بسم الله الرحمن الرحيم
في ختام البحث حول التناسخ من الضروريّ أن نجيبَ على سؤالين:
السؤال الأوّل: لقد صَرَّح القرآنُ الكريم بوقوع حالات من المَسخ في الأُمم السابقة، حيث تحوّل البعضُ إلى قِردةٍ، والبعض الآخر إلى خنازير كما يقول تعالى:«وَجَعَل مِنهُمُ القِرَدَةَ والخنازِير» «1». فكيفَ تحقّق المسخُ إذا كان التناسخ باطلًا؟ الجواب: إنّ «المسخ» يختلف عن «التناسخ» الاصطلاحيّ، لأنّ في التناسخ تتعلَّق الروحُ بعد انفصالها من بَدَنِها بجنينٍ أو ببدن آخر. ولكن في المسخ لا تنفصلُ الروحُ عن البَدن بل يتغير شكلُ البدَن وصورتُه، ليرى العاصي والمجرم نفسَه في صورة القِرد والخنزير، فيتألّم من ذلك. وبعبارة أُخرى: إنّ نفسَ الإنسان لا تتنزّل من المقام الإنساني إلى المقام الحيواني، لأنّه إذا كان كذلك لما كان أُولئك الذين مُسِخوا من البشر يدُرِكون العذاب، ولما لَمَسوا عقاب عَمَلهم، في حين يعتبر القرآنُ الكريمُ «المسخَ» «نكالًا» وعقوبة للعصاة «2».يقول التفتازاني: إنّ النفوس بعد مفارقتها للأبدان تتعلّقُ في الدنيا بأبدان أُخرى للتصرّف والاكتساب، لا أن تتبدّل صُوَرُ الأبدان كما في المسخ. «3» ويقول العلامة الطباطبائي: الممسوخ من الإنسان إنسانٌ ممسوخٌ لا أنّه ممسوخٌ فاقدٌ للإنسانية. «4» السؤالُ الثاني: يذهبُ بعض المؤلّفين إلى أنّ القول بالرجعة ناشئ من القول بالتناسخ. «5» فهل يستلزمُ الاعتقادُ بالرجعة القولَ بالتناسخ؟ الجواب: إنّ الرجعة حسب إعتقاد أكثر علماء الشيعة الإمامية تعني أنّ طائفةً من أهلِ الإيمان، وأهل الكفرسيعودُون إلى هذه الحياة (أي العالم الدنيويّ) في آخر الزمان مرةً أُخرى، وتكون عودتهم إلى الحياة مثل إحياءِ الموتى على يد السيد المسيح، ومثل عودة «عزير» للحياة بعد مائة سنة. «6» وعلى هذا الأساس لا يكون للإعتقاد بالرجعة أيّ ارتباطٍ وعلاقة بمسألة التناسخ قط.
((1)) المائدة/ 60. لاحظ سورة الأعراف: الآية 166
((2)) «فجَعَلْناها نكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ»( البقرة/ 66
((3)) شرح المقاصد، للتفتازاني: 3/ 337
((4)) الميزان، للطباطبائي، 1/ 209
((5)) فجر الإسلام، لأحمد أمين المصري ص 377
((6)) لاحظ آل عمران/ 49، والبقرة/ 259
|