بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول ابن تيمية في كتابه مجموعة الفتاوى :( ما كان كفراً من الأعمال الظاهرة : كالسجود للأوثان ، وسب الرسول ، ونحو ذلك ، فإنما ذلك لكونه مستلزماً لكفر الباطن ، وإلا فلو قدر أنه سجد قدام وثن ، ولم يقصد بقلبه السجود له ، بل قصد السجود لله بقلبه ، لم يكن ذلك كفراً. وقد يباح ذلك إذا كان بين مشركين يخافهم على نفسه ، فيوافقهم في الفعل الظاهر ، ويقصد بقلبه السجود لله ؛ كما ذكر أن بعض علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب فعل نحو ذلك مع قوم من المشركين ، حتى دعاهم إلى الإسلام ، فاسلموا على يديه ولم يظهر منافرتهم في اول الامر.)(1).كذلك تكذيب الرسول بالقلب و بغضه و حسده و الاستكبار عن متابعة أعظم إثما من أعمال ظاهرة خالية عن هذا, كالقتل و الزنا و الشرب والسرقة, وما كان كفرا من الأعمال الظاهرة كالسجود للأوثان وسب الرسول ونحو ذلك فإنما ذلك لكونه مستلزما لكفر الباطن, وإلا فلو قَدّر أنه سجد قدّام وثن ولم يقصد بقلبه السجود له بل قصد السجود لله بقلبه لم يكن ذلك كفرا وقد يباح ذلك إذا كان بين مشركين يخافهم على نفسه فيوافقهم في الفعل الظاهر ويقصد بقلبه السجود لله, كما ذكر أن بعض علماء المسلمين وعلماء اهل الكتاب فعل ذلك مع قوم من المشركين حتى دعاهم الى الاسلام فأسلموا على يديه ولم يظهر منافرتهم في أول الأمر. وهنا أصول تنازع الناس فيها: منها أن القلب هل يقوم به تصديق أو تكذيب ولا يظهرمنه قط شئ على اللسان والجوارح وإنما يظهر من غير خوف, فالذي عليه السلف و الأئمة و جمهور الناس: أنه لابد من ظهور موجب ذلك على الجوارح‘ فمن قال أنه يصدق الرسول و يحبه و يعظمه بقلبه و لم يتكلم خوف, فهذا لايكون مؤمنا بالباطن وإنما هو كافر. واما بالنسبة لابن تيمية فنجده في غير هذا الموضع يكفر من يشد الرحال لزيارة النبي (صلى اللَّهِ عليه واله) ويبدع من يقبل الحجر الاسود, وفي زيارة النبي(صلى اللَّهِ عليه وآله وسلم) والأئمة(عليه السلام), قال الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السلام)،قال الحسين بن علي(عليهما السلام) لرسول اللَّهِ (صلى اللَّهِ عليه وآله وسلم):(يا أبت ما جزاء من زارك؟ فقال (عليه السلام):من زارني أو زار أباك أو زارك أو زار أخاك كان حقاً عليّ أن أزوره يوم القيامة حتى أخلصه من ذنوبه) وقال الإمام أبو عبد اللَّهِ الصادق(عليه السلام):(من زار قبر الحسين بن علي(عليه السلام)عارفاً بحقه كتب في عليين)،وقال(عليه السلام):(من زار أحداً منا كان كمن زار الحسين (عليه السلام).
وفي الصواعق المحرقة(3) ، لابن حجر أن الإمام الشافعي توسل بأهل البيت النبوي حيث قال : آل النبي ذريعتي * وهم إليه وسيلتي أرجو بهم أعطى غدا * بيدي اليمين صحيفتي
وزاد في كشف الارتياب ص 260 : ( أما أئمة أهل البيت الطاهر النبوي فأدعيتهم المأثورة عنهم التي تبلغ حد التواتر طافحة بالتوسل بجدهم صلى اللَّهِ عليه وآله وسلم وبآله وبحقه وحقهم ، والأقسام عليه تعالى بهم ، وهم أعرف بسنة جدهم وبأحكام
ربهم, وقال في كشف الارتياب ص 260 : ( ومن أنواع التوسل به صلى اللَّهِ عليه وآله وسلم استقبال قبره الشريف وقت الدعاء ،
فإنه في الحقيقة توسل به صلى اللَّهِ عليه وآله وسلم وبقبره الشريف ، وقد جرت عليه سنة المسلمين خلفا عن سلف وقرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل ، وأفتى باستحبابه الإمام مالك إمام دار الهجرة في قوله للمنصور : لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك
ووسيلة أبيك آدم إلى اللَّهِ تعالى ، بل استقبله واستشفع به قال في كتاب خلاصة الكلام : ذكر علماء المناسك أن استقبال قبره الشريف صلى اللَّهِ عليه وآله وسلم وقت الزيارة والدعاء أفضل من استقبال القبلة قال في الجوهر المنظم : ويستدل لاستقبال
القبر أيضا بأنا متفقون على أنه صلى اللَّهِ عليه وآله وسلم حي في قبره يعلم زائره ، وهو صلى اللَّهِ عليه وآله وسلم لو كان حيا لم يسع الزائر إلا استقباله واستدبار القبلة ، فكذا يكون الأمر حين زيارته في قبره الشريف
ثم نقل قول مالك للمنصور المشار إليه آنفا . ثم قال : قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب : إن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا للقبلة. قال السبكي : هكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا وحكاه العلماء عن الاَعصار القديمة... وكلّهم يقصدون ذلك(اي زيارة النبي الاكرم صلى اللَّهِ عليه وآله) ويعرجون إليه وإن لم يكن طريقهم، ويقطعون فيه مسافة بعيدة وينفقون فيه الاَموال، ويبذلون فيه المهج، معتقدين انّ ذلك قربة وطاعة، واطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الاَرض ومغاربها على مرّ السنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم يستحيل أن يكون خطأ وكلّهم يفعلون ذلك على وجه التقرب به إلى اللّه عزّ وجلّ،ومن تأخّر عنه من المسلمين فإنّما يتأخر بعجز أو تعويق المقادير مع تأسفه عليه وودّه لو تيسّر له، و من ادّعى أنّ هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطىَ.(4).
ونقول في الكلام عن الحجر الأسود حجر مبارك عند المسلمين لونه أسود مائل للحمرة. يعتقد بعضهم بأنه نزل من الجنة أبيضا ولكن سودته ذنوب العباد. وضعه النبي أبراهيم عليه السلام بأمر من اللَّهِ في أحد أركان الكعبة المشرفة يوجد في الركن الجنوب الشرقي من الكعبة. ويبدأ بالطواف حول الكعبة من عنده. الحجر الأسود قطره 30 سم ويحيط به إطار من الفضة. يستحب تقبيل الحجر الأسود أو لمسه اقتداء برسول الإسلام ويقال عند استلامه بسم اللَّهِ ، واللَّهِ أكبر. ويمكن أن يكتفي المعتمر أو الحاج بالإشارة إليه من بعيد.(5).وما تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ أنه قال عن تقبيله لهذا الحجر: (واللَّهِ إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنى رأيت رسول اللَّهِ يقبلك ما قبلتك).يعني عمر بن الخطاب قبله فعلا.
وهنا نقول: من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول صلى اللَّهِ عليه وسلم للحجر الأسود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الأصنام فيما كانوا يفعلون. ومستحيل أيضًا أن يكون صلى اللَّهِ عليه وسلم قد فعل ذلك - أى تقبيل الحجر الأسود - دون وحى أو إلهام وجهه صلى اللَّهِ عليه وسلم إلى تقبيل الحجر بعيدًا بعيدًا عن أى شبهة وثنية أو مجاراة لعبدة الأصنام.(6).
وهكذا فهل هذا الا تهافت من ابن تيمية ومخالفة سنة النبي الاكرم (صلى اللَّهِ عليه واله).
---------------
1- مجموع الفتاوى . أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الجزء, الرابع عشر.ص74.
2- الامر بالمعروف والنهي عن المنكر,ج1,ص13.
3- شبهات حول الشيعة, الشبهة الخامسة,ج7 ص4.
4- بحوث قرانيه في التوحيد والشرك ج5,ص8.
5- عجائب البلدان من خلال مخطوط,ج1,ص121.
6- شبهات المشككين, الباب 58محمد صلى اللَّهِ عليه وسلم يعظم الحجر ج1,ص104.
|