بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في كتاب (الف سؤال واشكال على المخالفين لاهل البيت الطاهرين) للشيخ علي الكوراني العاملي الاشكال الاتي:
يمكن تقريب الشفاعة إلى الذهن بأنها (قاعدة الإستفادة من الدرجات الاضافية) كأن يقال للطالب الذي حصل على معدل عال: يمكنك أن تستفيد من النمرات الإضافية على معدل النجاح، فتعطيها إلى أصدقائك، الأقرب فالأقرب من النجاح.
ولنفرض أن الانسان يحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلى51 درجة (مَنْ رَجُحَتْ حسناتُه على سيئاتِه)، فالذي بلغ عمله 400 درجة مثلاً يسمح له أن يوزع 349 درجة على أعزائه، ولكن ضمن شروط، بأن يكونوا مثلاً من أقربائه القريبين، وأن يكون عند أحدهم ثلاثين درجة فما فوق، وذلك لتحقيق أفضل استفادة وأوسعها من الدرجات الإضافية.
وقد نصت بعض الأحاديث عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) على أن شفاعة المؤمن تكون على قدر عمله، ففي مناقب آل أبي طالب: عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، قال: ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) يقوم على كُوم قد علا الخلايق فيشفع، ثم يقول: يا علي إشفع، فيشفع الرجل في القبيلة، ويشفع الرجل لأهل البيت ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله. فذلك المقام المحمود)(1). انتهى. وروت في مصادر السنة شبيهاً به أيضاً.
وبما أن درجات الملائكة والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ودرجات المؤمنين متفاوتة وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبينا (صلى الله عليه وآله) فليس غريباً أن يكون أعظمهم شفاعة عند الله تعالى.
وبما أن سيئات الناس تتفاوت دركاتها ويصل بعضها إلى تحت الصفر بألوف الدرجات مثلاً.. فالذين تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلى النجاح والأفضل من مجموع المسيئين، وقد وردت في شروطهم عدة أحاديث، منها عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إن أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعةً: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانةً، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس)(2).
وعلى هذا فالشفاعة مقننة بقوانين دقيقة ككل الأعمال الإلهية الدقيقة الحكيمة، وليست من نوع الوساطات والمحسوبيات الدنيوية، كما يتصوره بعض المستشرقين أو المسلمين.
قال المستشرق اليهودي جولد تسيهر في كتابه مذاهب التفسير الإسلامي، مادحاً المعتزلة لقولهم بعدم شمول الشفاعة لمرتكبي الكبائر: ( لا يريدون التسليم بقبول الشفاعة على وجه أساسي حتى لمحمد، ذلك بأنه يتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهي المطلق )(3).
وقال بعض المتأثرين بالأفكار الوهابية: (إن الشفاعة إنما هي بالشكل فقط، وليست حالة وساطة بالمعنى الذي يفهمه الناس في علاقتهم بالعظماء حيث يلجأون إلى الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة مودة أو مصلحة أو موقع معين ليكونوا الواسطة في إيصال مطالبهم وقضاء حوائجهم عنده ).
وقال: (إن الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده، لتكون المسألة في الشكل واسطة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الإلهي الرباني، تماماً كما لو كان النبي السبب أو الولي هو الواسطة.
وقال: (وفي ضوء ذلك لا معنى للتقرب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس على شفاعتهم، لأنهم لا يملكون من أمرها شيئاً بالمعنى الذاتي المستقل، بل الله هو المالك لذلك كله على جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محددة، ليس لهم أن يتجاوزوها. الأمر الذي يفرض التقرب إلى الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له)(4).
الأسئلة:
1 ـ لماذا تصرفون آيات الشفاعة عن ظهورها في الشفاعة الحقيقية وتجعلونها شفاعة شكلية؟!
2 ـ لماذا تقبلون شفاعة إبراهيم والأنبياء السابقين (عليهم السلام) التي نصت عليها التوراة والإنجيل، وتتوقفون في شفاعة نبينا (صلى الله عليه وآله)؟!
3 ـ ألا ترون أن تصور اليهود لربهم ووصفهم له بعدم الحكمة في أعماله، قد أثر عليكم فقستم الشفاعة التي أخبر عنها سبحانه على شفاعات الدنيا عند الحكومات والشخصيات، ولذلك نفيتموها؟!
___________
(1) مناقب آل أبي طالب: 2/ 15
(2) مستدرك الوسائل: 11/171
(3) مذاهب التفسير الإسلامي: ص192
(4) خلفيات مأساة الزهراء (عليها السلام): 1/221.
|