بسم الله الرحمن الرحيم
لقد طَرَحَ مُنكروا القيامة والمعاد في عصر نزول القرآن، شُبُهاتٍ ردّ عليها القرآن، ضمن توضيحه لأدلّة وجود المعاد. وفيما يلي بعضُ هذه الموارد:
ألف: تارةً يؤكّدُ القرآنُ الكريم على قدرة اللهِ المطلقة فيقول: «إِلى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِ شَيءٍ قَدِيرٌ»«1».
ب: وتارةً يُذكّر بأنّ الذي يقدرُ على خَلق الإنسان ابتداءً قادرٌ على إعادته، ولملمة رفاته، وإرجاع الروح إليه ثانية. فهو مَثَلاً ينتقدُ قولَ المنكرين للمعاد قائلًا: «فَسَيَقولونَ مَن يُعيدُنا»؟ ثم يقول: «قلِ الّذي فَطركم أوَّلَ مَرَّةٍ»«2».
ج: وفي بَعضِ الموارد يُشَبِّهُ إحْياءَ الإنسان بعدَ مَوْته بإعادةِ الحَياة إلى الأرض في فَصْل الرَّبيع بعد رقدةٍ شتائيّة من جديدٍ وولوج الحياة في الطبيعة وعلى هذا يقيسُ المعادَ وعودةَ الرُّوح إلى الموتى قال تعالى: «وَتَرى الأرضَ هامِدَةً فَإذا أنْزَلْنا عَلَيها الماءَ اهتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأنْبَتَتْ من كلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* ذلِكَ بأنّ اللهَ هُوَ الحقُّ وأنّه يُحيي الموَتى وأنّه على كلّ شَيءٍ قَديرٌ* وأنّ الساعةَ آتِيةٌ لا رَيبَ فِيها وأنّ اللهَ يَبْعَثُ مَن فِي القبُوُر»«3».
د: في الإجابة على هذه الشُّبهة التي تقول «من يُحيي العِظام» وقد أصبحت رميماً، وَكَيف يَجمعُها وقد ضاعَت في الأرض ويخلق منها جَسَداً كالجسد الأول؟ يقولُ سبحانه: «... بَلى وَهُو الخَلّاقُ العَلِيمُ»«4». وفي موضع آخَر يُخبرُ عَن ذلك العلم الواسع قائلاً: «قدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأَرضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيْظٌ»«5».
هـ: ربّما يتصوّر أنّ الإنسان يتألف من أجزاء جسمانية، وأعضاء مادّية تنحل بموته وتستحيل إلى تراب. فكيف يكون الإنسان يوم القيامة هو عينه في الحياة الدنيا، وبعبارة أُخرى ما هي الصلة بين البدن الدنيوي والأُخروي كي يحكم بوحدتهما؟
والقرآن ينقل تلك الشبهة عن لسان الكافرين ويقول: «أَءِذَا ضَلَلنَا في الأَرضِ أَءِنَّا لفي خلقٍ جَديد»«5».
ثُمّ يعود ويجيب عليها بقوله: «قُلْ يَتَوّفاكُم مّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»«6».
ويكمن حاصل الجواب في الوقوف على معنى «التوفّي» المأخوذ في الآية. الذي هو «الأَخذ»، وهو يعرب انّ للإنسان وراء البدن الذي يبلى حين موته شيئاً آخر يأخذه ملك الموت وهي الروح، فحينها تتضح إجابة القرآن عن الشبهة.
وهي انّ ملاك وحدة البدنين والحكم بأنّ البدن الأُخروي هو عين البدن الدنيوي - مضافاً إلى وحدة الأجزاء - هي الروح المأخوذة من قبل ملك الموت، فإذا ولجت نفس الأجزاء يكون المعاد عين المبتدأ. فيستفاد من هذه الآية ونظائرها انّ الإنسان المحشور يوم البعث هو عينه الموجود في نشأة الدنيا، قال سبحانه: «قُلْ يُحْيِيها الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وُهَو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»«7».
__________
(1) سورة هود: 4.
(2) سورة الإسراء: 51.
(3) سورة الحج: 5- 7.
(4) سورة يس: 81.
(5) سورة ق: 4.
(6) سورة السجدة: 10.
(7) سورة يس: 79.
|