بسم الله الرحمن الرحيم
تَتّفِقُ جميعُ الشَرائعُ السَّماويّة في لزوم الإيمان بالآخرة ووجوب الإعتقاد بالقيامة، فقد تحدّث الأنبياءُ جميعاً - إلى جانب التوحيد - عن المَعاد، وعالم ما بعد الموت أَيضاً. وجَعَلُوا الإيمانَ باليوم الآخر في طليعة ما دَعَوا إليه.
وعلى هذا الأساس يكونُ الإعتقاد بالقيامة من أركانِ الإيمان في الإسلام.
إنّ مسألةَ المعاد وإن طُرحَت في كتاب العهدين (التوراة والإنجيل معاً) إلّا أنّها طُرحت في العَهد الجديدِ بشكلٍ أوضح، ولكنّ القرآنَ الكريمَ إهتمّ بهذه المسألة أكثر من جميع الكتب السماوية الأُخرى، حتى أنَّهُ اختص قسمٌ عظيمٌ من الآيات القرآنية بهذا الموضوع.
وقد أُطلق على المعاد في القرآن الكريم أسماءٌ كثيرة مثل: يومِ القيامة، يوم الحِساب، اليوم الآخر، يوم البعث وغير ذلك.
وعلّة كلّ هذا الإهتمام والعِناية بمسألة القيامة هي أن الإيمان والتديّن من دون الإعتقاد بيوم القيامة غير مثمر.
ضرورة المعاد
لقد أقام الحكماء والمتكلّمون المُسلمون أدلّة عديدة ومتنوعة على ضرورة المعاد، وحياة ما بعد الموت، وفي الحقيقة كان القرآن الكريم هو مصدر الإلْهام في جميع هذه الأدلَّة.
من هنا فإننا نذكر بعضَ الدلائل القرآنية على هذه المسألة:
ألف: إنّ الله تعالى حقٌ مطلقٌ، وفعلُهُ كذلك حقٌ، منزَّهٌ عن أي باطلٍ ولغوٍ. وخَلق الإنسانِ من دونِ وجودِ حياةٍ خالدةٍ سيكون لغواً وعبثاً كما قال:
«أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْناكُم عَبَثاً وأنّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ»«1».
ب: إنّ العدلَ الإلهيَّ يوجبُ أن لا يعامَل المحسنون والمسيئون في مقام الجزاءِ على شكلٍ واحدٍ.
ومن جانِبِ آخر انّه لا يمكن تحقّقُ العدالةِ الكاملةِ بالنسبة إلى الثَّوابِ والعِقاب في الحياة الدنيوية، لأنّ مصيرَ كلا الفريقين في هذا العالم متداخِلَين وغير قابلَين للتفكِيك والفَصل.
ومن جهة ثالثة فإنّ لِبعض الأعمال الصالِحة، والطالحة جزاءً لا يسع له نطاقُ هذا العالم.
فَمَثَلاً هناك من ضَحّى بنفِسِه في سَبِيل الحق، وهناك من خضّب الأرض بدماء المؤمنين.
ولهذا لا بُدَّ مِن وجود عالمٍ آخر يتحقَّق فيه العدلُ الإلهيّ الكاملُ في ضوءِ الإمكانات غير المتناهية. كما قال: «أَم نَجْعَلُ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ في الأَرضِ أَم نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ»«2».
ويقولُ أيضاً: «إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ»«3».
ج: إن خلقَ البشَر بَدَأَ في هذا العالمَ من ذَرّةٍ حقيرةٍ ثم ترقّى في مدارج الكمال الجسمي شيئاً فشَيئاً، حتى بَلغَ مرحلةً نُفِخَت فيها الرُّوح في جسمه.
وَقدْ وَصَفَ القرآنُ الكريمُ، خالقَ الكون بكونه «أحسنَ الخالقين» نظراً إلى تكميل خلقِ هذا الموجودِ المتميّز.
ثم إنّه ينتَقل بالمَوْت من مَنْزله الدنيويّ إلى عالمٍ آخر، يُعتَبَر كمالاً للمرحلة المتقدّمة وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى إذ قال: «ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخالِقِينَ* ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامةِ تُبْعَثُونَ»«4».
_________
(1) سورة المؤمنون: 115.
(2) سورة ص: 28.
(3) سورة يونس: 4.
(4) سورة المؤمنون: 14- 16.
|