بسم الله الرحمن الرحيم
يثير البعض هذا التساؤل وهو: هل إن الامام علي (عليه السلام) أحرق ابن سبأ لعنه الله بالنار كما جاء في مصادرنا وأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لا يحرق بالنار إلا رب النار) وهذا مما جعل ابن سبأ يدّعي الالوهية في الامام (عليه السلام) والعياذ بالله.
للجواب على هذا التساؤل نقول: لم يثبت أن الامام علي (عليه السلام) أحرق ابن سبأ وإنما نفاه الى المدائن.
نعم، توجد رواية ان الإمام علي (عليه السلام) أحرق قوماً من الغلاة لقولهم بربوبيته متمسكين بالحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهو: (لا يعذب بالنار إلاّ ربّ النار)، فكانوا يقولون لو لم يكن عليٌّ ربّاً لما عذبهم بالنار!
فنقول لهم، ولمن يتمسك بمقالتهم: إن هذا الحديث (لا يعذب بالنار إلاّ ربّ النار) فيه إشكال من وجهين:
الوجه الأول: ان الحديث (لا يعذب بالنار إلاّ ربّ النار) موجود في كتب أهل السنة, وغير موجود عند الشيعة الإمامية، وليس صحيحاً أن يحتج بما وجد عند السنّة على ما موجود في كتب الشيعة الإمامية، خصوصاً وأن حكم الحرق ثابت لا خلاف فيه بين الإمامية، كما في حدّ اللواط (1), وهو محل خلاف بين أهل السنّة. فقد قال به الشافعي وخالفه غيره(2)، وقد أقرّ الخلاف بين أهل السنّة الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه حينما قال: اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقاً سواء كان ذلك بسبب كفر أو قصاص, وأجازه الإمام علي وخالد بن الوليد وغيرهما(3).
الوجه الثاني: انّ هذا الحديث لو كان ثابتاً معمولاً به فأين كان منه أبو بكر حينما أحرق الفجاءة، وكذا ما فعله خالد بن الوليد حين أحرق ناساً من أهل الردة، وكان فعلهما على مرأى ومسمع من الصحابة ولم ينكر ذلك أحد(4).
وأما حرق الإمام علي (عليه السلام) لاولئك الغلاة فكان بأمر الله سبحانه وتعالى, لأن الشريعة الإسلامية جعلت حدوداً وتعزيرات للحد من المفاسد الفردية والإجتماعية وعالجتها من جذورها لكي لا يتوجه إليها الإنسان ولا يرغب فيها, فإذا ارتكب هذه المفاسد شخص ما فعليه الحد, وهذا الحد يقيمه العارف به وبشروطه وهو الذي يقدّر الحكم الأمثل للحد من هذه المفاسد, ومن منا يستطيع أن يقول أن الإمام علياً (عليه السلام) لا يقدّر مثل هذا الأمر أو كيف يحكم بمثل هذا الحكم وهو أقضى المسلمين باتفاق الفريقين؟!
ثم يقال لاولئك الذين يقولون بأن عليّاً (عليه السلام) لو لم يكن ربّاً لما عذبهم بالنار: بأنه لو كان مَن يعذب بالنار ويقيم الحدّ بها ربّاً لكان مَن عذب بغير النار ليس برب, وقد وجدنا الله تعالى عذب قوماً بالغرق وآخرين بالريح وبالحجارة والقمل والجراد والدم... الخ, وإنما عذبهم أمير المؤمنين (عليه السلام) على قولهم بربوبيته بالنار دون غيرها لعلة فيها حكمة بالغة، وهي انّ الله سبحانه وتعالى حرم النار على أهل توحيده, فقال علي (عليه السلام): (لو كنت ربّكم ما أحرقتكم وقد قلتم بربوبيتي! ولكنكم استوجبتم مني بظلمكم ضد ما استوجبه الموحدون من ربّهم (عز وجل) وأنا قسيم ناره باذنه, فإن شئت عجلتها لكم وإن شئت أخرتها فمأواكم النار - هي مولاكم - أي أولى بكم - وبئس المصير ولست لكم بمولى).
وإنما أقامهم أمير المؤمنين (عليه السلام) في قولهم بربوبيته مقام مَن عبد صنماً من دون الله عزّوجلّ، وذلك انّ رجلاً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشهد انه رأى رجلين بالكوفة من المسلمين يصليان لصنم, فقال علي (عليه السلام): ويحك لعله بعض مَن يشتبه عليك أمره, فأرسل رجلاً فنظر إليهما وهما يصليان لصنم, فاتي بهما, قال : فقال لهما أمير المؤمنين (عليه السلام) : إرجعا ، فأبيا, فخدّ لهما في الأرض اخدوداً وأجج فيه ناراً فطرحهما فيه. روى ذلك موسى بن بكر عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام)(5). __________
(1) انظر جامع أحاديث الشيعة: ج 3 / ص 460.
(2) انظر المغني: ج 9 / ص 391.
(3) الفتح ج 6 / ص 103.
(4) انظر البداية والنهاية لابن كثير ج 6 / 352.
(5) انظر كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 3 / 150 - 151.
|