بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى واصفا الملائكة: "عليها ملائكة غلاض شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يامرون".
وقال عز من قائل واصفا القران الكريم: "لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد".
ان الامعان في الايات السابقة يدلنا بوضوح ان فكرة العصمة بمفهومها البسيط قد طرحها القران الكريم والفت نظر المسلمين اليها من دون حاجة الى اخذ هذه الفكرة من الاحبار والرهبان وبذلك يظهر ان مبدأ ظهور فكرة العصمة في الامة الاسلامية هو القران الكريم لا غير نعم ان الموصوف بها في هذه الايات هو الملائكة والقران الكريم والمطروح عند علماء الكلام هو عصمة الانبياء والائمة لكن الاختلاف في الموصوف لا يضر بكون القران هو مبدا هذه الفكرة لان المطلوب هو الوقوف على منشأ تكون هذه الفكرة ثم تطورها عند المتكلمين على ان القران طرح فكره عصمة النبي في غير واحدة من اياته كما سيوافيك ويكفيك في المقام قوله تعالى: "ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى" فترى ان الايتين تشيران بوضوح الى ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لا ينطق عن ميول نفسانية وان ما نطق به وحي القي في روعه ومن لا يتكلم عن الميول النفسانية ويعتمد في منطقه على الوحي يكون مصونا من الزلل في المرحلتين مرحلة الاخذ والتبليغ وقد نرى جذور عصمة النبي (صلى الله عليه وسلم) في كلام الامام علي (عليه السلام) حيث يصف النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في الخطبة القاصعة بقوله: "ولقد قرن الله به من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره".
فما ذهب اليه المستشرق رونالدسن من نسبة فكرة العصمة الى تطور علم الكلام عند الشيعة في القرن الرابع الهجري ليس بسديد.
ومما يدل عليه بوضوح ورود فكره العصمة بمعناها المصطلح عند المتكلمين في روايات شيعية من القرن الاول والثاني الهجري كالرواية عن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهي رواية الفضل بن شاذان الطويلة: [وكان الصانع متعاليا عن ان يرى وكان ضعفهم وعجزهم عن ادراكه ضاهرا لم يكن بد من رسول بينه وبينهم معصوم يودي اليهم امره ونهيه](1).
وكذلك رواية عمارة عن جعفر بن محمد عن ابيه (عليهما السلام) قال: [ان ايوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب وان الانبياء لا يذنبون لانهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزنون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ](2).
اما ما ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) يوضح بما لا لبس فيه ويصرح بعصمته وعصمة النبي (صلى الله عليه واله) يقول أمير المؤمنين في كتاب نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبدة, يقول: (وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني إلى فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان ينظر الشيء ثم ينظر لي ولا خطلة في فعل ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل لأثر أمه ويرفع لي في كل يوم من أخلاقه لي علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلى عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله)، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكن وزير وأنك لعلى خير... وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم سيماهم سيماء الصديقين وكلامهم كلام الأبرار عُمّار الليل ومنار النهار متمسكون بحبل القرآن يحييون سنن الله وسنن رسوله لا يستكبرون ولا يعلون ولا يغلون ولا يفسدون قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العالمين)(3).
فقوله: ( ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره) دليل واضح على عصمة النبي (صلى الله عليه واله) منذ الولادة.
وفي الخطبة (155) ومن كلام له (عليه السلام) يقول: (وعليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين والنور المبين والشفاء النافع والري الناقع والعصمة للمتمسك والنجاة للمتعلق لا يعوج فيقام ولا يزيغ فيستعتب ولا تخلقه كثر الرد وولوج السمع من قال به صدق ومن عمل به سبق).
اذن من يتمسك بالقرآن فهو معصوم بنص أمير المؤمنين.
ثم يقول في نهج البلاغة، الخطبة (122): (أكلكم شهد معنا صفين فقالوا: منا من شهد ومنا من لم يشهد، قال: فامتازوا فرقتين، لأن لي حديث مع كل فرقة، فليكن من شهد صفين فرقة ومن لم يشهدها فرقة حتى أكلم كلاً بكلامه, ونادى الناس فقال: أمسكوا عن الكلام وأنصتوا لقولي وأقبلوا بأفئدتكم إلي فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها - الى ان يقول (عليه السلام) - ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة ومكراً خديعة إخواننا وأهل دعوتنا استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله, ووالله إن جئتها إني للمحق الذي يتبع، استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله وإن الكتاب لمعي ما فارقته مذ صحبته وأن أكثر ما تذهبون إليه خلاف للحق).
اذن أمير المؤمنين (عليه السلام) يصرح بانه متمسك بالقرآن ولم يفارقه طرفة عين.
___________
(1) بحار الانوار: ج11 ص40.
(2) البحار ج12 ص348.
(3) كتاب نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبدة: (ص327، الخطبة 191).
|