بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ علّة غَيبة الإمام المَهديّ (عَجّل اللَّه فرجَه الشريفُ) هي من الأسرار الإلهيّة التي لا نستطِع الوقوف على حقيقتها وكنهها، كما أنّ لهذه الغَيبة المؤقتة نظائر في حياة أولياء اللَّه السابقين والأمم السابقة.
فقد غابَ النبيُّ موسى الكليمُ (عليه السلام) عن أُمّته أربعين يوماً، وقضى كلَّ هذه المدة في الميقات «1».
وغاب السيدُ المسيح (عليه السلام) بمشيئة اللَّه عن أنظار أُمّته، فلم يقدر أعداؤُه على قَتْله، والقضاء عليه «2».
وغاب النبيُّ يونس (عليه السلام) عن قومه مدّةً من الزَمان «3».
إذن فليست غيبةُ الإمام المهَدي (عليه السلام) عن أنظار الناس بدعاً من الأَمر، كما لا يصحّ أن تَقَعَ هذه الغَيبة مهما طالت ذريعةً لإنكار أصل وجودِ المهَديّ (عليه السلام). وأساساً إنّ كلَّ ما يثبُتُ عن طريق النقل المتواتر، ولكن لا يقدر الإنسان على التحقّق منه، ومشاهدته لا يجوز له أن ينكره أو يتردّد في القبول به مادام رُوِيَ ونُقِلَ بالتّواتر الموجب للاطمئنان، لأنّ قِسماً من الأحكام الإلهيّة التي هي من مسلّمات الدين الإسلاميّ وضروريّاته سيتعرَّض للتردِيد والإنكار إذا تجاهَلْنا هذه القاعدةَ العقلائيةَ الصائبةَ، وهذا الأمر العرفي المعقول جداً.
وغيبةُ الإمام المهديّ (عجل اللَّه فرجَه الشريف) ليس بمستثنىً من هذه القاعدة، وعَدَم الإطلاع على سِرّها أو أسرارها الحقيقية لا يجوزُ الترديدُ فيها، وإنكارُها. ومع ذلك فإنّنا يجب أن نقول: إنّه من الممكن إدراك سرّ الغيبة هذه في حدود فكرِنا البشريَّ وهذا السِرّ هو ما يلي:
حيث إنّ آخرَ حُجَّةٍ من حَجَج اللَّه وآخر إمامٍ من أئِمة أهلِ البيت قد أرادَ اللَّهُ تعالى أن يُحقّق به الأُمنيةَ الكبرى (وهي بسط العدل والقسط ورفع راية التوحيد على كل ربوع الأرض) وهذه الأُمنية الكبرى وهذا الهدف العظيم لا يمكن أن يَتحقق إلاّ بعد مرور ردح من الزمان، وإلا بعد تكاملِ العقلِ البَشَريّ وتهيّؤهِ الروحيِّ والنفسِيّ لذلك، حتى يستقبلَ العالَمُ - بشوقٍ ورغبةٍ - موكبَ الإمام والمصلح العالميّ، موكبَ العَدلِ والحريّةِ والسلامِ، لهذا فإنّ منَ الطبيعيّ أنّ هذا الإمام لو ظَهَرَ بين النّاس، وعاشَ بين ظهرانيِّهم قبلَ نُضُوج الأمر، وحصولِ المقدّمات اللازِمة، والأرضيّة المناسبة، كان مَصيرُه ومآلهُ، مصيرَ من سَبَقه من آبائِه من الأئمِةِ الكرامِ البرَرَة (أي الشهادة)، ولَقُتل (عليه السلام) قبل أن يتحقّق ذلك الهدفُ العظيم، وتلك الأُمنِيّة الكبرى على يديه. ولقد أُشير إلى هذه الحكمة في بعض الرّوايات الصادِرةِ عن أهل البَيْت (عليهم السلام) أيضاً.
فقد رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ لِلْقائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ ظُهُورِهِ».
يقول الراوي: قلتُ: ولِمَ؟ فقالَ الإمامُ الباقر: «يَخافُ (أي القتل)» «4».
أي منعاً من أن يُقتَل قبل تحقّق الهدفِ المنتظَرَ مِنه. وَرُبّما ذُكِرَ وجهٌ آخر لغيبته في بعض الرّوايات وهي إختبارُ النّاس وتمحيصُهم، وامتحانهم، يعني أنّ الناس يُختَبَرون في عَصر الغَيبة، ويمرُّون بالإمتحان الإلهيّ، ويُعرَفُ مدى ثباتهِم على طريق الإيمان، ومدى استقامَتهِم في طريق الإيمان والعقيدة. «5»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ سورة الأعراف: 142.
(2) لاحظ سورة النساء: 158.
(3) لاحظ سورة الصافات: 140.
(4) كمال الدين للشيخ الصدوق، ص 481، الباب 44، الحديث 8.
(5) راجع بحار الأنوار: 52/ 102، 113- 114، باب التمحيص والنهي عن التوقيت.
|