• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : إشكالاتنا التاريخية على فرق المسلمين .
              • القسم الفرعي : في العهد الاموي .
                    • الموضوع : في الإعلان عن العهد ليزيد .

في الإعلان عن العهد ليزيد

بسم الله الرحمن الرحيم

 لقد كان معاوية يفكّر في الولاية ليزيد من بعده منذ حياة الإمام الحسن (عليه السلام)، فقد مهّد لذلك وعمل عليه بشتى السبل والطرق. 

وقد نصّ على‏ ذلك كبار العلماء نكتفي بكلام الحافظ ابن عبد البرّ القرطبي إذ قال: «وكان معاوية قد أشار بالبيعة إلى‏ يزيد في حياة الحسن، وعرّض بها، ولكنّه لم يكشفها، ولا عزم عليها إلّا بعد موت الحسن»«1». والشواهد على‏ ذلك كثيرة، ونكتفي كذلك بذكر واحدٍ منها، وهو خبر دخول الأخوين الأنصاريّين «عمارة بن عمرو» و «محمّد بن عمرو» عليه، وكلامهما معه عن الخليفة من بعده، وقد روى‏ ابن عساكر هذا الخبر بترجمة كلا الرجلين من (تاريخه)، وهذا نصّ الخبر بترجمة «عمارة»، قال: «دخل على‏ معاوية فقال: يا أمير المؤمنين! قد كبرت سنّك ودقّ‏ عظمك واقترب أجلك، فأحببت أن أسألك عن رجال قومك وعن الخليفة من بعدك. وكان معاوية يشتدّ عليه أنْ يقال: كبرت سنّك، أو يشكُّ في الخليفة أنّه يزيد. فقال معاوية: نعيت لأمير المؤمنين نفسه، وسألته عن خبيّ سرّه، وشككت في الخليفة بعده؟! أخرجوه...». ثمّ قال: «أدخلوه! فدخل، فقال: سألتني عن رجال قومي، فأعظمهم حلماً الحسن بن عليّ، وفتاهم عبد الله بن عامر، وأشدّهم خبّاً هذا الضبّ - يعني ابن الزبير -، والخليفة بعدي يزيد. قال له أبو أيّوب الأنصاري: اتّق الله ولا تستخلف يزيد. قال: امرؤ ناصح، وإنّما أشرت برأيك؛ وإنّما هم أبناؤهم، فابني أحبُّ إليَّ من أبنائهم»«2».

وقد كثّف جهوده بعد استشهاد الإمام (عليه السلام)، بشتّى‏ الأساليب، فقد روى‏ في «العقد الفريد» عن أبي الحسن المدائني، أنّ في سنة 53 قرأ معاوية على‏ الناس عهداً مفتعلًا فيه عقد الولاية ليزيد بعده، قال: «وإنّما أراد أنْ يسهّل بذلك بيعة يزيد! فلم يزل يروض الناس لبيعته سبع سنين، ويشاور، ويعطي الأقارب‏ ويداني الأباعد، حتّى‏ استوثق له من أكثر الناس...»«3».

وذكر المؤرّخون - في وقائع سنة 56 - دخول المُغِيْرَة بن شعبة على‏ معاوية وتشجيعه إيّاه على‏ العهد ليزيد، وذلك لمّا أراد معاوية عزل المُغِيْرَة عن الكوفة، فانتهى‏ الأمر إلى‏ إبقائه عليها، فقدم الكوفة وجعل يذاكر شيعة بني أُميّة وغيرهم، وأوفد جماعةً مع ابنه موسى‏ إلى‏ معاوية يطلبون منه الإعلان عن العهد ليزيد، فقال لهم: لا تعجلوا بإظهار هذا وكونوا على‏ رأيكم؛ ثمّ قال لموسى‏: بكم اشترى‏ أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال: بثلاثين ألفاً؛ فقال: لقد هان عليهم دينهم! قالوا: فكتب معاوية بذلك إلى‏ زياد بن أبيه يستشيره - وزياد إذ ذاك على‏ البصرة -، فكتب إليه زياد يشير عليه بأنْ لا يعجل، لأنّه كان يتخوّف من نفرة الناس، وقدم على‏ يزيد من قبله عبيد بن كعب النميري يأمره بالكفّ عمّا كان يصنع...«4». وسيأتي ذِكر عاقبة أمر زياد بسبب هذا الموقف. وإذا ثبت أنّ معاوية كان يفكّر منذ زمن الإمام الحسن (عليه السلام) في العهد ليزيد من بعده، ظهر أنّ ما يقال من أنّ المُغِيْرَة بن شعبة هو الذي اقترح عليه ذلك غير صحيح. نعم، قد اقترح عليه الإعلان الرسمي عمّا كان يريد، ولعلّه كان بالتنسيق معه، وهو منهما غير بعيد! في مجمل ترجمة يزيد, لقد أجمع المؤرّخون، واتّفقت المصادر، وأطبقت الأخبار، على‏ أنّ يزيد كان يرتكب أنواع الفجور والفسوق والكبائر الموجبة للدخول في النار والخلود في العذاب الأليم... فقد نصّ البلاذري على‏ أنّ يزيد كان أوّل من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء، والصيد، واتّخاذ القيان والغلمان، والتفكّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة«5». وقال ابن كثير: إنّ يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد واتّخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يومٍ إلّا يصبح فيه مخموراً، وكان يشدّ القرد على‏ فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويلبس القرد قلانس الذهب، وكذلك الغلمان، وكان يسابق بين الخيل، وكان إذا مات القرد حزن عليه، وقيل: إنّ سبب موته أنّه حمل قردة وجعل ينقزها فعضّته...«6». قال: كان يزيد في حداثته صاحب شرابٍ... فأحسّ معاوية بذلك فأحبّ أن يعظه في رفق، فقال: يا بنيّ! ما أقدرك على‏ أن تصل إلى‏ حاجتك من غير تهتّك يذهب بمروءتك وقدرك، ويشمت بك عدوّك ويسي‏ء بك صديقك.

ثمّ قال: يا بني! إنّي منشدك أبياتاً فتأدّب بها واحفظها؛ فأنشده:

أنصب نهاراً في طلاب العلا         واصبر على‏ هجر الحبيب القريبِ‏

حتّى‏ إذا الليل أتى‏ بالدجى‏            واكتحلت بالغمض عينُ الرقيبِ‏

فباشر الليل بما تشتهي              فإنّما الليل نهار الأريبِ‏

كم فاسق تحسبه ناسكاً              قد باشر الليل بأمر عجيبِ‏

غطّى‏ عليه الليل أستاره             فبات في أمن وعيش خصيبِ‏

ولذّة الأحمق مكشوفة               يسعى‏ بها كلّ عدوّ مريبِ«7»

وروى الواقدي وابن سعد وجماعة قول عبد الله بن حنظلة لأهل المدينة: يا قوم اتّقوا الله، فوالله ما خرجنا على‏ يزيد حتّى‏ خفنا أن نرمى‏ بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح أُمّهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخلّ، ويدع الصلاة...«8». ومات يزيد بحوارين - قرية من قرى‏ دمشق - لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة 64 هـ, وهو ابن 38 سنة. قال ابن حبّان: وقد قيل: إنّ يزيد بن معاوية سكر ليلة وقام يرقص، فسقط على‏ رأسه وتناثر دماغه فمات«9». ولهذه الأغراض كان يذهب إلى‏ حُوّارِين، وكان بها لمّا مات معاوية«10».

_______________

(1) الاستيعاب 1/ 391.

(2) تاريخ دمشق 43/ 319- 320، مختصر تاريخ دمشق 18/ 198 رقم 142، وانظر: تاريخ دمشق 55/ 5- 6، مختصر تاريخ دمشق 23/ 141- 142 رقم 168.

(3) العقد الفريد 3/ 357.

(4) انظر حوادث سنة 56 في: تاريخ الطبري 3/ 248، الكامل في التاريخ 3/ 350- 351، تاريخ ابن خلدون 3/ 19- 20، وغيرها.

(5) أنساب الأشراف 5/ 299.

(6) البداية والنهاية 8/ 189 حوادث سنة 64.

(7) البداية والنهاية 8/ 183 حوادث سنة 64.

(8) تاريخ الإسلام، حوادث سنة 63.

(9) الثقات 2/ 314.

(10) تاريخ دمشق 59/ 231.

 

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=835
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12