بسم الله الرحمن الرحيم
كم هو معيب ان يكذب الانسان او يبتر النصوص ويظن انه سيلقي ما يريد ثم لا يوجد من يتابع نقولاته واقواله. فمثلاً هذا الذي يبتر كلام امير المؤمنين عليه السلام) لغاية خبيثة في نفسه يريد أن يصل إليها. وإليك ما افاده بشبهته المردودة:
قال علي (رضي الله عنه) على منبر الكوفة: لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري(1).
إن النص الذي نقله هذا المدلس الكذاب صاحب الشبهة نظير ما لو جاء النصراني وقال: لماذا تستنكرون علينا التثليث وهو موجود في القران؟
فان قلنا له: فكيف ذلك جاء بقوله تعالى: (إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ) (2) أفهل يصح هذا الكلام يا عقلاء؟
لنرجع الى الجواب فنقول في مقام الرد على الشبهة: يقع الكلام في رد هذه الشبهة في مطلبين وخاتمة فيها تلخيص للرد.
المطلب الاول: هل كان يعتقد الامام علي (عليه السلام) في أبي بكر وعمر خيراً وافضليتهما منه ومن مصادر القوم الصحيحة لا الضعيفة والمبتورة؟
الجواب: عند صحيح مسلم(3).. فإليك المصدر والحديث بالنص..
نص الحديث: - 49 - (1757) وحدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن مالك بن أوس حدثه قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب فجئته حين تعالى النهار قال فوجدته في بيته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله متكئاً على وسادة من أدم فقال لي: يا مال إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت فيهم برضخ فخذه فاقسمه بينهم قال قلت لو أمرت بهذا غيري؟ قال خذه يا مال قال فجاء يرفا فقال هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؟ فقال عمر نعم فأذن لهم فدخلوا ثم جاء فقال هل لك في عباس وعلي؟ قال نعم فأذن لهما فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن فقال القوم أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهم وأرحهم ( فقال مالك بن أوس يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك) فقال عمر: اتئدا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا نورث ما تركنا صدقة؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا نورث ما تركناه صدقة قالا: نعم فقال عمر إن الله عز و جل كان خص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره قال ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول [ 59 / الحشر / 7 ] ( ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا ) قال فقسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بينكم أموال بني النضير فوالله ما استأثر عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأخذ منه نفقة سنة ثم يجعل ما بقي أسوة المال ثم قال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون ذلك؟ قالوا نعم ثم نشد عباساً وعلياً بمثل ما نشد به القوم أتعلمان ذلك؟ قالا نعم قال فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال أبو بكر أنا ولي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ( ما نورث ما تركنا صدقة ) فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائنا والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وولي أبا بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائنا والله يعلم إني بار راشد تابع للحق فوليتها ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فقلتما ادفعها إلينا فقلت إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخذتماها بذلك قال أكذلك؟ قالا نعم قال ثم جئتماني لأقضي بينكما ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فرداها إلي.)(4)
المطلب الثاني: التحقيق في المصادر التي نقل عنها صاحب الشبهة.
فنقول: ان صاحب الشبهة نقل الرواية من ثلاثة مصادر وعلينا متابعته فيها لنعرف الحق من الباطل والصحيح من الفاسد والصادق من الكاذب....
والمصادر هي:
1ـ الفصول المختارة للمفيد.
2ـ رجال الكشي.
3ـ معجم رجال الحديث.
المصدر الاول: الرواية في الفصول المختارة
قال الشيخ المفيد(5):
فصل: جواب الفضل بن شاذان عن الرواية عن علي (عليه السلام) بالتفضيل عليه:
و من حكايات الشيخ أدام الله عزه قال سئل الفضل بن شاذان رحمه الله تعالى عما روته الناصبة.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لا أوتي برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلدة المفتري.
فقال إنما روى هذا الحديث سويد بن غفلة وقد أجمع أهل الآثار على أنه كان كثير الغلط.. وبعد فإن نفس الحديث متناقض لأن الأمة مجمعة على أن علياً (عليه السلام) كان عدلاً في قضيته و ليس من العدل أن يجلد حد المفتري من لم يفتر هذا جور على لسان الأمة كلها وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) عندنا بريء من ذلك. قال الشيخ أدام الله عزه وأقول إن هذا الحديث إن صح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و لن يصح بأدلة أذكرها بعد فإن الوجه فيه أن المفاضل بينه و بين الرجلين إنما وجب عليه حد المفتري من حيث أوجب لهما بالمفاضلة ما لا يستحقانه من الفضل لأن المفاضلة لا تكون إلا بين متقاربين في الفضل وبعد أن يكون في المفضول فضل وإن كانت الدلائل على أن من لا طاعة معه لا فضل له في الدين وأن المرتد عن الإسلام ليس فيه شيء من الفضل الديني وكان الرجلان بجحدهما النص قد خرجا عن الإيمان بطل أن يكون لهما فضل في الإسلام فكيف يحصل لهما من الفضل ما يقارب فضل أمير المؤمنين (عليه السلام). ومتى فضل إنسان أمير المؤمنين (عليه السلام) عليهما فقد أوجب لهما فضلاً عظيماً في الدين فإنما استحق حد المفتري الذي هو كاذب دون المفتري الذي هو راجم بالقبيح لأنه افترى بالتفضيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) عليهما من حيث كذب في إثبات فضل لهما في الدين ويجري في هذا الباب مجرى من فضل المسلم البر التقي على الكافر المرتد الخارج عن الدين ومجرى من فضل جبرئيل (عليه السلام) على إبليس ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أبي جهل بن هشام في أن المفاضلة بين ما ذكرناه توجب لمن لا فضل له على وجه فضلاً مقارباً لفضل العظماء عند الله سبحانه وهذا بين لمن تأمله. مع أنه لو كان هذا الحديث صحيحاً وتأويله على ما ظنه القوم لوجب أن يكون حد المفتري واجباً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و حاشا له من ذلك لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) على سائر الخلق فآخى بينه وبين نفسه و جعله بحكم الله في المباهلة نفسه وسد أبواب القوم إلا بابه ورد كبراء أصحابه عن إنكاحهم ابنته سيدة نساء العالمين (عليها السلام) وأنكحه وقدمه في الولايات كلها ولم يؤخره وأخبر أنه: يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وأنه أحب الخلق إلى الله وأنه مولى من كان مولاه من الأنام وأنه منه بمنزلة هارون من موسى بن عمران وأنه (عليه السلام) أفضل من سيدي شباب أهل الجنة وأن حربه حربه وسلمه سلمه وغير ذلك مما يطول شرحه إن ذكرناه. وكان يجب أيضاً أن يكون (عليه السلام) قد أوجب الحد على نفسه إذ أبان عن فضله على سائر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يقلها أحد قبلي ولا يقولها أحد بعدي إلا كذاب مفتر صليت قبلهم سبع سنين. وفي قوله (عليه السلام) لعثمان وقد قال له أبو بكر وعمر خير منك. فقال : بل أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما. وكان أيضاً قد أوجب الحد على ابنه الحسن (عليه السلام) وجميع ذريته وأشياعه وأنصاره وأهل بيته فإنه لا ريب في اعتقادهم فضله على سائر الصحابة. وقد قال الحسن (عليه السلام) صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام): لقد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون بعمل ولا أدركه الآخرون. و هذه المقالة متهافتة جداً. قال الشيخ أدام الله عزه ولست أمنع العبارة بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أفضل من أبي بكر و عمر على معنى تسليم فضلهما من طريق الجدل أو على معتقد الخصوم في أن لهما فضلاً في الدين فأما على تحقيق القول في المفاضلة فإنه غلط وباطل قال الشيخ أدام الله عزه وشاهد ما أطلقت من القول ونظيره قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في أهل الكوفة: اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني اللهم فابدلني بهم خيراً منهم وابدلهم بي شراً مني. و لم يكن في أمير المؤمنين (عليه السلام) شر وإنما أخرج الكلام على اعتقادهم فيه ومثله قول حسان وهو يعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).
أتهجوه ولست له بكفؤ *** فشركما لخيركما الفداء
ولم يكن في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) شر وإنما أخرج الكلام على معتقد الهاجي فيه " اهـ كلام المفيد بنصه.
هكذا بتر الوهابي النص من هنا واساساً المفيد جاء بها ليرد عليها؟ والنص امامكم والحمد لله الذي جعل اعدائنا يضطرون للبتر والكذب حتى يدافعوا عن المأزق الذي هم فيه! الموضع الثاني: (الرواية في معجم رجال الحديث).
واما السيد الخوئي في معجمه فاوردها في موضعين:
1ــ في ترجمة سفيان الثوري برقم ( 5233 )
وهنا نقل الرواية المتقدمة من كتاب اختيار معرفة الرجال " والذي هو اختصار الشيخ الطوسي لكتاب رجال الكشي " .. ولمعرفة خلاصة كلام السيد الخوئي في سفيان الثوري ناقل هذه الرواية نرجع نقول:
ـــ جاء في المفيد من معجم الرجال الحديث محمد الجواهري
" 5233 - سفيان بن سعيد : بن مسروق أبو عبد الله الثوري - وقال الكشي " سفيان الثوري "
ــ من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) أسند عنه فيه روايات تدل على خبثه متحد مع سفيان الثوري " المجهول الآتي 2543 "
قال العلامة وابن داود " سفيان الثوري، ليس من أصحابنا ". انتهى كلام صاحب المفيد....
اقول: اذن يتحصل من نقل السيد الخوئي الآتي:
ــ انما نقل الرواية وغيرها من الروايات الطاعنة في الائمة ليدلل على خبثه كما قال صاحب المفيد.
ـــ ان الرجل ليس شيعياً كما قال العلامة في الخلاصة.. وهذا امر معروف عند المخالف والمؤالف..
ــ ان الرجل متحد مع اخر مجهول!!
2ــ الموضع الثاني الذي ذكر فيه السيد الخوئي الرواية هو:
في ترجمة سويد بن غفلة (عفلة) برقم 5618.
وفي هذا الموضع نقلها السيد الخوئي من الفصول المختارة وقال معلقا عليها ما هذا نصه: " أقول : هذه رواية مرسلة لا يعتمد عليها وكيف يصح ذلك وقد اعتمد الفضل بنفسه على رواية سويد كما عرفت.على أن هذه الرواية رويت عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر، دون سويد بن غفلة وقد تقدمت الرواية في ترجمة سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري. " اهــ كلام السيد الخوئي..
المصدر الثالث: الذي نقل عنه صاحب الشبهة الرواية هو كتاب الكشي في الرجال فنقول:
(الرواية من كتاب الكشي)
اولا: الرواية غير موجودة في كتاب الكشي الذي عندي وانما موجودة في كتاب هو اختصار لكتاب الكشي كما قلنا وهو كتاب " اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي.
ثانيا: الرواية التي نقلها الطوسي في اختيار معرفة الرجال هي ايضا مروية عن " سفيان الثوري " وتقدم الكلام فيه واليك نص الرواية من كتاب اختيار معرفة الرجال, الرواية طويلة وقد نقلناها كاملة فلا نعيد الا اننا سنذكر موضع الشاهد...
ــ جاء في صفحة [695] من كتاب اختيار معرفة الرجال
" ....... فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : زدنا قال: حدثني سفيان الثوري، عن محمدبن المنكدر، أنه رأي عليا (عليه السلام) على منبر الكوفة وهو يقول: لئن اتيت برجل يفضلني على أبي بكر وعمر لاجلدنه حد المفتري...." اهــ كلام الطوسي
خاتمة: خلاصة البحث في رد هذه الشبهة في نقاط:
الاولى : ان الامام علي (عليه السلام) بنص صحيح مسلم كان يرى ان ابا بكر وعمر آثمان غادران كاذبان، فكيف يعقل ان يجلد من راى افضليته عليهما وهو من حبه ايمان وبغضه نفاق كما هو متفق عليه بين المسلمين..
الثانية: لم تصح الرواية على الاطلاق في كتب الشيعة وانما نقلت كبيان لحال راو من الرواة وهو سفيان الثوري..
الثالثة: ان سفيان الثوري هو من علماء المخالفين وليس من اصحابنا كما قال العلامة وغيره..
الرابعة: قد عبر الشيخ المفيد عن الرواية بانها من مرويات النواصب
الخامسة: ان الرواية متناقضة كما نص ايضا المفيد ونقلنا عبارته بالتفصيل..
السادس: ان الرواية مرسلة لا يعتمد عليها كما قال السيد الخوئي قدس سره..
السابع: ان سفيان ناقل الرواية نقل روايات تدل على خبثه كما قال صاحب كتاب المفيد...
وصلى الله على محمد واله الطاهرين..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكشي: ترجمة رقم: 257، معجم الخوئي: 8/153، 326، الفصول المختارة: 127.
(2) سورة المائدة : 73.
(3) صحيح مسلمن الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروتن تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي.
(4) صحيح مسلم: ج3، ص1376.
(5) الفصول المختارة، للمفيد: ص 167الى 170.
|