بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ذكر في بحث المعرفة أنّ أبرز طرق المعرفة بالحقائق تتمثّل في: الحسّ، والعقل، والوحي. ويمكن لمعرفة الصفات الإلهيّة الجمالية والجلاليّة الإستفادة من الطريقين التاليين:
1- طريق العقل: فإنّ التأمّل في عالم الخَلق، ودراسة الأسرار الكامنة فيه والتي تدل برمّتها على أنّها مخلوقة للَّه، تقودنا إلى كمالات اللَّه الوجودية، فهل يمكن أن يتصوّر أحدٌ أنّ بناء الكَون الشاهق قد تمّ من دون عِلمٍ وقدرةٍ واختيارٍ. إنّ القرآن الكريم يدعو- تأْييداً لحكم العقل في هذا المجال- بالتدبّر في الآيات التكوينية في صعيد الآفاق والأنفس إذ يقول: «قُلِ انْظُرُوا ماذا في السَّماواتِ وَالأرْضِ» «1». أي أُنظُروا نظرة تدبّر وتأمل لتكتشفوا الحقائق العظيمة. على أَنّ من البديهيّ أنّ العقلَ يسلك هذا الطريق بمعونة الحسّ، أي أنّ الحس يبدأ أوّلًا باكتشاف وإدراك الموضوع بصورةٍ عجيبةٍ، ثم يعتبر العقل عظمة الموضوع، وتكوينه العجيب، دليلًا على عظمة الخالق وجماله.
2- طريق الوحي: فبعد أن أثبتت الأدلةُ القاطعةُ النبوّةَ والوحيَ،واتّضح أنّ الكتاب الذي أتى به النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) وكذا قوله كان برمّته من جانب اللَّه، كان من الطبيعيّ أن يكون في مقدور الكتاب والسُّنّة أن يساعدا البشريةَ في معرفة صفات اللَّه، فقد ذُكِرت صفات اللَّه الجماليّة والجلاليّة في هذين المصدرين بأفضل نحو. ويكفي أن نعرف أنّه جاء بيان قرابة 140 صفة للَّه تعالى في القرآن الكريم، ونكتفي هنا بذكر آية واحدة تذكر بعض تلك الصفات: «هُوَ اللَّهُ الّذِي لا إلهَ إلّاهُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ اْلمُؤْمِنُ الْمُهَيمنُ الْعَزيزُ الْجَبّارُ المُتَكَبّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عمّا يُشْركُونَ* هُوَ اللَّهُ الخالِقُ البارئُ المُصَوّرُ لَهُ الأسْماءُ الحُسنى يُسَبّحُ لَهُ ما في السَّمواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكيمُ» «2». هذا والجدير بالذكر أنّ هناك من احتج بعجز البشر عن معرفة الموجودِ الأعلى فترك البحثَ عن صفات اللَّه، ونهى عن ذلك، وهؤلاء في الحقيقة هم «المعطّلة» لأنَّهم حَرَموا الإنسان من المعارف السامية التي أرشد إليها العقلُ والوحيُ معاً. ولو كانَ البحثُ والنّقاش حولَ هذه المعارف مَمنُوعاً حقاً لكان ذِكرُ كّلِ هذه الصفات في القرآن الكريم، والأمرُ بالتدَبر فيها غيرَ ضروريّ بل لغواً. ويجب أن نقول- مع بالغ الأسف- إنّ هذا الفريق حيث إنّه أوصد على نفسه بابَ المعرفة، وقع نتيجةً لتعطيل البحث العلمي في ورطة «تجسيم اللَّه وتشبيهه وإثبات الجهة له سبحانه».
((1))يونس101
((2))الحشر23-24
|