بسم الله الرحمن الرحيم
تبتدأ الحياة البرزَخية بقبض الروح عن البدن، وعندما يودع بدن الإنسان في القبر، يأتي إليه ملائكة الربّ فيسألونه عن التوحيد والنبوُة وأُمور عقائدية أُخرى، ومن الواضح أنّ إجابة المؤمن ستختلف عن إجابة الكافر وبالتالي يكون عالم البرزخ مظهراً من مظاهر الرحمة للمؤمن، أو مصدراً من مصادر النقمة والعذاب للكافر.
إنّ السؤال في القبر وما يستتبع من الرحمة أو العذاب من الأُمور المسلّمة عند أئمة أهل البيت، وفي الحقيقة أنّ القبر يُعدّ أُولى المراحل للحياة البرزخية التي تدوم إلى أنْ تقوم الساعة.
ولقد صَرَّحَ علماءُ الإماميّة في كتُب العقائد التي ألّفُوها بما قُلناه.
فقد قال الشيخُ الصدوق رحمه الله: إعتقادُنا في المساءلةِ في القَبرِ، انَّه حقٌ لابدَّ منها، فمن أجابَ بالصواب فازَ برَوحٍ ورَيحانٍ في قَبرهِ، وبِجَنّةِ النعيمِ في الآخرة، ومَن لم يُجِبْ بِالصَّوابِ فَلهُ نُزُلٌ من حميمٍ في قبره، وتَصْلِيةُ جَحيم في الآخرةِ. «1»
وقال الشيخُ المفيد في كتابه «تصحيحُ الإعتقاد»: جاءَت الآثارُ الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّ الملائكة تنزل على المقبُورين فتسألُهم عن أدْيانهم، وألفاظُ الأخبارِ بذلك متقاربة فمِنها أنّ مَلكَينِ للَّه تعالى يُقالُ لهما ناكر ونكير ينزلان على الميّتِ فَيَسألانِهِ عن رّبِهِ ونبيِّهِ ودينِهِ وإمامِهِ، فإنْ أجابَ بالحق سَلَّموهُ إلى ملائكةِ النَعيم، وإن ارتجَّ عليه سَلَّموهُ إلى ملائكةِ العَذاب «2».وقال المحقّق نصيرُ الدين الطوسي في كتابه: «تجريد الاعتقاد» أيضاً: وعذابُ القبر واقعٌ لإمكانِهِ، وتواتُرِ السَمعِ بِوقوعِهِ. «3» ومن راجَعَ كتب العقائد لدى سائر المذاهب الإسلامية اتّضح له أنّ هذه العقيدة هي موضع إتفاقٍ بين جميع المسلمين، ولم يُنسَب إنكار عذابِ القبر إلّا إلى شخص واحِدٍ هو «ضرار بن عمرو» «4».قال تعالى واصحاب مدين وكُذِبَ موسى فامليت للكافرين ثم اخذتهم فكيف كان نكير«5»
((1)) اعتقادات الصدوق، الباب 17، ص 37
((2)) تصحيح الاعتقاد للمفيد: ص 45- 46
((3)) كشف المراد: المقصد 6، المسألة 14
((4)) راجع كتاب« السنة» لأحمد بن حنبل؛ و« الإبانة» لأبي الحسن الأشعري؛ وشرح الأُصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزل
((5)) سور الحج: الاية44.
|