بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
وقع الكلام في شمول آية التطهير لنساء النبي (صلى الله عليه وآله). فهل أن الشيعة فقط هي من تعتقد أن الآية لا تشمل نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ أم إن البعض من أهل السنة تعقتد بذلك أيضاً؟
قد يتصور البعض: إن الشيعة هم فقط من يخرجون نساء النبي من مصطلح أهل البيت في آية التطهير، مع ان هناك الكثير من علمائهم قالوا بذلك وصرحوا به. مع ملاحظة ان الشيعة تقول بإن لفظ (أهل البيت) له معنى لغوي وله معنى عرفي وفي كليهما تدخل نساء الرجل فيه،وله معنى فقهي بيّنه الصحابي زيد وله معنى اصطلاحي أريد في آية التطهير:
1- ابن سعيد الطوفي الحنبلي في هذا المجال، قال: أما دلالة السياق على أنهن مرادات من الآية بدلالة السياق فأنها وإن كان فيها بعض التمسك لكن ذلك مع النصوص التي ذكرناها على أن أهل البيت خاص بهؤلاء - يعني علي وفاطمة والحسن والحسين - فلا يفيد)(1).
ثم يقول: (وبالجملة في اعتراضات العربية والتخلصات من كلام إلى كلام كثيرة في القرآن على أبدع ما يكون حتى أن الإنسان يظن أن الجملتين المتواليتين منه في معنى واحد وكل واحدة في معنى، ومن استقرأ ذلك ونظر فيه عرفه وحينئذ قوله عز وجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً), اي لا يجوز الرجوع الى اللغة والسياق فيما لو كان هناك نص يبين المقصود كما في المقام(2).
2- شرح مشكل الآثار، للطحاوي، قال: (فإن قال قائل فإن كتاب الله يدل على أن أزواج النبي هم المقصودون بتلك الآية فكان جوابنا: أنه ما قبلها وما بعدها كان بنحو وهذا المقطع من الآية بنحو اخر) وبعد هذا هل يجوز الاستدلال بالسياق!(3)
3- ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري يقول: (وفي ذكر البيت معنى آخر لأن مرجع أهل بيت النبي إليها - اي الى خديجة - لما ثبت في تفسير قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)، قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة وعلياً والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي ... أخرجه الترمذي وغيره... ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة... لأن الحسنين من فاطمة وفاطمة بنت خديجة إذن بالمآل الحسنان يرجعان إلى خديجة، وعلي نشأ في بيت خديجة وهو صغير ثم تزوج بنتها بعدها فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها. (4)
اذن ابن حجر العسقلاني يصرح ويوجب ان يكون المراد من اهل البيت ما يرجع الى خديجة وهم الاربعة حصراً.
4- من الأعلام الآخرين الذين صرحوا باختصاص هذا العنوان بهؤلاء الخمسة العلامة المناوي في كتابه (فيض الغدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير) حيث قال: (إني تارك فيكم - إشارة إلى حديث الثقلين - (بعد وفاتي) يشرح الحديث العلامة المناوي: (خليفتين، زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر وفي رواية بدل خليفتين ثقلين سماهما به لعظم شأنهما، كتاب الله حبل قيل أراد به عهده وقيل السبب الموصل إلى رضاه، كتاب الله وعترتي بمثناة فوقية أهل بيتي تفصيل بعد إجمال أو بيان وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)(5).
وهل هناك تصريح أفضل من هذا!!!
5- ومن أولئك الذين صرحوا بشكل واضح ما جاء في كتاب (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم) تأليف الإمام الحافظ أبي العباس القرطبي المتوفى 656هـ، وهذا غير صاحب التفسير الجامع لأحكام القرآن المتوفى 671هـ: أولاً الرواية الواردة في فضائل أهل البيت عن عائشة قالت: خرج النبي غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت).
في رواية أخرى يقول فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساءه من أهل بيته؟ قال: نسائه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم. قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال كل هؤلاء حرم الصدقة. قال: نعم.(6)
ويعلق الإمام القرطبي على هذه الأحاديث، يقول: (وقوله من أهل بيته، أليس نسائه من أهل بيته؟ هذا سؤال من تمسك بظاهر لفظ البيت إذ هي التي تعمره وتلازمه وتقوم بمصالحه وكذلك إجابة زيد بأن قال نساءه من أهل بيته أي بيته المحسوس وليس هو المراد هنا لذلك قال في الرواية الأخرى في جواب السائل: لا - يقول في مكان آخر قال: لا، وهنا قال: نعم. يشير أنه لا تنافي بين الروايتين، الرواية التي قالت نعم إشارة إلى البيت العرفي والفقهي، والرواية التي قالت لا إشارة إلى البيت المعين. (أي ليس نسائه من أهل بيته، المعنى هنا لكن هم أصله وعصبته ثم عينهم بأنهم هم الذين حرموا الصدقة - جاء إلى البحث الفقهي - أي الذين تحرم عليهم الصدقات الشرعية وقد عينهم زيد تعييناً يرتفع معه الإشكال فقال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، فقيل له: أكل هؤلاء تحرم عليهم الصدقة، قال: نعم) من الناحية الفقهية. ذكر هذا في (ص304 و 305). وهذا هو المعنى الاصطلاحي.
أما في (ص302) يقول في ذيل قوله (إنما يريد الله....): وقراءة النبي هذه الآية: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً, دليل على أن أهل البيت المعنيون في الآية هم المُغطون بذاك المرط في ذلك الوقت.
والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح مختصر الروضة، ابن سعيد الطوفي الحنبلي: ج3، ص110، مؤسسة الرسالة.
(2) شرح مختصر الروضة، ابن سعيد الطوفي الحنبلي: ج3، ص111
(3) شرح مشكل الآثار (ج2، ص247) للطحاوي
(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني: ج7، ص173.
(5) فيض الغدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير:، ج3، ص19، للعلامة محمد بن عبد الرؤوف المناوي، ضبطه وصححه أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية.
(6) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ج6، ص302 و 304) تأليف الإمام الحافظ أبي العباس القرطبي المتوفى 656هـ، وهذا غير صاحب التفسير الجامع لأحكام القرآن المتوفى 671هـ، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الرابعة 1429هـ.
.
|