بسم الله الرحمن الرحيم
إن حديث: «إقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر», هو من أحسن أدلّة القوم على إمامة الشيخين...، ويستدلون بهذا الحديث في كتب الكلام، وفي كتب الاُصول أيضاً، واستناداً إلى هذا الحديث يجعلون اتفاق الشيخين حجة، ويعتبرون سنّة الشيخين إستناداً إلى هذا الحديث حجة. فالحديث مهمّ جدّاً، لاسيّما وأنّه في مسند أحمد بن حنبل(1). وأيضاً في صحيح الترمذي(2), وأيضاً في مستدرك الحاكم (3), فهو حديث موجود في كتب معتبرة مشهورة، ويستدلّون به في بحوث مختلفة.
وعلى ضوء أقوال علمائهم في الجرح والتعديل، يمكن الجواب على المستدل بهذا الحديث. فبإمكان القوم أن يرجعوا إلى أسانيد هذا الحديث، ويدقّقوا النظر في حال تلك الاسانيد، ولو فعلوا هذا ودقّقوا النظر وتتبعوا في الكتب، لرأوا جميع أسانيده ضعيفة، وكبار علمائهم ينصّون على كثير من رجال هذا الحديث بالضعف، ويجرحونهم بشتّى أنواع الجرح.
وخلاصة ما يقولونه بالنسبة إلى هذا الحديث نقول:
قال المنّاوي في فيض القدير في شرح الجامع الصغير في شرح هذا الحديث: أعلّه أبو حاتم [ أي قال: هذا الحديث عليل] وقال البزّار كابن حزم لا يصح(4).
فهؤلاء ثلاثة من أئمّتهم يردّون هذا الحديث: أبو حاتم، أبو بكر البزّار، وابن حزم الاندلسي.
والترمذي حيث أورد هذا الحديث في كتابه بأحسن طرقه، يضعّفه بصراحة، فراجعوا كتاب الترمذي وهو موجود(5).
وإذا ما رجعتم إلى كتاب الضعفاء الكبير لابي جعفر العُقيلي لرأيتموه يقول: منكر لا أصل له(6).
وإذا رجعتم إلى ميزان الاعتدال يقول نقلاً عن أبي بكرالنقّاش: وهذا الحديث واه(7).
ويقول الدارقطني ـ وهو أمير المؤمنين في الحديث عندهم في القرن الرابع الهجري ـ: هذا الحديث لا يثبت(8).
وإذا رجعتم إلى كتاب العلاّمة العبري الفرغاني المتوفّى سنة 743هـ، يقول في شرحه على منهاج البيضاوي: إنّ هذا الحديث موضوع(9). ولو رجعتم إلى ميزان الاعتدال لرأيتم الحافظ الذهبي يذكر هذا الحديث في مواضع عديدة من هذا الكتاب، وهناك يردّ هذا الحديث ويكذّبه ويبطله، فراجعوا(10).
وإذا رجعتم إلى تلخيص المستدرك ترونه يتعقّب الحاكم ويقول: سنده واه جدّاً(11).
وإذا رجعتم إلى مجمع الزوائد للهيثمي حيث يروي هذا الحديث عن طريق الطبراني يقول: وفيه من لم أعرفهم(12).
وإذا رجعتم إلى لسان الميزان لابن حجر العسقلاني الحافظ شيخ الاسلام لرأيتم يذكر هذا الحديث في أكثر من موضع وينصّ على سقوط هذا الحديث، فراجعوا لسان الميزان (13).
وإذا رجعتم إلى أحد أعلام القرن العاشر من الهجرة، وهو شيخ الاسلام الهروي، له كتاب الدر النضيد من مجموعة الحفيد ـ وهذا الكتاب مطبوع موجود ـ يقول: هذا الحديث موضوع (14).
وابن درويش الحوت يورد هذا الحديث في كتابه أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب، ويذكر الاقوال في ضعف هذا الحديث وسقوطه وبطلانه (15), وللحافظ ابن حزم الاندلسي في الاستدلال بهذا الحديث كلمة مهمة جدّاً، إنّه يقول ما هذا نصّه: ولو أننا نستجيز التدليس والامر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً لاحتججنا بما روي: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»، ولكنّه لم يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح(16).
ولذا نرى بعضهم لمّا يرى سقوط هذا الحديث سنداً، ومن ناحية أُخرى يراه حديثاً مفيداً لاثبات إمامة أبي بكر دلالة ومعنىً، يضطر إلى أن ينسبه إلى الشيخين والصحيحين كذباً.
فالقاري ـ مثلاً ـ ينسب هذا الحديث في كتابه شرح الفقه الاكبر إلى صحيحي البخاري ومسلم، وليس الحديث موجوداً في الصحيحين، ممّا يدلّ على أنّهم يعترفون بسقوط هذا الحديث سنداً، لكنّهم غافلون عن أنّ الناس سينظرون في كتبهم وسيراجعونها، وسيحقّقون في المطالب التي يذكرونها.
ثمّ كيف يأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاقتداء بالشيخين، مع أنّ الشيخين اختلفا في كثير من الموارد، فبمن يقتدي المسلمون؟ وكيف يأمر رسول الله بالاقتداء بالشيخين، مع أنّ الصحابة خالفوا الشيخين في كثير ممّا قالا وفعلا ؟ وهل بإمكانهم أن يفسّقوا أولئك الصحابة الذين خالفوا الشيخين في أقوالهما وأفعالهما، وتلك الموارد كثيرة جدّاً ؟!
فهذا الحديث ـ إذن ـ لا يليق أنْ يُستدلّ به على مبحث الامامة، سواء كان يستدل به الشيعة الامامية أو السنّة، حتّى لوأردنا أن نستدلّ عليهم بمثل هذا الحديث لامامة علي (عليه السلام)، وهو حديث تبطله هذه الكثرة من الائمّة، فلا يمكن الاحتجاج به على القوم لاثبات الامامة أصلاً، ولا يمكن الاستدلال به في مورد من الموارد.
والحمد لله رب العالمين.
____________
(1) مسند أحمد 5 / 382، 385.
(2) صحيح الترمذي 5 / 572.
(3) المستدرك على الصحيحين 3 / 75.
(4) فيض القدير شرح الجامع الصغير 2 / 56.
(5) صحيح الترمذي 5 / 572.
(6) كتاب الضعفاء الكبير 4 / 95.
(7) ميزان الاعتدال 1 / 142 .
(8) لسان الميزان 5 / 237.
(9) شرح المنهاج: مخطوط.
(10) ميزان الاعتدال 1/105، 141 و43/610.
(11) تلخيص المستدرك ـ ط في ذيل المستدرك 3 / 75.
(12) مجمع الزوائد 9 / 53.
(13) لسان الميزان 1/188، 272 و5/237.
(14) الدر النضيد من مجموعة الحفيد: 97.
(15) أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب: 48.
(16) الفصل في الملل والنحل 4 / 88.
|