن الرحيم
معروفة هي مواقف السلفيين من التسمية بعبد فلان مع ان النبي (صلى الله عليه واله) كان يفتخر بجده عبد المطلب مما دعى بعض علمائهم لاستثناء هذا الاسم كابن حزم الظاهري وقد اشار ابن تيمية لهذا الخلاف قال في مجموع الفتاوى :
وشريعة الإسلام الذي هو الدين الخالص لله وحده تعبيد الخلق لربهم كما سنه رسول الله وتغيير الأسماء الشركية إلى الأسماء الإسلامية والأسماء الكفرية إلى الأسماء الإيمانية وعامة ما سمى به النبي عبد الله وعبد الرحمن كما قال تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى فإن هذين الإسمين هما أصل بقية أسماء الله تعالى
وكان شيخ الإسلام الهروي قد سمى أهل بلده بعامة أسماء الله الحسنى وكذلك أهل بيتنا غلب على أسمائهم التعبيد لله كعبد الله وعبد الرحمن وعبد الغني والسلام والقاهر واللطيف والحكيم والعزيز والرحيم والمحسن والأحد والواحد والقادر والكريم والملك والحق وقد ثبت في صحيح مسلم عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي قال أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة " وأما اسم عبد المطلب ففي التسمية به خلاف .وقد حاول ان يجيب البعض عن هذا الاشكال بالقول ان قول النبي (صلى الله عليه واله) (انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب ) هو من باب الاخبار عن اسم جده لا انشاء التسمية وناقل الكفر ليس بكافر.ولكن هذا الجواب عليل لانه لايختلف عن اسماء الصحابة الذين غير اسمائهم النبي (صلى الله عليه واله) فايضا يمكن القول بانه يجوز ابقاء اسمائهم ومناداتهم بها ويكون هذا اخبار عن ان اهليهم هم من اسموهم بهذه الاسماء وتكون مناداتهم بها من باب الاخبار لا من باب انشاء التسمية وممن ذكر هذا الجواب السقيم الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال بعد نقله قول ابن حزم " اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو وعبد الكعبة وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب " قوله حاشا عبد المطلب قال ابن القيم لا تحل التسمية بعبد علي وعبدالحسين ولا عبد الكعبة وقد روى ابن أبي شيبة عن هانىء بن شريح قال وفد على النبي( صلى الله عليه وسلم) قوم فسمعهم يسمون رجلا عبد الحجر فقال له ما اسمك قال عبد الحجر فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنما أنت عبدالله " – وصححه الشيخ الألباني -
فقيل كيف يتفقون على تحريم الاسم المعبد لغير الله وقد صح عنه (صلى الله عليه وسلم) تعس عبد الدينار الحديث وصح عنه أنه قال أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب (أخرجه احمد والنسائي وابن ماجه عن البراء. وقال الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 1451 في صحيح الجامع.*) فالجواب أما قوله تعس عبد الدينار فلم يرد الاسم وإنما أراد به الوصف والدعاء على من يعبد قلبه للدينار والدرهم فرضي بعبوديتهما عن عبودية الله تبارك وتعالى وأما قوله أنا ابن عبد المطلب فهذا لبس من باب إنشاء التسمية بذلك وإنما هو من باب الاخبار بالاسم الذي عرف به المسمى دون غيره والاخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم ولا وجه لتخصيص أبي محمد ذلك بعبد المطلب خاصة فقد كان أصحابه يسمون بعبد شمس وبني عبد الدار بأسمائهم ولا ينكر عليهم النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك فباب الأخبار أوسع من الإنشاء فيجوز فيه مالا يجوز في الإنشاء انتهى ملخصا وهو حسن ولكن بقي إشكال وهو أن في الصحابة من اسمه المطلب بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب
فالجواب أما من اسمه عبد شمس فغيره النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى عبد الله كما ذكروا ذلك في تراجمهم وأما المطلب بن ربيعة فذكر ابن عبد البر أن اسمه عبد المطلب وقال كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يغير اسمه فيما علمت وقال الحافظ وفيما قاله نظر فإن الزبير أعلم من غيره بنسب قريش ولم يذكر أن اسمه إلا المطلب وقد ذكر العسكري أن أهل النسب إنما يسمونه المطلب وأما أهل الحديث فمنهم من يقول المطلب ومنهم من يقول عبد المطلب وأما عبد يزيد أبو ركانة فذكره الذهبي في التجريد وقال أبو ركانة طلق امرأته وهذا لا يصح والمعروف أن صاحب القصة دكانه وروى حديثه أبو داود وفي السنن عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة وأخوته أم ركانة وذكر الحديث ثم قال وحديث نافع بن عجير وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أن ركانة طلق امرأته البتة فجعلها النبي (صلى الله عليه وسلم) واحدة أصح لأنهم ولد الرجل وأهله وهم أعلم به فقد تبين أنه ليس في الصحابة من اولاء من تصح له صحبته فعلى هذا لا تجوز التسمية بعبد المطلب ولا غيره مما عبد لغير الله وكيف تجوز التسمية وقد أجمع العلماء على تحريم التسمية بعبد النبي وعبد الرسول وعبد المسيح وعبد علي وعبد الحسين وعبد الكعبة وكل هذه أولى بالجواز من عبد المطلب لو جازت التسمية به وأيضا فقد نص النبي (صلى الله عليه وسلم) على أن التسمية بعبد الحارث من وحي الشيطان وأمره بعبد المطلب كعبد الحارث لا فرق بينهما إلا أن أصدق الأسماء الحارث وهمام فلعله أولى بالجواز لا يقال إن الحارث اسم للشيطان لأنه وإن كان اسما له فلا فرق في ذلك بين جميع من اسمه الحارث فلا يجوز التسمية به وإن نوى عبد الحارث بن هشام أو غيره فإن قلت إذا كان ابن حزم قد حكى الاجماع على جواز التسمية بعبد المطلب فكيف يجوز خلافه قلت كلام ابن حزم ليس صريحا في حكاية الإجماع على جواز ذلك بعبد المطلب فإن لفظة اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى وعبد هبل وعبد عمرو وعبد الكعبة وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب واتفقوا على إباحة كل اسم بعد ما ذكرنا ما لم يكن اسم نبي أو اسم ملك إلى آخر كلامه فيحتمل أن مراده حكاية الخلاف فيه ويكون التقدير اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب أي فإنهم لم يتفقوا على تحريمه بل اختلفوا ويؤيده أنه قال بعده واتفقوا على إباحة كل اسم بعد ما ذكرنا إلى آخره ويكون المراد حاشا عبد المطلب فلا أحفظ ما قالوا فيه ويكون سكوتا منه عن حكاية اجماعا أو خلاف فيه وعلى تقدير أن مراده حكاية الإجماع من جواز ذلك فليس كل من حكى اجماعا يسلم له ولا كل إجماع يكون حجة أيضا فكيف والخلاف موجود والسنة فاصلة بين المتنازعين وغاية حجة من أجازه قوله عليه السلام أنا ابن عبد المطلب ونحوه أو أن بعض الصحابة اسمه عبد المطلب وقد تقدم الجواب عن ذلك وأيضا فلو كان قوله أنا ابن عبد المطلب حجة على جواز التسمية به لكان قوله إنمابنو هاشم وبنو عبد مناف شيء واحد حجة على جواز التسمية بعبد مناف ولكن فرق بين إنشاء التسمية وبين الاخبار بذلك عمن هو اسمه"(2) اما من قال بجواز التسمية بعبد المطلب فمنهم صاحب فتح المجيد الى جوازه فقال بعد نقله كلام ابن حزم : "قوله : حاشا عبد المطلب هذا استثناء من العموم المستفاد من كل وذلك أن تسميته بهذا الإسم لا محذور فيها لأن أصله من عبودية الرق وذلك أن المطلب أخو هاشم قدم المدينة وكان ابن أخيه شيبة هذا قد نشأ في أخواله بني النجار من الخزرج لأن هاشما تزوج فيهم امرأة فجاءت منه بهذا الابن فلما شب في أخواله وبلغ سن التمييز سافر به عمه المطلب إلى مكة بلد أبيه وعشيرته فقدم به مكة وهو رديفه فرآه أهل مكة وقد تغير لونه بالسفر فحسبوه عبدا للمطلب فقالوا : هذا عبد المطلب فعلق به هذا الإسم وركبه فصار لا يذكر ولا يدعى إلا به فلم يبق للأصل معنى مقصود وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ أنا ابن عبد المطلب ] وقد صار معظما في قريش والعرب " (3)
وقال في تحفة المودود(4) لما كان المقصود بالاسم التعريف والتمييز وكان الاسم الواحد كافيا في ذلك كان الاقتصار عليه أولى ويجوز التسمية بأكثر من اسم واحد كما يوضع له اسم وكنية ولقب وأما أسماء الرب تعالى وأسماء كتابه وأسماء رسوله فلما كانت نعوتا دالة على المدح والثناء لم تكن من هذا الباب بك من باب تكثير الاسماء لجلالة المسمى وعظمته وفضله قال الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وفي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم قال قال رسول الله لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي
وسألت الشيخ ابراهيم الرحيلي فقال لك غيره لأن المطلب ليس من أسماء الله وحاول أن تقنع والدك والله أعلم.
(1) مجموع الفتاوى [ جزء 1 - صفحة 379 ]
(2) تيسير العزيز الحميد [ جزء 1 - صفحة 566 -568]
(3) فتح المجيد [ جزء 1 - صفحة 429 ] انظر فتح الباري - ابن حجر [ جزء 7 - صفحة 163 ]
(4) تحفة المودود [ جزء 1 - صفحة 144 ]