بسم الله الرحمن الرحيم
كل من يراجع التاريخ يلاحظ ان جميع الحكومات الاسلامية من وفاة النبي (صلى الله عليه واله) جائت عن طريق الغلبة والانقلابات ماعدا خلافة امير المؤمنين وابنه الحسن (عليهما السلام) ومنها الدولة العثمانية فهي منذ تأسيسها اخذت بالتوسع بالقوة والغلبة والقهر وراحت الاف النفوس ضحية اطماعهم بالتوسع اكثرها من المسلمين يقول الشيخ علي الكوراني العاملي: صارت الدولة العثمانية دولةً بالغلبة والقوة العسكرية، وهذا هو كل رأس مال دول الخلافة جميعاً ما عدا خلافة علي (عليه السلام) فالدولة العثمانية كغيرها من دول القهر، شرعيتُها الغَلَبَة للآخرين وإجبار الناس على الخضوع والبيعة!
والبيعة التي يتشبث بها حكامها وأتباعها لإثبات شرعيتها، مثل الديمقراطيات التي يتشبث بها الغربيون لنصب حكام في بلادنا! ولذلك يبقى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) أقوى من كل تبجحهم، لأنه يحترم الدين والناس!
يحترم الدين، لأن الحكم في الأرض إن كان لله تعالى فلا بد من نص من رسوله (صلى الله عليه وآله) لطريقته أو أشخاصه. وإن كان للناس فلا بد أن يكون بانتخاب ورضىً، بإرادة حرة لا إكراه فيها، ولا إجبار!.
ويحترم الناس، لأنه يؤمن أن بيع سلعة بعشرة فلوس بالإجبار والإكراه، باطلٌ شرعاً، وبالأحرى ليس بيعاً ولا شراءً لفقدانه عنصر الإرادة الحرة في الفعل الإنساني، فلا المشتري يملك به السلعة ولا البائع الثمن! فما بالك ببيعةٍ تُسَلِّم الى الحاكم مقدرات الإنسان وحقوقه ومصيره، ومصير الأمة كلها؟!
محاولة شَرْعَنَة الحُكم بالغلبة:
منذ أن فرض زعماء قريش بعد النبي (صلى الله عليه وآله) دولة الغلبة والى يومنا هذا يحاول فقهاء الخلافة شَرْعَنَةَ عملهم في حكم الأمة الإسلامية، فقالوا إن الشرعية تتحقق للخليفة بمجرد أن يبايعه شخصٌ آخر! وأنه بمجرد صفقة عمر على يد أبي بكر في السقيفة صار أبو بكر حاكماً شرعياً على جميع المسلمين، تجب عليهم طاعته وتحرم مخالفته!
ثم رأوا أن ذلك بابٌ خطير، فقد سمع عمر أن شخصاً قال لئن مات عمر لأصْفِقَنَّ على يد فلان وأبايعه! فخطب عمر محذراً من ذلك وقال لا تجوز البيعة بدون مشورة المسلمين أبداً، وإن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فمن فعل مثلها وصَفَق على يد أحد كما فعلتُ مع أبي بكر فاقتلوه(1).
على أن المشكلة الأكبر أمام مشروع الخلافة عند بني عثمان جُق أنهم ليسوا عرباً، وفقه الخلافة قبلهم مُجْمِعٌ على القول إن الحاكم يجب أن يكون عربياً قرشياً، وإلا فلا شرعية له ولا أثر لبيعته ولا كرامة!
لهذا تحركت عقول فقهاء بني عثمان فوجدوا الحل عند أبي حنيفة، حيث نُسب اليه عدم اشتراط القرشية في الحاكم، وأن بيعة غير العربي تصح! فحمد أولاد عثمان ربهم وفقهاؤهم، وأعلنوا أبا حنيفة إماماً رسمياً لجميع المسلمين ونشروا مذهبه، وبنوا قبره ببغداد أحسن بناء، وسموه الإمام الأعظم، وسموا محلة القبر الأعظمية! واليك شيئاً من التفصيل عن تاريخ المسألة وفقهها:
فقد احتج عمر على الأنصار في السقيفة بأن محمداً (صلى الله عليه وآله) من قريش ونحن قبائل قريش قومه وعشيرته فنحن أحق بسلطانه، ولا ينازعنا سلطان محمد إلا كافر؟! وذلك ليُسَكِّتَ الأنصار الذين يعيش القرشيون في بلدهم وضيافتهم.
لكن عمر نفسه تخلى عن مبدأ قرشية الخليفة فقال إن بيعة أبي بكر فلتة، أي غير شرعية فمن فعل مثلها فاقتلوه، كما تقدم! وقال قبل موته: (لو شهدني أحد رجلين استخلفته..ثم وضعتها موضعها: أبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة!)(2). وسالم غلامٌ فارسي يملكه رجل أموي هو أبو حذيفة!
لكن فقهاء الخلافة أخذوا بمذهب عمر الأول دون الثاني، فجعلوا من شروط الخليفة أن يكون من قبائل قريش ورووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) أحاديث في ذلك وصححوها وما زالوا الى يومنا هذا!(3).
وقال في آخره: ولذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية أن يتوبوا إلى ربهم ويرجعوا إلى دينهم ويتبعوا أحكام شريعتهم، ومن ذلك أن الخلافة في قريش بالشروط المعروفة في كتب الحديث والفقه. كما صححه، وقال: قلت: وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديماً وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثاً، الذين لا يشترطون في الخليفة أن يكون عربياً قرشياً(4). وأعجب من ذلك أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في (الدولة الإسلامية) ذكر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة، إلا هذا الشرط، متجاهلاً كل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذكَّرته بذلك تبسم صارفاً النظر عن البحث في الموضوع. ولا أدري أكان ذلك لأنه لا يرى هذا الشرط كالذين أشرنا إليهم آنفاً، أم أنه كان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية! وسواء كان هذا أو ذاك، فالواجب على كل مؤلف أن يتجرد للحق في كل ما يكتب، وأن لا يتأثر فيه باتجاه حزبي أو تيار سياسي، ولا يلتزم في ذلك موافقة الجمهور أو مخالفتهم. والطريف أنه صحح حديثاً آخر(5)، نصه: ( الخلافة في قريش والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة)! وعلى فتواه يجب أن يكون الحاكم في عصرنا من قريش من أي قبائلها كان، والوزراء من الأنصار، ووزير الإرشاد والأوقاف والمفتي وكل من عمله الإعلام والدعوة من الأفارقة خاصة من أثيوبيا! لأن الوجوب الذي استفاده من الحديث تتساوى فيه الخلافة والوزارة والدعوة!
ثم جاء فقهاء بني عثمان، فوجدوا لأبي حنيفة قولين كعمر، فقد كان أول أمره زيدياً متعصباً يقول ببطلان الخلافة بالغلبة ويقول في زيد: (لقد ضاهى خروجه خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بدر), وكان يصف العباسيين بأنهم لصوص الخلافة!(6). وكان يشترط القرشية حتى في القاضي(7). لكنهم نقلوا عنه أنه تغير بعد ذلك وقال بصحة خلافة غير القرشي، فقبضوا على هذه اللقطة وأهدوها الى العثمانيين، فأعلن السلطان سليم نفسه خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عملاً بالرواية الثانية للإمام الأعظم أبي حنيفة بن النعمان بن زوطي الهروي، وصرفوا لترويج مذهبه ملايين من أموال فقراء المسلمين!.
وينبغي أن نشير هنا الى أن مذهبنا وإن قام على حديث النبي (صلى الله عليه وآله) أن الأئمة جعلهم الله في هذا الفرع من قريش، وهم عترته الإثنا عشر: عليٌّ وأحد عشر إماماً من ولده خاتمهم المهدي (عليهم السلام) لكن ذلك لا يعني اشتراط أن يكون الحاكم في عصرنا قرشياً أو عربياً، بل شرطه الكفاءة والعدالة من أي جنسية كان(8).
___________
(1) صحيح بخاري: 8/26.
(2) تاريخ المدينة: 3/140، والزوائد: 4/220.
(3) راجع سلسلة الأحاديثه الصحيحة للألباني: رقم1552.
(4) في المصدر السابق: 3/7، برقم1006
(5) المصدر السابق برقم: 1851.
(6) مجلة تراثنا: 41/138.
(7) التذكرة الحمدونية: 2169.
(8) كتاب كيف رد الشيعة غزو المغول.
|